فلسطين المحتلة-خاص قُدس الإخبارية: قيل إن الزواج يجمع مصير قلبين، يتعاهدان على المُضي سوياً في مواجهة أعباء الحياة والتصدي لها، قلب يخفف عن الآخر، ويشجعه، ويقويه ويحتضنه حين يقف العالمُ ضده، لكن كيف تكون معادلة القلوب في زواجٍ كان فيه الزوج أسيرًا والزوجة هي جيشه الوحيد الذي يؤازر ويساند، وبالدعاء يرعى مع كل نبضة وثانية؟!.
بجانب كل قصة قصص أخرى، ففي قصة الأسير زوجةٌ وعائلةٌ تترقب عودته وتعيش على الأماني والمنى وخيوط من الذاكرة، وفي الحين ذاته تحارب الحياة وحدها، بعد أن غاب بطلها!
قلبي يحيط قلّبه"اعتقل زوجي أثناء توجهه لحضور محكمة لي في محكمة معتقل سالم العسكري في 8 أيلول 2015، أصرّ على المجيء رغم تعبه ومرضه إذ كان يخضع للعلاج الكيميائي لإصابته بمرض السرطان" تقول زوجة الأسير بسام السايح، الأسيرة المحررة منى السايح، التي تصادف يوم ميلادها مع يوم محاكمتها، تضيف بشعور يملأه الأسى، "أتى ليقول لي كل عامٍ وأنتِ بخير، لكنهم اعتقلوه ومنعوه من دخول المحكمة، وكان اعتقاله أصعب عليّ من اعتقالي فلقد كان مريضًا جدًا"، ما لبث الاحتلال أن طالب بالحكم على بسام بالسجن المؤبد وثلاثين عامًا كبقية رفاقه من أعضاء خلية "إيتمار"، لكنه لم يحصل على حكم حتى الآن بسبب حالته الصحيّة.
حكايةٌ أخرى تروي فصولها صابرين علقم زوجة الأسير علاء زعاقيق، واللذين تأخرت خطوبتهما لمدة عامين بسبب اعتقال علاء، تقول صابرين: "تمت خطوبتنا في أكتوبر/تشرين الأول 2013، أمضى منها حرًا تسعة أشهر، وقبل زفافنا بأسبوع اعتقله الاحتلال، وحكم عليه بالسجن الإداري ثم حوّل ملفه لقضية وإداري فحكم عليه بالسجن 17 شهرًا"، وفي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 خرج علاج من سجنه وتزوج بصابرين في الشهر ذاته دون حفل؛ لاستشهاد أحد أقاربه في يوم عرسه المقرر بعد تنفيذه عملية دهس لجنود الاحتلال، وفقًا لصابرين فقد حملت فترة الخطوبة الكثير من الحب والألم والترقب والإنتظار، تضيف مستذكرة تلك الأيام، "كانت صدمة الاعتقال القريب من فرحنا المقرر بدايةً لصدمات كثيرة ومتكررة حتى اليوم، بدأت بحكمه إداريًا، ومع ذلك كان هناك أمل كبير بألا يتم تجديده، إلا أن حكم الله نافذ، فتقرر تجديد الإداري له، وكان البكاء والدعاء والرجاء رفقاء تلك المرحلة الصعبة".
زواج علاء وصابرين لم يوقف مسلسل الاعتقالات بل تكرر أكثر من مرة، تقول صابرين، "الزواج استقرار وسكن، والاعتقالات أثناء الزواج نافت كل ما حملت تلك الكلمتان من معانٍ، فبعد ثلاثة أشهر تتابعت الاعتقالات عند الأجهزة الأمنية ومرتان عند الاحتلال، إحداها كانت في فبراير/شباط من العام الحالي، أمضى فيها 13 يومًا في تحقيق معتقل عسقلان لينال بعدها الحرية بفضل الله، كنت في ذلك الوقت حاملًا في الشهر الثالث، كانت أقصى أمنياتي حينها أن يرى ولدنا النور وهو معنا، ولكنه عز وجل تفضل علينا بالفرج القريب"، تردف قائلةً، "تبِع هذا الاعتقال اعتقال لدى الأجهزة الأمنية في أريحا، لاقى فيها زوجي ما لاقى من صنوف الأذى، كانت أيامًا صعبة جدًا والحمد لله الذي أكرمنا بخروجه بعد 24 يومًا".دخلت صابرين في شهرها التاسع وهيأت مع زوجها علاء قلبيهما لفرحة استقبال مولودهما اللذين اتفقنا على تسميته بـ"نور الدين"، كان علاء متلهفًا جدًا لاحتضان ابنه ورؤيته، وكانت الفرحة تغمره وزوجته صابرين، لكنه الاحتلال أصرّ مجددًا على حرمانهم جمال هذه اللحظة، ليعتقل علاء من جديد، إذ تقول صابرين عن تلك الليلة، "ليلة الاعتقال كانت حابسة لكل ألوان الفرح، وكانت قد اطفأت ضياء الفرح والابتهاج من قلبينا، ولكننا حبسنا الدمع ومضينا في رضى، ومضى زوجي معهم بعد أن سلّم علي، وقلت له في لحظتها "ما تخاف علي وما تقلق أنا قوية""، وبقيت محاكم الاحتلال تنفث سمومها في أيام صابرين إلى أن حكم علاء بالسجن الإداري مجددًا لأربعة أشهر.
