رام الله - خاص قدس الإخبارية: بين أشجار التين القليلة المتبقية في بلدة سلواد شرق رام الله، ترى عبد الرحيم يتنقل من شجرة إلى أخرى، بحثا عن ثمارها الذابلة المختبئة في فيئها، ليحولها إلى "قطين".
فمن طفل يعمل بعد المدرسة ليوفر مصروفه، بدأ عبد الرحيم حامد (47) عاما بامتهان تصنيع القطين قبل 33 عاما، ليكون اليوم واحدا من بين أقلة ما زالوا يتمسكون في هذه المهنة في ظل التراجع المستمر لموسم التين.
الساعة السادسة صباحا، يبدأ عبد الرحيم برحلته اليومية في البحث عن التين الذابل على أشجار التين وتحتها، رحلة تمتد من بداية موسم التين في شهر آب حتى نهاية الموسم، وقد استبشر عبد الرحيم خيرا هذا العام، فالموسم هذا العام هو الأفضل منذ عدة أعوام مضت.
يبين عبد الرحيم لـ قدس الإخبارية أن بلدة سلواد كانت تعتبر سلة التين لمدينة رام الله وقراها، حتى اكتسبت لقب "سلواد القطين"، ولكن موسم التين بدأ بالتراجع في ظل تمدد الاستيطان وحرمان الاحتلال أهالي البلدة من الوصول إلى أراضيهم، كما أن محاصرة البلدة أجبر أهلها البناء على أراضيهم الزراعية بعد قلع أشجار التين المزروعة فيها.
وعلى الرغم أن التين والقطين استعاد قيمته من جديد لدى الأجيال الجديدة، إلا أن قلع أشجار التين ما زالت تهدد وجوده، كما باتت تهدد تصنيع القطين، "تقريبا الآن عدد أشجار التين في سلواد لا يتعدى 500 شجرة، وكل عام يتم قلع شجرتين على الأقل".
ويضيف عبد الرحيم، "شجرة التين التي زرتها العام الماضي، لا أجدها هذا العام مكانها، فأجد أشجار تم حرقها بسبب الإهمال، وأخرى تم قلعها.. الناس أصبحوا يتوجهون لزراعة أشجار الزينة على حساب أشجار التين".
يشير عبد الرحيم إلى الأراضي الممتدة أمامه، "كل هذه المنطقة كانت مزروعة بأشجار تين، إلا أنه اليوم لا يوجد سوى خمسة أشجار فقط.. فمن هنا حتى وادي الحرمية كان شجر التين في كل مكان، فيما خصص جبل تل العاصور لزراعة العنب".
يؤكد عبد الرحيم على أن زراعة التين لا تكلف جهدا ومالا، كما أنه وبعد عام واحد من زراعة الشجرة، نستطيع أن نأكل من ثمارها، "في فصل الشتاء، نستطيع الحفر على "الشريبة" التي نمت بجانب شجرة التين ونخلعها من جذورها ثم نقنبها ونزرعها من جديد مع سقايتها لمدة أسبوع .. والعام التالي سنستطيع الأكل منها".
ويتابع، "لا يوجد شجرة كريمة كشجرة التين، التي بعد إنتهاء الموسم يبقى ثمرها صالح للأكل ويتحول إلى قطين، الذي يستخدم "السوادي" منه كعلاج للأطفال الذين يعانون من السعال".
التين ليس نوعا واحد في بلدة سلواد، فيعدد عبد الرحيم، "التين الخروبي المعروف بتين العجايز إذ يحبه الكبار بالسن، وهذا التين السوادي، وذاك الغزالي، وهذا السباعي.. كله يتحول إلى قطين، نجففه ونجمعه قبل أن يسقط المطر ويتلفه".
تستغرق عملية تجفيف التين من أربعة أيام إلى أسبوع، يبدأ بعدها عبد الرحيم بجمع القطين ورصه قبل أن يجمعه في قلائد، "اختار حبة التين الجيدة وأقوم برصها بين أصابعي لتصبح مدورة، أو يتم طرقها بقطعة خشبية قبل أن أجمعها في قلائد ثم أحفظها في المخزن".
قد يبقى القطين محفوظا لسنوات عدة قد تصل إلى خمس سنوات، يبقى محافظا على طمعه كما يبقى صالحا للأكل والاستخدام، "بالماضي كان يتم تخصيص مخابئ مصنوعة من الطين داخل المنازل يتم وضع القطين فيها.. وقد كانوا يبدلونه مع القرى المجاورة بالبصل والقمح".
"شباب الرينة كل عشرة بقطينة"، مثل شعبي مشهور يؤكد على أهمية القطين الذي كان يعد نوع الحلوى الوحيد الذي يقدم في الأعياد، كما كان حلوى تكافئ بها الأم أطفالها.. فهل سيستعيد القطين مكانته مجددا؟