شبكة قدس الإخبارية

ما بين السنوار والعالول وأسئلة الإنقسام

مصطفى إبراهيم

دعيت خلال الشهر الحالي مع مجموعة من الكتاب والصحافيين إلى لقائين مع مسؤولين فلسطينيين، الأول في مدينة غزة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، والثاني مع نائب رئيس حركة فتح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول عبر تقنية الدائرة التلفزيونية المغلقة "فيديو كونفرنس".

خلال الاجتماعين وجهت انتقادات لاذعة لحركة حماس ومطالبتها بحل اللجنة الإدارية، وهي الذريعة التي يتذرع بها الرئيس محمود عباس وحركة فتح لاستعادة الوحدة الوطنية، وما تلاها من إجراءات غير مسبوقة بفرض عقوبات على الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي اللقاء الثاني وجهت انتقادات حادة أيضا للرئيس عباس وحركة فتح ضد العقوبات التي يفرضها ضد القطاع، وتحميل الغزيين نتائج فشل الحركتين بإتمام المصالحة واستمرار انقسامهما.

في اللقاء الأول السنوار تطرق باستفاضة لملفات عدة حول المصالحة واللجنة الإدارية، والاوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع وعن المقاومة والتفاهمات بين حماس وتيار دحلان، والعلاقة مع مصر والحريات العامة وغيرها من القضايا. السنوار شدَّد على تمسك حركته بالوحدة الوطنية مع حركة فتح، وأن حركته لم تدخر جهداً لإنهاء الانقسام، وأنها قدمت الكثير لإنجاز المصالحة.

السنوار قال إن أسهل قرار يمكن أن تتخذه حركة حماس هو حل اللجنة الادارية، وأنه لا يمكن السماح بفصل القطاع ولو على دمائنا ورقابنا، وأن حماس تدرك أن الفصل هو انتحار للمشروع الوطني.

وفي اللقاء الثاني مع نائب رئيس حركة فتح محمود العالول قال، صبرنا 11 عاماً من أجل استعادة الوحدة الوطنية، ولم نتوقف أبداً عن محاولات وجهود مباشرة من خلال السعودية وقطر ومصر وإيران وتركيا، ونبذل جهداً كبيراً ولم ولن نيأس. وإن ردود أفعال حركة حماس في شأن مبادرة الرئيس محمود عباس لإنهاء الانقسام الوطني كانت مخيبة للآمال.

واعتبر أن تشكيل حماس اللجنة الإدارية كرس الانقسام وضرب الأمل باستعادة الوحدة لأن الوطن أصبح جزءين يُداران من إدارتين، وهذا تكريس للانفصال في المجتمع الفلسطيني. ولن تتخلى عن شعبنا في غزة، ولا يمكن لعاقل أن يفكر بهذه المسألة، انما هي محاولة لتحميل حماس المسؤولية وممارسة الضغط، نمارسه ونحن نتألم للغاية.

وتحدث العالول عن عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني بمن حضر، وأن هناك ضرورة لتأكيد الشرعيات وتجديد الأطر كي تكون أكثر قوة ومؤهلة لمواجهة التحديات، وبذلنا جهداً كبيراً من أجل عقد المجلس في أقرب فرصة ممكنة، ونتشاور مع قوى المجتمع المدني والقوى والفصائل من أجل التحضير لاجتماعاته، وقطعنا شوطاً كبيراً، هناك حوار وتفاعل عميق مع الفصائل والمستقلين من أجل وضع استراتيجيات جديدة وبرنامج سياسي جديد ليشكل ذلك مخرجات المجلس.

في حالتنا لا يجوز إخضاع طرف سياسي من طرف سياسي أخر، وليس من حق الحاكم أن يبرر تمسكه بالحكم وسلوكه ويتمترس خلف رؤيته وبرنامجه السياسي، ويغادر الكل الفلسطيني في ظل الفشل في إنهاء الإنقسام الذي أصبح خطر وجودي رهيب على القضية، ويوازي نكبة الفلسطينيين الأولى إلا أنهم نهضوا وإستعادوا عافيتهم، غير أنهم منذ الانقسام وبالرغم من محاولات التكيف وعمليات الترويض والتعايش معه منذ عقد من الزمن لم يستطيعوا النهوض وإستعادة حيويتهم وطاقاتهم في مواجهة العدو الرئيس الذي يعمل بكل قوة على إستمرار الإنقسام.

أمام الفلسطينيين خيار أن يقتلعهم الإنقسام أو يقتلعوه من جذوره فهم غارقون في الوحل والظلام، وماض وحاضر ومستقبل من الدم، فالتخلص من الانقسام حالة وطنية وإنسانية فلسطينية بامتياز، فهو الخطر الدائم على هويتهم وقضيتهم ومشروعهم الوطني وهزيمته أولوية وطنية ملحة.

يخطئ من يقلل خطر الإنقسام أو من أهمية الانتصار عليه، ويخطئ أيضا من يعتقد أن الإنقسام هو المشكلة الوحيدة، وأن الانتصار عليه بإتمام المصالحة والمحاصصة، فالإنقسام له جذوره، فالخلل في النظام السياسي الفلسطيني بنيوي، الهيمنة والسيطرة والتفرد وحكم الحزب الواحد والفرد الواحد والديمقراطية الشكلانية، ومن دون العودة إلى الأصول والشراكة الوطنية فقد يعود في كل لحظة.

الحديث أصبح عن هم يومي وفقر وبطالة وكهرباء ومياه غير صالحة للشرب وضحايا الهاهم إرهاق الركض خلف الاستقرار ولم تعد تغريهم الشعارات حول إعادة بناء المشروع الوطني وآلاف الضحايا سواء ماتوا قتلا أو جوعًا وفقرًا ومرضًا، وعن آلاف المهاجرين الباحثين عن الخلاص الفردي.

الانتصار على الإنقسام هو إعادة الاعتبار بناء النظام الفلسطيني بالشراكة الوطنية والمؤسسات والمساواة أمام القانون، ما كان نصبح على ما نحن فيه لو انخرطت أطراف الانقسام في معركة بناء مؤسسات منظمة التحرير ليس بالتفرد في عقد المجلس الوطني بشروط طرف على الآخرين، عقد من الزمن ضاع والثمن الذي دفع كبيرًا والمخاطر مستمرة.

لا حل غير الإدراك أننا واقعين تحت إحتلال إستيطاني احلالي، والعودة إلى المنطق الوطني والابتعاد عن التقاسم، لن يستطع الفلسطينيين اعادة الاعتبار للمشروع إلا من خلال الشراكة الوطنية، ونسيان الماضي والحسابات الخاصة والثأر وتصفية الحسابات.