أصدرت محكمة الاحتلال الأسبوع الماضي تعليلات لقرارها الصادر بخصوص قضية مستوطنة "عمونا"، التي أشغلت الرأي العام أشهر طويلة، وكادت تؤدي إلى إسقاط حكومة الاحتلال، فهذا القرار أعاد إلى الواجهة قضية جرائم الحرب التي يرتكبها الإسرائيليون في الأراضي المحتلة عام 1967.
ففي شباط الماضي، قبلت محكمة الاحتلال الالتماس الذي قدمه فلسطينيون من بلدة سلواد شرق رام الله ضد القيادة العسكرية للاحتلال في الضفة المحتلة ومستوطنين حول مخطط إقامة بؤرة استيطانية جديدة على أراضيهم، إلا أن المحكمة الإسرائيلية أرجأت تعليل قرارها حتى نهاية الأسبوع الماضي، وقد عللت قبول الإلتماس لأسباب اجرائية تقنية، بينما جاءت التعليلات الجوهرية مناقضة للقوانين الدولية السارية في المناطق المحتلة، ليبارك المستوطنون القرار وقد اعتبروه نصراً وشرعنة للاستيطان في الضفة المحتلة.
لعل هذا القرار، الذي كتبه القاضي سليم جبران، وهو القاضي العربي الوحيد الذي شغل هذا المنصب في المحكمة العليا الاسرائيلية، يضع أيضا هذه المحكمة تحت طائلة الملاحقة القانونية بتهمة جرائم حرب.
تقع أراضي "ظهر المزارع" بالقرب من بلدة سلواد، وتعود ملكية أراضيها إلى أهالي البلدة والقرى المجاورة، إذ كان يزرعها أصحابها بشكل متواصل حتى عام 1996، إذ استولى عليها المستوطنون وطردوا أصحابها منها تحت أعين جيش الاحتلال وتشجيعه.
في البدء، حاول المستوطنون السيطرة على الأراضي بإدعاء إقامة عمليات حفر وتنقيب أثرية في المنطقة، ورويدا رويدا بدأوا بإقامة مباني مؤقتة وإسكان عائلاتهم بها، كانت تلك إحدى أساليب الإحتيال التي تمارسها حكومة الاحتلال بواسطة المستوطنين لسلب الأرض الفلسطينية الخاصة والإلتفاف على القوانين والمعاهدات الدولية، ورغم محاولات أصحاب الأراضي العودة إلى أراضيهم، إلا أنهم مُنعوا بالقوة من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال.
عام 2008 توجه أصحاب أراضي "ظهر المزارع" بالتماس إلى محكمة العدل العليا الاسرائيلية، طالبوا خلاله إلزام حكومة الاحتلال اخلاء المستوطنين من أراضيهم الخاصة، وبعد مماطلات استمرت سنوات طويلة، أصدرت محكمة الاحتلال نهاية عام 2014 قرارها بإخلاء المستوطنين خلال عامين.
مع اقتراب موعد تنفيذ القرار، ازدادت ضغوطات المستوطنين على حكومة الاحتلال بعدم تنفيذه وإيجاد مخرج "قانوني " لذلك، وقد هدد ممثلو المستوطنين بإسقاط حكومة الاحتلال إذا لم تستجب لمطالبهم، حينها أوعزت الحكومة الأسرائيلية للقائد العام لجيش الاحتلال في الضفة المحتلة، بصفته صاحب الصلاحية في المناطق المحتلة، بتعديل القوانين السارية في الضفة وإتخاذ الإجراءات لضمان بقاء المستوطنين في المنطقة ذاتها، مدعية أن الأمر سيكون لفترة مؤقتة مدتها سنتين.
في أعقاب ذلك، توجه أصحاب الاراضي مرة أخرى إلى محكمة الاحتلال مطالبين بإلغاء هذه الاجراءات، معللين ذلك بأسباب اجرائية وأسباب جوهرية. بداية شباط الماضي أصدرت المحكمة قرارها بقبول التماس أصحاب الأراضي دون تعليل، وفقط نهاية الأسبوع الماضي أصدرت تعليلاتها إذ تبين أنها قبلت الالتماس لأسباب اجرائية تقنية، بينما بالمقابل قبلت ادعاءات المستوطنين الجوهرية، هذه التعليلات كانت مفرحة للمستوطنين بينما كانت صادمة للفلسطينيين، الذين اعتبروها مناقضة للقوانين والمعاهدات الدولية السارية في مناطق محتلة.
بالرغم أن الجميع يعلم أن إدعاء المستوطنين نيتهم إقامة مستعمرة مؤقتة لمدة سنتين هو إدعاء كاذب، وأن الهدف إقامة مستعمرة دائمة. إلا أن محكمة الاحتلال أغمضت عينيها عن رؤية الحقيقة، بينما عاملت المستوطنين كأناس طبيعيين وأصحاب حقوق يجب أخذها بعين الاعتبار رغم تاريخهم الإجرامي المتمثل بالاعتداء على أصحاب الأراضي الشرعيين، وعدم احترامهم للقوانين الأساسية، وتهديداتهم المتكررة بالاستمرار الإعتداء على الفلسطينيين وطرق الاحتيال التي قاموا بها للسيطرة على أراضي ليست لهم، كل ذلك يؤكد عدم عدالة هذه امحكمة.
أما أخطر ما جاء في قرار محكمة الاحتلال، التفسيرات غير المنطقية للقوانين والمعاهدات الدولية السارية في المناطق المحتلة، فبدل أن تعتبر المستوطنين مجرمي حرب يجب ملاحقتهم ومحاكمتهم، اعتبرتهم سكان محميين مثلهم مثل السكان الأصليين وأن على قائد الاحتلال العسكري للمنطقة أخذ مصالحهم بعين الاعتبار والعمل من أجل رفاهيتهم حتى لو كان ذلك على حساب أصحاب الءراضي الفلسطينيين.
بعد أن قبلت محكمة الاحتلال لأسباب إجرائية تقنية التماس السكان الفلسطينيين، قام الكنيست الاسرائيلي بسن قانون جديد يدعى قانون التسوية، يهدف إلى شرعنة عملية سلب الأراضي الخاصة للفلسطينيين والتي أقام المستوطنين عنوة بيوت عليها وزراعتها، وقد حظي هذا القانون إلى انتقادات دولية ومحلية واسعة باعتباره عملية سلب ونهب يرقى إلى جرائم الحرب، وبعد سن القانون قدم التماس إلى المحكمة لإبطاله بإدعاء أنه غير دستوري، وقد رفض حتى المستشار القضائي لحكومة الاحتلال الدفاع عن دستورية القانون وحذر "الحكومة الاسرائيلية" من ملاحقتهم دوليا بتهم جرائم حرب.
وتهدف تعليلات محكمة الاحتلال في قرارها الأخير إلى إعطاء الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية في عملية نهب وسلب أملاك وأراضي الفلسطينيين الخاصة، ما سيضعها تحت طائلة الملاحقة القانونية.