غزة - خاص قُدس الإخبارية: "اتصل بي الأخ أحمد اشتيوي وسألني متى ستكون عملية الرد على اغتيال الشهيد صلاح شحادة، فأخبرته أنها يوم الأحد الساعة الثامنة صباحاً".. بهذه الكلمات القليلة أرعب الشهيد مازن فقهاء جهاز الشاباك الإسرائيلي الذي كان يتنصت على المكالمة، ولم يستطع منع تنفيذ تلك العملية التي أسفرت عن مقتل 9 جنود وإصابة أربعين آخرين.
هذه إحدى التفاصيل التي حملها كتاب سيرة حياة الشهيد مازن فقهاء والذي استطاع مركز التاريخ الشفوي من خلاله تخليد ذكرى مقاوم أفنى حياته في التخطيط والتنفيذ لعمليات بطولية جرعت الاحتلال مرارة الهزيمة عبر سنوات طويلة.
عملية الثأر رداً على اغتيال الشهيد صلاح شحادة كانت إحدى العمليات التي سردت تفاصيلها صفحات الكتاب الـ360، لتجسد سيرة حياة مقاوم جعل الثقافة ووسع الأفق منهاج حياته للدفاع عن وطنه فلسطين ضد المحتل الغاصب.
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت الشهيد مازن محمد سيلمان فقهاء بعد مطاردات ومحاولات اغتيال عدة له بتاريخ 5 أغسطس 2002 وأفرج عنه في العام 2011 وأبعد إلى قطاع غزة، إلا أنه التحق مجدداً بكتائب القسام ليكمل مسيرته الجهادية إلى أن اغتيل على يد عملاء الاحتلال بتاريخ 24 مارس 2017.
تخليد للذكرى
من جانبه، يقول رئيس مركز التأريخ الشفوي الفلسطيني خالد الخالدي، إن "الفكرة تبلورت عقب استشهاد الشهيد مازن فقهاء، فقررنا إعادة ترتيب المقابلة المسجلة التي أجريناها معه منذ ثلاث سنوات وصياغتها في 80-90 صفحة ".
ويضيف الخالدي في حديثه لـ "قُدس الإخبارية"، "رواية صانع الحدث لها قيمة عالية فسجلناها في الكتاب إضافة إلى ما رواه والد وزوجته ومقالات وشهادات المقربين منه، وجمعنا أوراق ورسائل وصور للشهيد ومنشوراته على الفيس بوك التي تمثل فكره ورؤيته وطموحاته".
ويبين أن الكتاب قدم قصة مازن فقها من الطفولة فتحدث الشهيد مازن عن طفولته وكيف تربى في المسجد وعن شيوخه وانتماءه لجماعة الاخوان المسلمين وعمله في مجال الدعوة في جامعة النجاح وعملياته العسكرية بالتفصيل بالإضافة لقصة اعتقاله.
تفاصيل جديدة
وعن أبرز المعلومات الجديدة التي تناولها الكتاب، يشير إلى أن تفاصيل العمليات التي قام بها مثيرة جداً من تخطيط وتنفيذ وتنكر وإطلاق نار اضافة لروايات المقربين حولها ، "تصلح لأن تكون فيلم سينمائي مؤثر جداً وسيشد الناس" بحسب قوله.
ويشير الخالدي خلال حديثه لمراسل "قدس الإخبارية"، إلى أن الكتاب تناول ما قالته الصحف عن استشهاد مازن فقهاء وبيانات الأجهزة الأمنية، و ملابسات اكتشاف المجرمين الذين اغتالوا الشهيد مازن وكيف تم اعدامهم وردود الفعل الشعبية والرسمية على اعدامهم.
ويوضح أن شخصية الشهيد مازن فقها تستحق أن يكتب عنها وتكون قدوة لأبناء الشعب الفلسطيني لأنها تمثل نوعية المجاهد الفلسطيني المتعلمة صاحبة رؤية وفكر الحافظ للقرآن والداعية المؤثر التي تقاتل عن وعي ورؤية.
