رام الله - قدس الإخبارية: لم تزل سياسة القمع والردع التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على القرى والمناطق الفلسطينية، التي تتصاعد منها العمليات الفدائية، تجري على قدمٍ وساق، امتدادًا طبيعيًا لسياسة "العصا والجزرة" التي يحاول من خلالها تنفيذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد الفلسطينيين، من مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم إلى وقف تصاريح العمل داخل الأراضي المحتلة عنهم.
سلطات الاحتلال استغلت عملية الطعن التي نفذها الشاب عمر العبد في 21 يوليو من العام الجاري، بمستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي قرية النبي صالح غرب رام الله، وقتل على إثرها 3 مستوطنين وأصيب رابعٌ بجراحٍ خطيرة، لتصادر أراضٍ زراعية تابعة للقرية تبلغ مساحتها قرابة 4 دونمات، لإقامة سياج أمني حول المستوطنة بحجة دواعٍ أمنية.
عضو المجلس القروي للنبي صالح ناجي التميمي، أكد لـ قدس الإخبارية أن الاحتلال اتخذ عملية "حلميش" حجةً لوضع يده على تلك الأرض بدعوى "احتياجات عسكرية"، وقام بوضع كرافاناتٍ فيها، مشيرًا إلى أن "المنطقة تتعرض لموجات متلاحقة من الاستيطان".
التميمي حذّر من مخطط إسرائيلي خطير تسعى سلطات الاحتلال من خلاله إلى إقامة تجمع استيطاني يضم "حلميش" و "نحلئيل" و"ناريا" و"دولف" وغيرها، وتقوم من خلاله بمصادرة عشرات الآلاف من الدونمات من الأراضي، في محاولةٍ منها لفصل مناطق غرب رام الله عن رام الله المدينة.
وليس ببعيدٍ عن قرية النبي صالح، تعرضت قرية كوبر التي خرج منها الأسير العبد منفذ عملية "حلميش"، لحصار دام قرابة الشهر، تخلله عمليات مداهمات يومية، وحملات تفتيش وتخريب للبيوت وممتلكاتها، وفقًا لما ذكره رئيس المجلس القروي عزت بدوان.
بدوان أكد في حديث مع قدس الإخبارية، أن الاحتلال انتهج سياسة العقاب ضد القرية من خلال مداهمتها يوميًا بأعداد كبير من الجنود والآليات، إضافة إلى استيلائه على مئات الدونمات من أراضي القرية، لإقامة مدينة استيطانية كبيرة، كان قد أعلن عنها قبل أعوام لكنه لم يشرع بنتفيذها في حينه.
يضيف بدوان، "حاولنا منذ اليوم الأول كسر الحصار المفروض على القرية بمختلف الطرق، واندلعت مواجهات عنيفة بين شبان القرية وجنود الاحتلال، الذي كانوا يهربون من شدة هذه المواجهات"، ليتمكن أهالي القرية من كسر الإغلاق والتوجه إلى أعمالهم وقضاء مصالحهم اليومية.
وأعلن جيش الاحتلال عن إغلاق كوبر عقب عملية "حلميش"، ومنع سكانها من مغادرتها، وشرعت جرافاته في حفر المدخلين الرئيسيين ثم إغلاقها بالسواتر الترابية، قبل أن ينجح الشبان في إزاحتها جزئيًا بعد مواجهات مع الجنود.
مصادر لشبكة قدس كشفت أن سلطات الاحتلال سلمت إخطارات نهائية بالهدم لـ10 منشآت في بلدة سلواد شمال شرقي رام الله، من بينها منازل فاخرة وفلل سكنية تتجاوز تكلفة الواحدة منها المليون دولار، كذلك تتضمن القائمة مخازن ضخمة، ومشحمة سيارات، وجزءًا من مدرسة في المنطقة، كما وصادر جيش الاحتلال عددًا كبيرًا من سيارات البلدة، حتى تحول معسكر "عوفرا" المقام على أراضي سلواد إلى مرآبٍ للسيارات التي يتم مصادرتها.
في قرية المغيّر شمال شرقي رام الله، تنتهج سلطات الاحتلال سياسةً أخرى، إذ تقوم بمصادرة العشرات من السيارات التي تقل أصحابها إلى أراضيهم في موسم قطاف الزيتون، تحت حجج عدم قانونيتها أو سرقتها، إلا أن ادعاءات الاحتلال هذه لا تعدو كونها تبريراتٌ يؤكد كذبها أن الجيش هو من يقوم بعمليات المصادرة إلى جانب شرطة الاحتلال؟
حسين أبو عليا، أحد سكان قرية المغيّر، يقول لـشبكة قدس أن "الاحتلال يقوم بمصادرة السيارات بشكلٍ شبه يومي، وأصبحت الظاهرة خطيرة ومؤثرة على سكان القرية"، منوهًا في الوقت ذاته إلى أنها تأتي في سياق سياسة عقابية للقرية بسبب المواجهات التي يشعلها الشبان مع جنود الاحتلال والمستوطنين على شارع "ألون" الذي يربط بين شمال وجنوب الضفة ويشهد حركة للمستوطنين.
لم يكتفِ الاحتلال بمصادرة السيارات في سبيل عقابه للقرية، إذ يقول أبو عليا أن "الاحتلال صادر حتى الآن ما لا يقل عن 50 دونمًا من أراضيها، كما أن معظم سكان القرية ممنوعون من الحصول على تصاريح عمل."، ويقوم بشكل مستمر بتهديد سكان القرية من خلال منشوراتٍ يومية تتوعدهم بتنفيذ اعتقالات ونصب حواجز وإجراءات أخرى، في محاولةٍ لثنيهم عن إشعال المواجهات والمشاركة في أعمال المقاومة.
وتمثل سياسات الاحتلال العقابية ضد الفلسطينيين خرقًا واضحًا للقوانين الدولية والإنسانية، إذ يقول مدير المكتب الفلسطيني لحقوق الإنسان سميح محسن، أن "ما يقوم به الاحتلال يخالف القانوني الحقوقي والإنساني الدولي، وهي إجراءات ترقى إلى الجرائم الدولية"، ويعتبرها اختراقًا إسرائيليًا واضحًا لاتفاقية جنيف 1946، التي تدعو إلى حماية المدنيين في وقت الحروب.
يضيف محسن في اتصال مع قدس الإخبارية، "تصعد سلطات الاحتلال من سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، ويأخذ التصعيد أشكالًا عدة، منها هدم وتفجير منازل الشبان الفلسطينيين منفذي عمليات الطعن أو الدهس أو إطلاق النار ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه"، متابعًا، "قد يكون العقاب أيضًا بفرض الحصار على التجمعات السكانية وعزلها عن محيطها، أو مصادرة الأراضي أوحرمان أهالي القرى من تصاريح العمل في المستوطنات والأراضي المحتلة".
واعتبر أنه من "المعيب على المجتمع الدولي أن تستمر هذه المخالفات التي يقوم بها الاحتلال، دون اتخاذ أي موقف دولي حقوقي وإنساني حازم تجاهها"، مطالبًا الأطراف الدولية والحقوقية بالوفاء بالتزاماتها تجاه المعاهدات الدولية الإنسانية التي توجب عليهم الوقوف في وجه سياسات الاحتلال وإجراءاته بحق الفلسطينيين.