فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: سجلت انتفاضة القدس خلال شهر أكتوبر من العام 2015 تحولا في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث خرجت العمليات الفردية والتي شكلت أنموذجا قاسيا للاحتلال وزعزت منظومته الدفاعية في ردع مثل هذه عمليات كونها غير منظمة وأكثر إيلاماً تحديدا في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948.
أجهزة الاحتلال الأمنية كانت ومنذ انطلاق الانتفاضة الجارية منذ عامين، تحذر وفي أكثر من مناسبة من انخراط أهلي القدس ومناطق الـ48 بشكل فاعل في هذه الموجة من العمليات، فكان ما كان يشكل لها كابوسا يوميا يؤرقها، بدخولهما وبشكل فاعل في المشاركة في العمليات الفدائية، بل وكانت منها انطلاقة لشرارة العمليات النوعية التي أثخنت في المحتل.
ويرى محللون بأن العمليات التي نفذت في القدس والـ48 هي الأكثر قوة من حيث حصيلة القتلى ونوعيتها، حيث يرجعون ذلك إلى أن الجيل الشاب في هذه المناطق أكثر قدرة على فهم تفاصيل المكان والزمان والحالة وبسبب الانخراط المباشر مع المستوطنين، حيث سجلت انتفاضة القدس عدة عمليات خرجت من هذه الأماكن.
القدس والـ48
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية علاء الريماوي بأن خروج بعض الأشخاص لتنفيذ عمليات كان مقلقاً للاحتلال ودفع الفاتورة بمقابلها بشكل كبير بسبب سياسة حكومة الاحتلال المتطرفة في التمادي بسياساتها العنصرية العاملة على إقصاء الفلسطينيين واجتثاث وجودهم.
وأضاف الريماوي لـ"قدس الإخبارية"، بأن "الاحتلال يدرك بأن منظومة الأمن ووقوع عمليات مرتبطة بحالة نضالية بسبب وجود الاحتلال، بحيث ما يجري في مدينة القدس من اعتقال الأطفال والاعتداء على النساء وسحلهم وغيرها من القضايا كانت دافعا رئيسيا وراء تنفيذ هذه العمليات".
وبين الريماوي أن "مجريات الأحداث المتسارعة جعلت من الاحتلال يعيد الاعتبار لتفكير عميق حول الأمن داخل الأراضي التي تعتبر مركز الحياة بحيث إذا مست بينة الدولة داخل القدس والأراضي المحتلة منذ عام 1948، فإن المشروع الصهيوني سيظل في دائرة التهديد والبحث عن الاستقرار، مما جعل الاحتلال يتراجع عن خطوات تثير الغضب لدى الشارع الفلسطيني ولو جزئية".
غياب التنسيق الأمني
وفي حديث مع الكاتب السياسي أليف صباغ أكد على أن هذه الانتفاضة يميزها عملها الفردي القائم على أساس يمنع الاحتلال والسلطة الفلسطينية القائمة على التنسيق الأمني من ردع مثل هذه عمليات والوصول للمنفذ قبل وقوع العملية .
وأشار إلى أن "ابتعاد قوات الأمن الفلسطيني عن شباب الداخل والقدس سمح لهم بالتعبير أكثر عن رأيهم وهذا ما ميزها عن غيرها".
ويكمل في حديث لـ"قدس الإخبارية"، أن "جميع الانتفاضات السابقة كان المسبب الرئيسي لها الاعتداء على المقدسات، حيث غطرسة الاحتلال وعنجهيته في التعامل مع الأماكن المقدسة واعتداءاته اليومية تخلق جيلا ثائرا قادرا على الدفاع عن هذه الأماكن ويردع ممارسات الاحتلال".
ويوضح أن "عدم التوازن في الرد كان واضحا للجميع، حيث مارست سلطات الاحتلال الهجمة على الحركة الإسلامية في محاولاتها تهويد الأماكن المقدسة، كان آخرها اعتقال الشيخ رائد صلاح الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة منذ عام 1948".
وينهي الصباغ حديثه بالقول: إن "المقاومة الشعبية ستستمر ويجب أن يلحقها مواقف سياسية داعمة من السلطة، وإذا ما استمرت في مواقفها المعارضة لمواقف الشعب ستكون مجبرة على مواجهة حراك شعبي ربما يصل لحالة الانقلاب عليها لردع أي فكرة تحاول محاصرتها".
مشاركة عناصر الأمن
بينما رأى الأستاذ والمحلل السياسي عادل شديد بأن أهم نتيجة إيجابية لهذه العمليات خلال انتفاضة القدس كان إفشال مخطط رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" وسياسة ائتلافه الحكومي للإنهاء الوجود الفلسطيني من أي نقاش إسرائيلي داخلي، حيث جعلت هذه العمليات الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة القضية الأولى في نقاشات الحكومة".
وأضاف شديد لـ"قدس الإخبارية"، "بظهور تيار ديني يهودي يطالب بالحفاظ على الأرواح وسلامة اليهود أكثر من الاهتمام بالأماكن والمقدسات وخاصة مع وجود فتوى وتم تجديدها من أسابيع من حاخامات يهود بعدم السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى".
ويتابع، "وجود تيار ديني قوي يعطي الأولوية للمكان وللقدس بما يسمى يهودا والسامرة لا يخشى من تصعيد الأمور امنياً وميدانيا مع الجانب الفلسطيني يعطي للاحتلال غطاء كافيا للقيام بانتهاكاته تجاه المقدسات".
ويشير شديد إلى أن "مشاركة عدد من رجال الأمن الفلسطيني في مثل هذه عمليات جعل من الاحتلال أكثر تخبطاً في ظل استبعاد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لوقوع مثل هذه عمليات ووجود سلاح بيد رجل منظم قادر على المواجهة".
وأشار إلى ان منع السلطة الفلسطينية لرجال الأمن من المشاركة في مثل هذه عمليات في ظل وجود التنسيق الأمني مع الاحتلال يمنع مشاركة أعضاء وعناصر من حركة فتح من الدخول في المواجهة مع الاحتلال.
وأكد على أن "الرؤية الأمنية الإسرائيلية ترى استمرار تكرار تنفيذ عمليات من عناصر الأمن الفلسطيني قد تشجع أعضاء من فتح لتنفيذ مثل هذه عمليات".
وبين أن هناك عدة عوامل تدفع عناصر الأمن لتنفيذ مثل هذه عمليات أهمها، "السلوك الإسرائيلي ومحاولة إهانة عناصر الأمن أمام الرأي العام الفلسطيني، والأمر الآخر هو أن رجل الأمن يدرك بأن من واجباته الحفاظ على أمن وسلامة الناس مما يدفعه بصحوة لتنفيذ مثل هذه عمليات".