ويلفت الخالدي إلى أن بعض الناس لا يدركون أهمية مثل هذا الكتاب لظنهم بأنه حكاية شخص واحد، مبيناً أن تاريخ الشهيد مازن الذي أثخن في أعدائه ونفذ عملية انتقاماً لاستشهاد صلاح شحادة هو تاريخ الشعب الفلسطيني.
نسخة محدثة
ويردف لـ "قدس الإخبارية"، "زوجة الشهيد ساعدتنا كثيرا في الحصول على معظم الوثائق المتعلقة بزوجها، وتواصلت معنا مجدداً بعدما تبين لها أن هناك وثائق جديدة لم ترسلها فطلبنا منها تجميعها حتى نصدرها في نسخة جديدة للكتاب".
ويشير إلى وجود خطة لطباعة كتاب سيرة الشهيد مازن فقهاء في الضفة الغربية، مؤكداً استعداد مركزه لإرسال نسخة إلكترونية مع الإضافات الجديدة حتى يستفيد جميع أبناء الشعب الفلسطيني من فكره وثقافته المقاومة.
ويؤكد الخالدي على محاولة مركزه للتأريخ الشفوي حماية التاريخ الفلسطيني من التشويه، من خلال انتاجه ثلاث كتب عن جميع أحداث وتفاصيل الحروب الثلاثة على قطاع غزة وصمود ومقاومة الفلسطينيين للاحتلال.
يذكر أن مركز التاريخ الشفوي الفلسطيني أجرى أكثر من 500 مقابلة بواقع آلاف الساعات مع 500 شخصية مهمة شاركوا أو شهدوا أحداث مهمة في القضية الفلسطينية منذ تأسيسه عام 2001.
تحضير وإعداد
من جهتها، تعبر ناهد عصيدة زوجة الشهيد مازن فقهاء عن فرحتها بإصدار الكتاب لما له من عظيم الأثر في تعريف زوجها الشهيد مازن فقها كإنسان مقاوم بحياته، إضافة إلى تعريف الأجيال القادمة بأعماله العظيمة ليجعلوه قدوة لهم في حياتهم.
وتوضح عصيدة خلال حديثها لـ "قدس الإخبارية" أن الكتاب يتميز عن غيره من الكتب والتقارير التي تحدثت عن الشهيد بشموليته جميع جوانب سيرة حياة زوجها الشهيد مازن، فبين عمله كمقاوم وكأب وكإنسان وكمبعد وكل مراحل حياته.
وعن بدء التحضير لإعداد الكتاب، تقول "بعد أسبوعين من استشهاده بدأت بالتعاون مع مركز التاريخ الشفوي الفلسطيني بالتحضير لإعداد الكتاب فجمعت كل الوثائق المتعقلة بزوجي إضافة إلى المقابلة التي أجريت معه قبل استشهاده المقابلات التي أجراها المركز معي ومع والده وأصدقائه".
وتضيف عصيدة لـ "قدس الإخبارية"، "خلال المقابلة التي أجراها معي مركز التاريخ تحدثت عن آلية موافقتي على الزواج بمازن رغم ظروف الإبعاد والغربة والوضع الذي كان يعيشه وكيف استمرت حياتنا مع الحروب وأنه على قائمة الاغتيال والمطلوبين".
وتشير إلى أنها تناولت أهم الصفات التي تميز بها الشهيد مازن كان يتصف بالسرية والكتمان الشديد لكل ما يختص في عمله، وكيف كان يفرق بين عمله وحياته الأسرية إضافة إلى ما كان يفعله ليغمرهم بحنانه لتعويضهم عن فترة غيابه.
وتتابع عصيدة، "ومن والده أخذو منه فترة طفولته والجانب العسكري وعمله في الضفة الغربية تحصلوا عليه من زوجي مازن والجوانب الأخرى تحصلوا عليها من أصدقاءه والمقربين منه".
وتلفت إلى أن زوجها الشهيد كان حريصا طيلة الوقت على زرع جميع قيم الوطنية وحب الوطن في قلب ولدهما محمد، إضافة على بث روح الأمل من خلال الكلمات التي كان يقولها له "سوف نعود لبيتنا الذي أبعدنا عنه وسنصلي في الأقصى".