غزة – خاص قدس الإخبارية: شكل هجوم رفح الانتحاري الذي نفذه أحد عناصر السلفية الجهادية المقربين من فكر تنظيم الدولة "داعش" مدخلاً للتساؤل عن تاريخ الصراع والصدام الدائر بين هذه الجماعات المتشددة والفصائل بغزة وعلى رأسها حركة حماس التي تدير شؤون الحكومة.
وآثار الهجوم الأخير حالة من الصدمة والخشية في صفوف الشارع الفلسطيني بغزة من إمكانية أن تشهد الفترة المقبلة حوادثًا مماثلة لهذه الظاهرة، بالرغم من المعالجة الفكرية والأمنية التي تجري من قبل الجهات الأمنية والمختصة في القطاع لأصحاب هذا الفكر.
وشهدت السنوات العشر الماضية العديد من حالات التصادم بين الفصائل الفلسطينية بغزة وأصحاب الفكر السلفي المتشدد، خلال العديد من الأحداث التي كان أبرزها حادثة اختطاف الصحافي البريطاني ألن جونستون ومقتل المتضامن الإيطالي فيتوريو أرجوني وغيرها من الأحداث.
عمر الصراع
ويقول الكاتب والصحافي فتحي الصباح إن السلفية الجهادية ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة حيث كان في السباق سلفيين دعويين لا يبتنون الخيار العسكري والعنف، قبل أن تتبدل الأمور في العقد الأخير عبر سلسلة من الأحداث التي شهدها القطاع.
ويضيف الصباح لـ "قدس الإخبارية"، "حماس واجهت معضلة في التعاطي معهم ولم تتمكن في مراحل عدة بالضرب بيد من حديد وهذا ما ساهم في انتشارهم بغزة، بالإضافة الى انتشار الفكر عالمي في سيناء وسوريا وغيرها من المناطق، وإقامة تنظيم الدولة ساهم في انتشار هذه الأفكار المشوشة".
ويرى أن حماس ستواجه هذا الفكر عبر سلسلة من الخطوات والمحاور أولها القوة وفتح حوار مع المعتقلين في السجون، بالإضافة إلى التواصل مع شخصيات سلفية معتدلة للتأثير عليهم في الداخل في الخارج والتأثير الآخر عبر المساجد وكي بالإضافة إلى الجامعات والمدارس.
ويرجح الصباح أن تبدأ الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات واسعة النطاق وهذا ما قد يستجلب ردة فعل من داعش والسلفيين وسيكون لسان حالهم ما دمنا فلنفجر أنفسنا خصوصا وأن ما حدث فجر اليوم تم بهذه الطريقة عبر حزام ناسف كان يحمله منفذ الهجوم.
تعقيدات غزة
من جانبه يتحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني عن تعقيدات غزة المحاصرة إسرائيليًا التي تعكس نفسها على أصحاب الفكر المتشدد، فهي أرضية خصبة لنمو هذا الفكر المتشدد، وفي نفس الوقت طاردة له.
ويقول الدجني لـ "قدس الإخبارية" إن غزة أرضية خصبة من خلال وجهين فهي تعيش تحت احتلال وظلم كبير وحصار وأزمات وفقر وبطالة، والوجه الآخر هو مدارس فكرية تميل للتشدد كتبها تنتشر على أرفف المكتبات ومواقع الانترنت، وفي عقول بعض خطباء المساجد وعلى ألسنة بعض أساتذة الجامعات.
ويتابع الدجني: ”أما بيئة طاردة، فهي نابعة من أن مجتمعنا الفلسطيني مجتمع وسطي محافظ، أولوياته تتركز على إنهاء الاحتلال، وفصائله تعمل على ذلك، فمن هنا يشعر هؤلاء بأنهم ملاحقون مجتمعياً وأمنياً، فيضطرون إما لمواجهة ذلك، أو ممارسة التقية، أو الهروب من غزة لأماكن يعتقدون أن القتال فيها أكثر ثواباً وأولوية من قتال الاحتلال".
ويوضح الدجني كون غزة بيئة طاردة فهنا معضلة تظهر أن القطاع مصدرة للتطرف، وهو يشكل مساس في الأمن القومي المصري خصوصاً، وبذلك المعالجة ينبغي أن تكون جماعية، ومتنوعة، لا تقتصر على المعالجة الأمنية فحسب، بل لابد من البحث في المعالجات الأخرى منها الاحتواء والاحتضان، واستمرار المعالجة الفكرية مع تغيير الأدوات، وفتح آفاق للحياة من خلال دعم الاقتصاد والتنمية.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية على أن موقع إسرائيل من المعادلة هو الأخطر والأهم، وهو سؤال أمني عسكري سياسي بامتياز، يتمثل في استراتيجية عمل تلك الجماعات في تحريض الشباب على القتال خارج فلسطين، وأحد اشكال هذا العمل يتم من خلال خلق الذرائع من خلال اطلاق قذيفة صاروخية تجاه اسرائيل، فتقوم اسرائيل بقصف مواقع أمنية (قصف موقع الضبط الميداني مؤخراً نموذجاً) بموجبه يصدر قرار من الأمن في غزة ولدى فصائل المقاومة بإخلاء مقراتها، ومنها مناطق الحدود، ثم تبدأ فرضية أو احتمالية لعملية خروج منظم من غزة تحت لهيب النار وهو ما يؤكد ويبرز الدور الصهيوني بشكل غير مباشر في العملية.
ليست حالة صراع
في حين يستبعد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن ما يجري هو حالة من الصراع، في ظل وجودة متابعة كبيرة لمثل هذه الظواهر وعمليات اعتقالات تجري بحق من يرتكب الجرائم، بالإضافة إلى المعالجات الفكرية التي يستجيب لها البعض.
ويقول الصواف لـ "قدس الإخبارية"، أن الحالة شبه مسيطر عليها ولا يوجد أمن على مستوى العالم وفي الدول العظمي يسيطر على الأمور بنسبة 100% فهناك العديد من الحوادث التي شهدتها هذه الدول خلال السنوات الماضية.
ويبين أن هناك إجراءات أمنية مشددة سيجري اتخاذها بعد الحادث الأخيرة الذي شهدتها المنطقة الجنوبية من القطاع وتحديدًا مدينة رفح، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيتحول إلى أشبه بمواجهة خصوصا وأن الأجهزة الأمنية بغزة غير معنية بذلك.
ويلفت الصواف إلى أن الحادثة تحمل رسالة قوية أن حماس ملتزمة بما تعاهد الغير عليه وملتزمة بالحفاظ على أمن القطاع ومنع تسلل أي طرف، وهو ما فهمته مصر جيدا ودليل آخر يؤكد حالة الحرص من قبل الحركة والأجهزة الأمنية بغزة على عدم تهديد الأمن المصري.