في مثل ذلك اليوم، تبدو القدس أكثر يتماً ووحدة، تمشي في شوارعها فتشعر أنك غريب عنها أكثر مما سبق، شرطة، جيش، أعلام زرقاء وبيضاء في كلّ مكان. تحاول العض على شفتيك وتحاوز كل شيء، فيظهر أمامك بعض من الفتية الغارقين بحلم "الشعب اليهودي" يقفون أمامك أنت بالذات يرقصون، وينشدون، وربما يسبون عليك وعلى نبي الإسلام. إلى يسارهم بعض الجنود لحمايتهم منك أنت المتطفل على هذه المدينة في يوم الاحتفال بها. إنه "يوم القدس" الذي يتكرر في مثل هذا الوقت من كل عام، ليُخرج من المستوطنين جلّ "فرحهم" ويشعل في قلوب الفلسطينيين المقدسيين نار القهر ومرارة الوحدة.
ما هو "يوم القدس"؟
تحتفل دولة الاحتلال يوم الأربعاء القادم الثامن من أيار بما يُسمى "يوم القدس". يُمثل "يوم القدس" للإسرائيليين اليوم الذي تم فيه احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967، وذلك حسب التقويم العبري (28/8 حسب السنة العبرية من كل عام).
تعتبر "إسرائيل" هذا اليوم يوماً "لتوحيد القدس"، إذ بعد عام 1967 بسط الاحتلال سيطرته على كل أجزاء المدينة، وبذلك أصبحت "موّحدة" تحت سيادته، وفق نظرتهم. ولذلك بالإضافة لتسميته الرسمية "يوم القدس"، هناك من يطلق عليه من الإسرائيليين يوم "تحرير القدس" أو يوم "توحيد القدس".
تم اقتراح العمل بهذا اليوم من قبل الحكومة الإسرائيلية عام 1968، وأعلنت عنه الكنيست فيما بعد كيوم للاحتفال. وفي عام 1998 تمت قوننته فأصبح قانوناً مصادقاً عليه باسم "قانون يوم القدس".
في المقترح للقانون الذي قدمه عضو الكنيست آنذاك حانان بوروت (عن حزب المفدال الديني) كتب: "في الذكرى السنوية الثلاثين لتحرير وتوحيد القدس من جديد كعاصمة لدولة إسرائيل، هناك مجال لعرض ذلك كيوم وطني رسمي. جوهر القدس، منتهى آمالنا، وقمة تطلعاتنا، يجب علينا أن نظهرها على رأس أولويات أفراحنا، لذلك يجب تخصيص يوم يعكس مركزية القدس في حياة شعب إسرائيل الذي عاد إلى ارضه، وأقام دولته وأعلن عن القدس كعاصمته الأبدية".
تنظم في دولة الاحتلال في هذا اليوم الذي تعطل فيه الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات فعاليات عديدة منها احتفال رسمي يجري في "تلة الذخيرة" مقابل حي الشيخ جراح وهي إحدى النقاط التي دار فيها قتال عنيف بين قوات الاحتلال والجيش الأردني عام 1967. وعادة ما تقر حكومة الاحتلال في مثل هذا اليوم ميزانيات جديدة تخصص لـ"تهويد القدس" وتكثيف البناء فيها، فيبدو الاحتفال والرقص مقروناً بالعمل!
كما يشمل هذا اليوم مسيرات يهودية استفزازية واسعة، تدور حول أسوار مدينة القدس القديمة وتنتهي عند ساحة البراق، وترفع فيها الأعلام الإسرائيلية بكثافة ويرقص فيها فتية المستوطنات على أنغام الشعارات مثل "الموت للعرب.. محمد مات".
تأمر سلطات الاحتلال في هذا اليوم تجار القدس المحتلة الفلسطينيين باغلاق محلاتهم باكراً للسماح لهذه المسيرات التهويدية بالمسير وتأمينها. كما ينشر أفراد شرطة الاحتلال والقوات الخاصة في شوارع المدينة وتحصل فيه بعض الاحتكاكات مع الشبان المقدسيين.
وتجري في مقابل هذه الاستفزازات محاولات فلسطينية متواضعة لتنظيم مظاهرات فلسطينية تقوم قوات الاحتلال بقمعها واعتقال عدد من المشاركين فيها. يصدق هنا قول الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي: في القدس من في القدس إلا أنت!
لمحة تاريخ: تم احتلال الجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948، فيما بقي الجزء الشرقي منها تحت الحكم الأردني إلى عام 1967 عندما لحقت بالعرب هزيمة نكراء تم على إثرها احتلال الضفة الغربيةى وقطاع غزة وسيناء والجولان. ومنذ عام 1967 تخضع شرقي القدس للسيطرة الإسرائيلية، ويفرض فيها القانون الإسرائيلي.*الصورة: من احتفالات الاسرائيليين بما يسمى يوم القدس عند باب العامود العام الماضي.