شبكة قدس الإخبارية

المد الثوري وتحرير المدن الفلسطينية (1)

حمزة العقرباوي

مع بدء المرحلة الثانية من الثورة، وعملية اغتيال حاكم الجليل الضابط "أندروز" التي نفذها البطلان القساميان (إخوان الشيخ عز الدين القسام) محمد أبو جغب، والشيخ محمود الديراوي، عام 1936، اندفعت الفصائل المسلحة للعمل الثوري بنفسٍ أقوى، وقد عاد مشهد العمليات البطولية مألوفاً، وصارت حياة الإسرائيليين والانجليز جحيماً لا خلاص منه إلا بالرحيل عن فلسطين.

وفرضت الثورة هيبتها وأنشأت محاكمها الخاصة للبت في شؤون الناس وقضاياهم، وألزمت الرجال بارتداء الكوفية والعقال وهو لباس الثورة، ولاحقت أي متعاون مع الانجليز وطالت رصاصاتهم سماسرة الأراضي والمتآمرين على القضايا الوطنية.

وتوالت الأخبار بنصب كمائن وإطلاق نار وتفجير أنابيب النفط، وتقطيع أسلاك الكهرباء والهواتف ومهاجمة مخافر البوليس والمزارع واشتباكات شبه يوميه مع دوريات الانكليز على مداخل المدن وفي الطرقات العامة. وصارت الأرياف والجبال خاضعة لسلطان الثورة وقوة البنادق، وأفقد الثوار حكومة الانتداب هيبتها على الطرقات العامة وفي الجبال. وقد وصف قائد الجيش البريطاني "هايننغ" المشهد بقوله: "إن روحاً ثورية عميقة الجذور اكتسحت العرب وحفزتهم إليها الدعوة إلى حرب مقدسة".

هذا الزخم الكفاحي وامتداد نفوذ فصائل الثورة دفع المجاهدين لتكتيك جديد وهو مهاجمة المدن العربية الكبرى وتحريرها من النفوذ البريطاني، وقد تمكنت الفصائل الثورية من تحرير عدد من المدن منها القدس ورام الله والخليل وأريحا وبيسان وجنين وخان يونس وبئر السبع وطبريا. هذا بالإضافة لعشرات عمليات الاقتحام اليومي الذي نفذ على المخافر ومراكز الحكومة في المدن والقرى والتي كانت تنتهي غالباً بالاستيلاء على ما فيها من ذخائر وأسلحة.

وقد شكَّلت هذه المرحلة قوة حقيقة في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) حيث اعتمد الثوار على المد الشعبي الذي يسندهم ويقف إلى جانبهم في هذه المعارك، بالإضافة لبعض العرب ممن كانوا في البوليس وقوة الحدود والذين ساعدوا الثورة وتعاطفوا معها.

وكانت رسالة هذه المعارك بليغة وأفقدت الانكليز هيبتهم وقبضتهم الحديدية على المدن التي يحكموها بالحديد والنار.

 وقد بدأت أول عمليات التحرير للمدن على يد القائد عبد الحليم الجيلاني "الشلف" الذي شكل حكومة ثورية في الخليل "حكومة شعب الملح"،  حيث قام بتحرير مدينة الخليل في 21 شباط 1938 وكانت باكورة أعمال التحرير للمدن الفلسطينية.

ولم تمض عدة أيام حتى قام الثوار بتحرير مدينة جنين، وسيطروا عليها لأربع ساعات، "تم خلالها اقتحام دور الحكومة والاستيلاء على السلاح من مخازن الجيش. وفي 22 نيسان 1938 تم تحرير مدينة بيسان والسيطرة على دار الحكومة ومركز البوليس ومرافق المدينة.

وفي نهاية تموز من ذات العام تمكن الثوار من تحرير مدينة رام الله لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة، بقيادة محمد لعمر النوباني، وإشراف القائد عارف عبد الرازق، الذي دخل رام الله بعد التحرير بأُبَّهة الفاتح.

وفي ليلة 3/8/1938 هاجم الثوار مجدداً مدينة الخليل في محاولة لتحريرها، واحتلوا دار الحكومة وجرى في محيطها اشتباك عنيف قبل أن ينسحبوا منها.

 غير أن الحدث الأهم والفعل الأقوى كان تحرير مدينة بئر السبع في 9 أيلول 1938 والسيطرة على كامل مقراتها واتخاذ مخافر البوليس مقراً للثوار، وذلك تحت قيادة القائد الباسل عبد الحليم الجيلاني "الشلف" وجيش حكومته الثورية "حكومة شِعب الملح".

وفي 17 أيلول داهم الثوار مجدداً على مدينة بئر السبع وسيطروا على الدوائر الحكومية وصادروا ما فيها من ذخيرة. الأمر الذي تكرر يوم 25 أيلول، ولم يغادروا المدينة هذه المرة إلا بعد إحراق كل الدوائر الحكومية في المدينة، وعلى إثر ذلك ألغت الحكومة جميع دوائرها من بئر السبع ونقلت قائمقامها وموظفيها إلى غزة، "فغدت بئر السبع بلا حكومة سوى حكومة المجاهدين". وبقيت بئر السبع مدينة مُحررة لأكثر من شهرين.

تلا هذا الهجوم الكبير على بئر السبع سلسلة اقتحامات على مخافر البوليس ودوائر الحكومة مثل الهجوم على مركز بوليس بيت لحم، وصفد، وسكة بيسان، ونابلس واللبن وطوباس، ومحطة سكة عرطوف في الرملة، ومهاجمة عمال الكهرباء في غزة ويافا، والهجوم على مخافر ودوائر الحكومة في الناصرة.

ثم جاء تحرير مدينة خان يونس في 14 أيلول سنة 1938 حيث هاجمها الثوار واحتلوا دائرة البريد ودائرة الجمرك ودائرة البوليس.

وكان للقدس نصيب من الحرية ورفرفة الأعلام العربية فوق أسوارها ومآذنها لمدة ثلاثة أيام، وبذلك بعد تحريرها على يد القائد عارف عبد الرازق وقادة فصائله. حيث تمكنوا من الدخول للمدينة وبسط نفوذهم عليها ما بين 13-20 أيلول من العام 1938.

أما مدينة طبريا فقد كتب لها الحرية في 1/10/1938، حيث هاجمها الثوار من كل الجهات وتمكنوا من السيطرة على المدينة بشكل كامل ورفعوا العلم العربي على السراي الحكومي.

أما مدينة أريحا فقد نالت الحرية ليوم كامل، وكانت آخر المدن المُحررة في هذا العام وذلك بعد أن داهما الثوار بقيادة عبد الله البيروتي مُقتحمين مركز البوليس ودوائر الحكومة وقد انسحبوا منها وهم يغنون ويعلون انتصار العرب.

 يتبع..