يبدو أن فصل قطاع غزة الذي ما لم يستطيعوا تتويجه بالحروب الإسرائيلية على غزة، سيتم تتويجه بإشتعال حدة الصراع بين حركتي فتح وحماس، والقرارات المؤلة غير المسبوقة التي يتخذها الرئيس محمود عباس، وتتخذ طابع العقوبات الجماعية القاسية التي تمارسها سلطات الإحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات وتشديدها الحصار على القطاع، وكأنه بدأ أمس.
اللافت أن السياسة التي يتبعها الرئيس عباس تجاه غزة لم تقدر برغم فظاعة العقوبات الجماعية وتنال غزة بأكملها من قبضتها، "الطلب من اسرائيل تقليص كميات الوقود" مثلًا، أن تكشف له وهج صمود الناس في قطاع غزة غير المفهوم، والتساؤلات حول قدراتهم إحتمال كل هذا الضغط والقسوة والحصار، وما يعنيه من حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية للإنسان، يقابله إستمرار الناس في الحياة والإقبال عليها بشغف وأمل وتفاؤل غريب، وسعيهم للحرية والعدالة وحقوق الانسان، فهم يمارسون طقوس حياتهم اليومية وتفاصيلها المميتة، وكأنهم لا يعانون، يتزوجوا ويفرحوا ويحزنوا في مشهد يومي سريالي لا يستطيع أي عالم إجتماع تفسيره.
غير أن الواقع هو أن البشر قدراتهم فائقة ويستطيعوا الانتصار على المستحيل، حتى لو كان احتلال مجرم يوغل في قتلهم، وسلطتين حاكمتين تتنكران لحقوقهم وقيادة توغل في فرض مزيدٍ من العقوبات الجماعية تستهدف غالبية الناس الذين أصبحوا أكثر هشاشة في مواجهة العقوبات والتأثير على مقومات حياتهم، وتعقد من قدرتهم على الإستمرار في الحياة.
إلا إذا كانت غزة هي البقرة الحلوب التي لا يراد لها ان تستمر في الإنتاج أو أن تنتج حسب ما يراد لها أن تنتج؟ وفي ظل التغيرات الدراماتيكية إقليميًا ليس غريبًا أن تتمسك جميع أطراف الصراع فلسطينيا وعربيا واسرائيليا بطول نفس، وصبر كبير وإنتظار التغيرات على الحالة الفلسطينية المستعصية وتأثير التشكيلات الإقليمية على حال غزة، ولا يشكل عامل الوقت عقبة أمامهم، إنما هو مهم لانضاج الأفكار التي تتبلور تجاه القضية الفلسطينية برمتها وتجاه غزة وحماس بشكل خاص.
وليس مستبعدًا أن ما تشهده غزة من تحالفات وتفاهمات تكتيكية جديدة شكلت قرارات الرئيس عباس تجاه غزة دافعًا ومفاجأة لكثيرين، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية متردية وتحذيرات المسؤولين الأمميين أن غزة الذي لم تعد صالحة للحياة ذاهبة للفصل، فهم حذروا من ذلك قبل خمسة أعوام، والحياة كانت غير ولا تزال ولم تعد صالحة للحياة منذ سنوات.
نحن نعلم كل ذلك وبتفاصيل التفاصيل والأمم المتحدة لم تستطع أن تقول للمجرم أنه مجرم فهي لم تقل مرة واحدة ان "إسرائيل" هي المجرمة في ما تقوم به تجاه غزة من حصار وإغلاق المعابر، وهي من تدفع بفصل غزة عن الضفة والسلطتان الحاكمتان تساعدانها في ذلك.
التحديات كبيرة أمام الناس في القطاع، وحتى لو كانت القيادة حكيمة وديمقراطية وشفافة وصادقة، في قراراتها وتفرض على جزء من شعبها عقوبات جماعية لإخضاع خصم سياسي، وكيف لهذا الخصم السياسي أن يستمر منفردًا في حكم غزة من دون تنازلات لشعبه ومشاركته وتقديم مبادرات وحلول عملية للخروج من الأزمة؟ كيف سيواجه الفلسطينيون في القطاع هذا العبث والعبء الملقى على كاهلهم وحدهم، وكيف سيكون هناك مستقبل، والقيادة لا تتصرف بحكمة ومصداقية وشفافية، والحكومة لم تضبط نفسها في أن تظهر صورة تفتيش أو تأخير موكب رئيس الوزراء على حاجز عسكري في الضفة الغربية.
لا حقائق، خارج الصراع على فصل غزة، حقائق الوحدة والمصالحة، وهم وسراب، أمام نصاعة الارتكاب للعقوبات الجماعية وفظاظة الاستبداد وتتويج الفصل. والقيادة تتنكر لصمود الناس، والنخب الثقافية والسياسية من الجزء الآخر من الوطن لم تتجرأ على نقد الحالة والضغط علاج الأزمة.