مع بدء الحكومة عملها في قطاع غزة يعيش الناس في حال من الاختبار وحبس الأنفاس وينتظرون الأسوأ، ورئيس الوزراء قبل قدومه لغزة أكد على أن البدء بتسلم الحكومة مسؤولياتها في قطاع غزة يعني أن تبدأ الحكومة بتولي مسؤولياتها بشكل فعلي وشامل، دون أي اجتزاء، أو انتقاص لكافة مهامها، ومسؤولياتها، وصلاحياتها، وبسط ولايتها القانونية وفقاً للقانون الأساسي، وكافة القوانين الصادرة عن رئيس دولة فلسطين، في جميع القطاعات، وفي مختلف المجالات دون استثناء.
الحكومة ستمارس عملها وفق رؤيتها القائمة وستطبق القوانين والقرارات بقوانين الذي اتخذها الرئيس محمود عباس خلال سنوات الانقسام، وفي ظلّ غياب المجلس التشريعي، سيستمر سيل إصدار القرارات بقوانين التي لا تستوفي شرط الضرورة، دون وجود رؤية واضحة أو إجراءات إصدار محددة وثابتة تضمن الشفافية ومشاركة أكبر من القطاعات المتأثرة بالتشريعات في المشاورات التي تسبق إصدار القوانين، ودون مشاورات كافية مع الأطراف ذات العلاقة بالقانون، بما فيها مؤسسات المجتمع المدني.
بعد أن حصلت فلسطين على صفة الدولة المراقب في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في الأمم المتحدة، يبدو أن السلطة الوطنية الفلسطينية تسابق الزمن من خلال توقيعها لمجموعة كبيرة من المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك الوكالات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وهنا تبرز الأسئلة المشروعة للحكومة والتجربة معها قائمة، وعدم إحترامها للقانون الأساسي الفلسطيني. وما هو موقفها من الالتزامات القانونية والمعاهدات التي صادقت عليها دولة فلسطين كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من الاتفاقيات؟
ما هو موقف الحكومة من حرية الرأي والتعبير ومن قانون الجرائم الالكترونية سيئ الصيت والسمعة، والتي أقرته الحكومة والعمل به قائم، وهل ستستمر الملاحقة واستدعاء واحتجاز المدونين والصحافيين على خلفية حرية الرأي والتعبير والعمل الصحافي، والتضييق عليهم وقمع الحريات الإعلامية واستخدام القوة من قبل عناصر الأجهزة الأمنية بحق مشاركين في مسيرات سلمية مطالبة بحقوقهم في القطاع؟
هل ستقوم الحكومة بحجب المواقع الإلكترونية في قطاع غزة على غرار حجبها 66 موقعًا إلكترونيًا في الضفة الغربية؟ وحرمان الصحافيين من ممارسة حرية العمل الإعلامي وحرية النشر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والحق في الحصول على المعلومات، وانتقاد الشخصيات العامة أو الأوضاع بشكل عام؟
ما هو موقف الحكومة من المعتقلين السياسيين من حركتي فتح وحماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، هل ستفرج عنهم ام أنها ستبقي على اعتقالهم وغالبيتهم تمت محاكمتهم امام محاكم عسكرية؟ وهل ستستمر الحكومة في سياسة الاعتقال السياسي والاستدعاءات للأهالي من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
هل ستستمر الحكومة في عرض المدنيين على القضاء العسكري وحرمانهم من المثول أمام قاضيهم الطبيعي؟، وما هي الإجراءات التي ستتخذها للحد من ظاهرة التعذيب، وسوء المعاملة والمعاملة اللإنسانية وغيرها من ضروب المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة؟
وكيف ستتعامل الحكومة مع حالات الإنتحار والحد من البطالة، والتنافس في الفرص والحق في تقلد الوظيفة العمومية؟، وهل ستسمح بحرية العمل السياسي والحق في تشكيل الجمعيات والنقابات؟ وهل ستسمح لخصوم الرئيس السياسيين مثل النائب محمد دحلان والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي يديرها ويمولها بحرية العمل؟ وهل سنشهد قرارات جديدة برفع الحصانة البرلمانية عن بعض النواب من التيار الاصلاحي في حركة فتح؟
وهل سنشهد تدخلاً أمنيًا في منظومة القضاء وإستمرار سيطرة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية على الحياة الديمقراطية؟، وكيف ستحافظ الحكومة على حالة السلم الاهلي والاجتماعي والحد من الجرائم وحوادث القتل والرصاص الطائش، وسوء استخدام السلاح الذي راح ضحيته مئات الضحايا الأبرياء؟، هل سنرى حكومة تُعزّز سيادة القانون والمساواة، وتُحترم حقوق الإنسان، وتضمن حريات جميع الأفراد؟
أعتقد أن رؤية الحكومة لأدبيات حقوق الإنسان، ليست ذات أهمية وهذا السباق لانضمام فلسطين للمعاهدات والمواثيق الدولية هو توجه سياسي اكثر منه إحترام حقوق الانسان، ومع أن الحكومة تعتبر نفسها جزء من منظمومة حقوق الانسان وقيمها العالمية، لكنها لم ترقى إلى الاحترام الحقيقي للإنسان كقيمة ولحقوقه الأساسية، وما وقعت عليه من معاهدات.
الحكومة وعدم إحترامها للقانون ورؤيتها لعملية النقد لسياسات وخطط الحكومة والقرارات بقوانين التي تصدرها فهي تمارس الإقصاء، وكل من ينتقد سياسات الحكومة أو أنشطتها هو معاد للحكومة. فأي انتقاد للحكومة يُنظر إليه على أنه تشويه لسمعة الحكومة وخصم لها وأنه صاحب أجندة غير وطنية ويتبع سياسات مموليه أو جهات سياسية مناهضة للحكومة.