يبدو أن طريق غزة بعيدة، وأن "هرتسيليا" أقرب إلى رام الله منها، ربما هي أقرب لأن من شاركوا في مؤتمر النخب السياسية والأمنية فيها يحملون بطاقات شخصيات مهمة، غير أن دفع ثمن أجرة الطريق إلى غزة أقل كلفة، من الواضح أن النخبة السياسية الفلسطينية التي شاركت في مؤتمر "هرتسيليا" ترى فيه أكثر نفعاً من رأب الصدع الفلسطيني الداخلي.
فالأزمة المتجددة بين حركتي فتح وحماس لن تحل قريباً، والأمور تتجه نحو التعقيد وتصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقراراته غير المسبوقة وسلوكه يرجحان تصعيداً وليس حلاً أو فكفكة للأزمة، كما أن رد حركة حماس بعقد تفاهمات مع "التيار الإصلاحي" في حركة فتح ممثلا بمحمد دحلان سيدخل الأزمة طوراً جديداً من التحدي والإصرار على العناد.
وستشهد الساحة الفلسطينية حرباً مستعرة من المناكفات بدأت بحرب الإشاعات حول الإدعاء عن وثيقة مسربة من التفاهمات السياسية بين الطرفين بتشكيل حكومة في غزة يرأسها النائب محمد دحلان، وستشتعل وتيرتها والضرب سيكون تحت الحزام، وستدفع غزة وسكانها فيها أثماناً أكثر قسوة، بذريعة حصار حماس والضغط عليها للاستجابة للوحدة الوطنية، والمخاطر عن فصل غزة وتعميق الانقسام، وكأن غزة غير منفصلة بفعل السياسات الفلسطينية، وأن الانقسام لا يضرب أطنابه منذ عشر سنوات ويعمق بشكل يثير الاشمئزاز، والفصل يرسخ أكثر وبأيدي فلسطينية.
صحيح أن حركة حماس توصلت لتفاهمات مع دحلان غير أنه ينبغي أن تكون في حجمها الطبيعي، لكن الحريص على المشروع الوطني والوحدة الوطنية والمعارض لهذه التفاهمات بدأ بحرب غير وطنية، وبث الشائعات وبلبلة في الشارع الفلسطيني، وينطلق من مصالح خاصة ويشارك في تشديد حصار غزة ويفرض عقوبات جماعية عليها.
القيادة الفلسطينية تدعي أنها اتخذت قراراتها باستعادة الوحدة الوطنية من دون خطة وطنية أو استشارة أحد في الساحة الفلسطينية حتى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو مشاركتهم في القرارات التي تتخذ بحق القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة ولم تنجح في تحقيق أي تقدم إنما تشهد تدهوراً وتراجعاً خطيراً على جميع المستويات، فهي الحاكم بأمر الله وتفكر عن الفلسطينيين وتعتقد أنها حريصة عليهم، ومن حقها التقرير في مصيرهم حتى لو كان ذلك الطلب من الاحتلال الإسرائيلي تقليص كميات الكهرباء لغزة.
فالحرب التي تخوضها السلطة ضد غزة فيها من العناد والكبر والتحدي، وهي جادة والمسألة لديها غير قابلة للتسويف وتعتقد أنها ستنجح بكسر حماس وإخضاعها.
تمر الأزمة المتجددة منذ عشر سنوات بحالة من الإنكار من الطرفين، في حين أن الناس يدفعون الثمن والاحتلال فرح بما يجري ويدعي أن أزمة غزة الإنسانية لا علاقة له فيها ويسعى لمنع عدوان جديد ضدها ويحرض ضد الفلسطينيين لاستمرار الاحتلال والانقسام، ولا يزال طرفي الانقسام يقومان بتجييش وسائل الإعلام للإيحاء والإدعاء بأن الأزمة من الأساس والمشكلة تكمن في استعادة الوحدة الوطنية، ونيات الطرف الآخر واستخدام التزوير والفبركات لخلق رأي عام يتعاطف معه ويناوئ الطرف الآخر، وأن توجه ورؤية كل طرف هي الصحيحة.
تغير الزمن، وإدارة الأزمة بين الأخوة وحلها لا يكون بهذه الطريقة من الشروط، وبالتالي لا مجال لحل الأزمة إلا بضمان التزام ووفاء الطرفين بتعهداتهما في الاتفاقيات السابقة، والاتفاق على خطة وطنية لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، فالطريق إلى غزة أقرب من هرتسيليا.