في خضمّ الحديث عن المصالحة الفلسطينية بين حركة فتح وحماس؛ التنظيمين الأبرز على الساحة الفلسطينية، تشتدّ المنافسة بينهما على استعادة الثقة الإقليمية والدولية، استعدادًا لمرحلة ما بعد المصالحة، حيث يعي الطرفان بأن "السلطة" دون دعم إقليمي ودولي باتت عبئًا حقيقيًا.
في قطاع غزة، تمضي الأزمة الإنسانية بدقّ ناقوس الخطر على إنفجار محتمل في ظل إرتفاع مستوى المعاناة الإنسانية لأعلى مستوياته منذ الإنقسام، ويكاد التنافس في أشدّه بين المنظمات الدولية في الآونة الأخيرة حول عرض تقارير لمعدلات البطالة والفقر وأزمة الكهرباء وأزمة المياه. ومن جهة أخرى، بات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يرى في التحولات الإقليمية والدولية منذ مجئ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضربة جديدة له من جهة، وبيئة خصبة لمنافسه وخصمه، القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان من جهة أخرى.
ومن هنا، يرى الفلسطينييون أنه رغمًا عن فقدان الثقة؛ بالمصالحة الفلسطينية وتراجعها تجاه التنظيمات والقيادات الفلسطينية، وصعوبة تحقيق حلّ يضمن لهم كرامتهم في ظلّ عدم تبدّل الإرادة الإقليمية والدولية وتزايد إنتهاكات الاحتلال بشكل يومي، إلا أن بصيص أملٍ ولو كان مؤقتًا فإنه يخرجهم من حالة الشقاء والإرهاق الاقتصادي والاجتماعي، الذي قد يكون أقل ضررًا من إستنزاف طاقاتهم في ظلّ الإنقسام. لكنّ مقايضة الفلسطينيين هنا بمعدل جولة من المصالحة كل عامين خلال أحد عشر عامًا من الإنقسام، بضياع حقوقهم في قضية طالما ضحوّا من أجلها، وذلك من أجل أن تكسب القاهرة الرضى من حلفائها الإقليميين والإسرائيليين والأميركان، يصبح الظلم الواقع أشدّ أثرًا على الفلسطينيين.
لا شكّ أنه لا يمكن لأيّ فلسطيني أو عربي أو مؤمن بعدالة القضية، أنّ يكون ضد المصالحة الفلسطينية، إلا أن التوافق دون محاسبة التنظيمات والجمعيات والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية والأهلية التي؛ إما أخّرت أو أسهمت في تعطيل المصالحة طيلة هذه المدة هو ظلم غير مقبول، ولا شك أيضًا، أنّ المصالحة تمرّ بالعديد من التعقيدات الداخلية المرتبطة بقضايا خلافية أوقفت تنفيذها سابقًا، لكن مرور المصالحة دون الحديث عن المصالحة المجتمعية يعني البقاء مُجددًا في مُربعّ التوافق القيادي وإستثناء الفلسطينيين الذين دفعوا ثمن الإنقسام.
ومن هنا، فإنّ تصفية الحقوق الفلسطينية كثمنٍ دفعه الفلسطينييون في كافة أماكن تواجدهم منذ توقيع إتفاقية أوسلو، والذي تعمّق مع الإنقسام الفلسطيني، لا بدّ أن يكون على أجندة المصالحة الفلسطينية واستغلال هذا التوافق من أجل العودة إلى المربع الذي يقضي باستعادة المطالبة بالحقوق، إن رغبت الفصائل الفلسطينية إستعادة مكانتها لدى الشارع الفلسطيني.
بغضّ النظر عن شروط الاتفاق الذي جرى بين فتح وحماس، وعدم التوافق على القضايا الخلافية؛ كالأمن الداخلي والموظفين والكهرباء وعدم تراجع الرئيس الفلسطيني وحكومته عن العقوبات التي صدرت بحقّ الغزيّين، إلا أننا بتنا أمام حصارٍ لنضال الشعب الفلسطيني، أطرافه؛ مصر و"إسرائيل" والسلطة، تتمحور مهمته في الضغط على حماس من أجل تسليم سلاح المقاومة والاعتراف بـ"إسرائيل"، مقابل الحصول على بعض التسهيلات الاقتصادية وفتح المعابر والسيطرة الأمنية في شبه جزيرة سيناء، وفي ذلك تجريمٌ لكفاح الفلسطينيين وتحويل مقاومتهم إلى مقاومة فردية كما هو حاصل في القدس والضفة الغربية، وضمان تسيير أيّ مشروع تسوية قائم على حكم ذاتي أو خلافه.
يبقى العامل المصري هو الأهمّ في هذه المصالحة، وإن شكلّت التحولات الإقليمية دافعًا قويًا له من أجل الدفع بالمصالحة الفلسطينية، إلا أنّ توقيع طرفي الإنقسام على مضض يضمن للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التحكم بمفاصل المشهد الداخلي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكما لا يعني أنّ الاتفاق برعاية مصرية يضمن محافظة الفلسطينيين على حقوقهم أو الدفع بالمشروع الوطني الفلسطيني مجددًا، فالقاهرة لا زالت لم تُغيّر موقفها من حركة حماس ولا من الرئيس الفلسطيني.
في كل الأحوال، إنّ صمود المصالحة الفلسطينية مرتبط باستعادة القوى والتيارات الشعبية لوجودها في الساحة الفلسطينية، ليس من أجل التهليل والاحتفال بالمصالحة، إنما لنقد ونقض أيّ محاولة يتمّ استدراج الفصائل الفلسطينية فيها للتخلي عن حقّ المقاومة المكفول والمشروع والواجب على المؤمنين بحقّ الفلسطينيين بالحرية. إنّ مقاومة مشروع تجريم نضال الفلسطينيين لا يكون فقط ضد "إسرائيل" بل ضدّ القيادات الفلسطينية والعربية التي تسعى إلى إفساد القوى المناضلة، وإنهاك وتطويق الشعب بمزيد من الصعوبات الاقتصادية، في سبيل تضييق الأفق على استعادة المطالبة بالحق الفلسطيني بالتحرر.