خمسة أشهر سوداء ولا تزال آثارها قائمة ومستمرة تضاف إلى مأساة قطاع غزة المستمرة منذ 11 عاماً، وتعطيل مسار مقاومة الاحتلال الذي يفرض سطوته ويمارس جرائمه، وبعكس جميع التوقعات وافقت حركة حماس على حل اللجنة الإدارية التي أصبحت عقدة العقد في ظل استمرار انقسام مرير، وتجربة السنوات الماضية تناقض حجم التفاؤل الكبير من الفصائل وإطلاق برقيات وتصريحات المباركة والتهنئة وتثمين موقف حركة حماس.
الوقت لم يحن بعد للتهنئة والتفاؤل وغياب اليقين في تصديق ما يجري والواقع على الأرض يختلف تماماً عما يجري في قاعات الاجتماعات، إذ أننا أمام ملفات كبيرة عالقة، ولم نعلم كيف سيتم الاتفاق عليها بعد ان اتفق عليها الطرفان مسبقا ولم تنفذ، وألغام كبيرة ومتفجرة كفيلة بنسف ما تم الاتفاق عليه بالقاهرة، منها ملف الموظفين وارتباطه بالرواتب والمعابر والأمن وتوحيد الأجهزة الأمنية وعقيدتها وعلاقتها بإسرائيل والتنسيق الأمني وسلاح المقاومة، والدعوة لعقد المجلس الوطني في رام الله من دون التوافق بين حركتي فتح وحماس، وغيرها من التفاصيل والاشتراطات والاستدراكات.
حركة حماس تدرك صعوبة الأوضاع وأن أزمة الحركة تتفاقم في القطاع، لذا اتخذت خطوة إلى خلف در للوراء كي تثبت للمصريين أنها جادة في إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، وأنها مستمرة في توطيد علاقتها بمصر، وعليه فإن خطوة حل اللجنة الإدارية مهمة وتشكيلها فاقم أزمة قطاع غزة وسودت عيشة أهله، وبعد أن كانت تشترط التراجع عن العقوبات التي فرضها الرئيس محمود عباس وتماهت "إسرائيل" مع الخطوة خاصة فيما يتعلق بتقليص كميات الوقود لكهرباء القطاع، وتنازل حماس يحسب لها بالرغم انه جاء متأخراً.
خطوة حماس جاءت مفاجأة والرئيس عباس في طريقه لنيويورك وسيقابل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسيلقي خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيطالب ترامب بحل الدولتين، والحديث عن صفقة القرن الذي أعلن عنها ترامب، وفي وقت تمارس الإدارة الأمريكية الضغط وابتزاز الفلسطينيين والتهديد والوعيد، والتفرد الأمريكي الإسرائيلي بالفلسطينيين، وموقف النظام العربي الرسمي العاجز والمستجيب للضغط الأمريكي والقبول بالشروط والإملاءات الإسرائيلية، والاحتلال والاستيطان، اللذان يشكلان خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية ويعزز موقف "إسرائيل" وعنجهيتها وفرضها وقائع جديدة على الأرض، من دون تقديم تنازلات مؤلمة كما يسمونها، هي حقوق للفلسطينيين.
الوقت ليس في صالح الفلسطينيين والخاسر من اللعب على عامل الوقت في عقد جولات جديدة من المفاوضات ومن دون اتخاذ قرارات إستراتيجية تتعلق بمستقبلهم ومستقبل قضيتهم.
المشكلة الأساس ليس في حل اللجنة، وحلها لن ينهي مشكلات وأزمات قطاع غزة المتفاقمة ورفع الحصار، ولن يعجل في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وبناء المؤسسات الفلسطينية خاصة منظمة التحرير بين يوم وليلة، فالطرفان يستعدان لجولة أو جولات جديدة من المفاوضات بناء على اتفاق القاهرة في مايو/أيار 2011. وما تم التوصل إليه من اتفاقات على مجمل قضايا الخلاف المستمرة حتى الآن ولم تنتهي، يعني العودة سبع سنوات إلى الوراء، ولا يوجد يقين بصدق النوايا بالاتفاق على وضع حل لقضايا الخلاف.