يعيش محمود عباس في الآونة الأخيرة أزمات يتراكم بعضها فوق بعض، حتى بات كأنه على خلاف مع كافة الأطياف الفلسطينية، فهو على خلاف واضح مع حركة حماس، التي تمثل إحدى أكبر الفصائل الفلسطينية، وهو على خلاف مع الجبهة الشعبية، وقد ظهرت آثار ذلك الخلاف بشكل فج، بعد تهجم عباس في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على ممثلي الجبهة الشعبية السيدة خالدة جرار، والتي اعتقلها الاحتلال بعد تلك الحادثة، في إشارة فهم منها عدد من المراقبين تورط التنسيق الأمني (المقدس) الذي يقوده عباس في القضية، ثم التهجم على ممثل الجبهة الشعبية في اللجنة ذاتها عمر شحادة، في حادثة نشر تفاصيلها بشكل رسمي القيادي في الجبهة الشعبية رباح مهنا.
وتجلى الرفض الفصائلي الواسع لإجراءات عباس بعد إقدامه على تقليص رواتب آلاف الموظفين الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث عبرت الجبهتان الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية وحزب الشعب وفدا عن إدانتها لذلك القرار.
وعباس على خلاف صارخ مع قطاع غزة، الذي يعاني من انقطاع التيار الكهربائي، بقرار منه شخصياً، والذي أعلن بوضوح في خطاب له في رام الله عقب معركة أبواب الأقصى، عن أن عودة التيار الكهربائي ممكن إذا تم حل اللجنة الإدارية، في إشارة واضحة جدا تؤكد مسؤوليته عن هذا الأمر، كما أنه على خلاف شديد مع المقدسيين الذين يرفضون سياساته ضد المقاومة، وقد عبر أولئك المقدسيون عن موقفهم هذا في مسيراتهم الاحتجاجية على جريمة البوابات الإلكترونية في مشاهد مصورة ومنشورة.
وعباس على خلاف مع الموظفين الذين قطع رواتبهم، وكلهم رافضون لهذه الخطوة التي مست حياتهم وحياة أطفالهم، رغم أن غالبيتهم من حركة فتح، والتي بات عباس بدوره على خلاف كبير مع جزء واسع منها، وقد خرجوا في مظاهرات للتعبير عن موقفهم هذا، ولا يستطيع أحد بمن في ذلك عباس نفسه إنكار أن تيار دحلان يحوز على شعبية كبيرة في أوساط حركة فتح خاصة في قطاع غزة.
وعباس على خلاف مع المجلس التشريعي الذي يمثل رأس هرم الشرعية الفلسطينية، فهو ومنذ سنوات يعطل اجتماع التشريعي، ويقوم بكافة الخطوات اللازمة لعرقلة أي محاولة لاجتماعه.
وعباس أيضاً على خلاف واضح مع الأسرى والمحررين الذين قام بقطع رواتبهم، حتى طال الأمر الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى 37 عاماً في سجون الاحتلال، ولنا أن نتخيل مشاعر أسير يعاني من ظلم الاحتلال، والسلطة في الوقت ذاته تقوم بقطع الراتب الذي يوفر لأطفاله الطعام والشراب، وعباس كذلك على خلاف مع الصحفيين الفلسطينيين الذين قام جهاز المخابرات مؤخراً باعتقال ثمانية منهم، على خلفية عملهم الصحفي، واتهمهم بتسريب معلومات لجهات معادية، وكأن التنسيق الأمني ليس كذلك، في اتهامات لا يمكن وصفها بغير الوقاحة، وفي الأيام الأخيرة وسّع عباس خلافاته الداخلية لتشمل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصدر قانون الجرائم الالكترونية، الذي يقيد حرية التعبير بشكل سافر، وقد قوبل هذا برفض واسع في أوساط الصحفيين.
الطرف الوحيد الذي لا يبدو عباس على خلاف معه داخل فلسطين المحتلة، هو الاحتلال الصهيوني الذي يحاول استثمار مرحلة عباس بكل قوة وسرعة، مستغلاً التنسيق الأمني، والعجز السياسي والديبلوماسي لتمرير مخططاته الساعية لتمزيق الضفة، ومنع قيام أي كيان سياسي فلسطيني موحد عليها.
ويبقى السؤال: ما دام الوضع كذلك، لماذا يبقى عباس على رأس السلطة التي تمثل الشعب الفلسطيني، هل هذا عجز أم قصور أم خوف أم سذاجة؟؟.