وأنّى لروحي تطيق بعاده!كانت لحظة ولادة صابرين من الأمور التي خطّط لها علاء وزوجته، ولكن غطرسة الاحتلال حالت دون أن إتمام فرحة مولودهما الأول كما يجب، تروي صابرين "جاءت اللحظة الحاسمة ورزقنا بمولودنا الأول (نور الدين)، كانت لحظات الولادة القاسية ولكنها ترافقت بالدعاء لزوجي بالفرج"، كان عِلم علاء بولادة زوجته فصلًا مؤلمًا ومفاجئًا، تصف صابرين تلك اللحظة، فتقول "صمتَ علاء وتلاشى صوته بين عبراته، وأنهى المكالمة سريعًا ثم عاود الاتصال بعد أن هدأ قلبه، وطلب مني أن أضع سماعة الهاتف قريبًا من ولدنا .. وأذّن في أذنيه وأقام الصلاة وهو مختنق بدموعه، وتتابع علقم، "مضت الأيام بعد الولادة ببطء شديد وحمل ثقيل على قلبينا خصوصًا أن ابننا قد تعب صحيًا وبقي تحت المراقبة يومين في المشفى، ولكن الله لطف بنا وسلم ولدنا وحفظه، وها نحن نترقب الفرح والفرج .. وأن يعين الله قلبينا ويصبرهما.."
"أصعب شيء في حياة زوجة الأسير هو بُعد الأسير نفسه عنها، فسندها وأساس حياتها بعيد عنها، وصعوبات كثيرة تستلزم منها أن تكون امرأة ورجل في آن واحد، وهذا ليس سهلاً البتة"، تحدثنا منى.
منى ممنوعةٌ أمنيًا، ولهذا فالتصريح الأكمي لزيارتها لبسام يصدر كل 4-5 شهور، تقول منى، " الزيارات الأولى كانت صعبة جدًا، وفي إحداها تم إرجاعي ومنعي من الزيارة، وأول زيارة كانت بعد أربع شهور من الإفراج عني وقد تفاجأت كثيرًا حينها، وكانوا يقصدون ذلك فحالة بسام كانت في تلك الفترة في أسوأ ما يكون، وكان لا يقوى على المشي أو الكلام، فلم أستطع سماعه من الهاتف"، وتضيف" عدا أن الكلام يحتبس في الزيارات، ففي العادة أحضر الكثير من الكلام والقصص ولكن الزيارة تنتهي أحيانًا ونحن ننظر لبعضنا، ومع أنها تخفّف عن الأسير وأهله ولكني كنت أراها نوعًا من الإذلال".
الرفض الأمني حال أيضًا بين صابرين وعلاء، فلا يسمح الآن لها بالزيارة إلا كل ستة أشهر، بمعنى أنها محرومةٌ من الزيارة حتى الآن، تقول صابرين "كنت في فترة خطبتنا قد زرته مرة واحدة فقط والتصريح الثاني بالزيارة صدر بعد أن خرج زوجي .. -خطيبي وقتها- عدا عن مشقة الزيارة وصعوبة الطريق والتفتيش، ومع وضعنا الحالي فإني أفضل أن يكون لقاؤنا وهو حر؛ حتى يشفى الجرح باللقاء الأبدي إن شاء الله، دون أن نكون تحت رحمة دقائق الزيارة المعدودة".
أملٌ لا يغادر"مش كل زوجات الأسرى صابرات ومتفائلات!" هكذا كانت تعتقد منى، لكن وبعد خروجها من السجن لاحظت أن هناك فئة لا بأس بها عندها أمل وهذا لم يكن منذ فترة قريبة، أما التفاؤل والأمل فأساسه اليقين بالله وأن الله قدّر لنا ولهم هذا وأراد بهم خيراً، وإيماناً أن الله لا يُضيع أجر عباده، فمن رضي فله الرضى، ولن يخيب الله ظن عباده به، وكلي أمل أن تتم صفقة تبادل وأن يخرج بسام، كان عندي أمل أن يُشفى بسام وبالفعل تحسّن وضعه الصحي فمنذ سنوات أخبرنا الأطباء أن بسام سيموت ولكن وضعه الصحي الآن أفضل من السابق".
أما صابرين فتخبرنا أن "أولى أنواع الدعم على الإطلاق هو دعم زوجته له، كون الأسير هو المسجون والمحبوس عن العالم كله، لا يقوى على فعل شيء لمن يتركهم خلفه سوى الدعاء، فالزوجة لا تلقي على مسامع زوجها إلا ما يطمئنه ويخفف عنه وأن الفرج آت لا محالة، هذا الكلام يبعث الأمل دائمًا في نفس الأسير وشخصيًا أخطط لخروج زوجي، أخطط له كما يخطط أي إنسان لأعظم فرحة في حياته، هي الفرحة الكبرى حتما لدي! والفرحة الأكبر أن أراه يضم ولده ويفرح به، فعلاء لم يرَ نورالدين إلا من خلال الصور".
أسلاكُ شائكة، وكاميرات مراقبة، قواتٌ مدججة بالسلاح وجدران طويلة وكل ما يخطر ببالك من وسائل الرقابة والتشديد الأمني تحيط بالأسير في سجنه، لكن رسائل الحب والدعاء بين الأسرى ومحبيهم لا تنقطع ولا يحبسها المنع أو الأسوار الشاهقة، فالقلب للقلب كان أينما كان أحدهما!