قال القيادي في حركة فتح، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، في حديثه للقناة الثانية الصهيونية، "لقد ذهب ترامب إلى (حائط المبكى) وهو مكان مقدس لليهود، ونحن نقر أنه في نهاية المطاف يجب أن يكون تحت سيادة يهودية لا نقاش في ذلك"، وهنا تقاطعه مقدمه البرنامج، وتقول باستغراب: "لا نقاش أن (حائط المبكى) يجب أن يكون تحت سيادة يهوديه؟". يرد الرجوب قائلاً: "بكل تأكيد فهذا مكان مقدس لليهود"، مضيف، "هذا هو الوضع القائم منذ عام 1967، والذي حدده موشيه ديان في حينه، وعلينا أن نتكيف مع ذلك، ولكن إذا كنتم تريدون غير ذلك توقعوا الانفجار".
المثير في هذا التصريح، هو الاعتراف بـ"أحقية اليهود في حائط البراق"، بالرغم من فشلِ علماءِ الآثار، في العثورِ على دليل أثري واحد، يُفيد بوجودِ هيكل سليمان في فلسطين.
ولم يحدثنا التاريخ بأن اليهود كانوا يقدسون هذا الحائط بالبكاء أمامه، أو ترتيل بعض الإصحاحات من العهد القديم، واستمر ذلك حتى عام 1516 ميلادي تقريبا، عندما خضعت فلسطين للدولة العثمانية، في ذلك الوقت تقدم اليهود بطلبات عديدة إلى سلاطين العثمانيين للسماح لهم بالبكاء أمام هذا الحائط يوما واحد في السنة هو التاسع من آب الذي يصادف ذكرى خراب الهيكل كما يزعمون، وقد سمح لهم بذلك من طرف السلطان شريطة أن لا يجلبوا معهم المقاعد أو الكراسي أو خزائن التوراة أو ستائر أو أية أداة من الأدوات.
في هذا الصدد تقول "كارين أرمسترونج"، في كتابها "أورشليم مدينة واحدة من ثلاثة أديان": "قيل إن سليمان رأى الرسول محمد صلي الله عليه وسلم في منامه، وأنه أمره أن ينظم دفاعا عن القدس، وعلى أية حال، فقد أمر سليمان بإعادة بناء أسوار المدينة، وكانت تلك خطة طموحة استغرقت مهارة عظيمة ونفقات باهظة، وبلغ طول الحائط الذي ما زال قائما حتى اليوم ميلين وارتفاعه قرابة أربعين قدما ـــ وأحاط الحائط بالمدينة إحاطة كاملة، وكان به أربعة وثلاثون برجا وسبع بوابات، وفي تلك الأثناء، مر مهندس البلاط العظيم سنان باشا بالقدس، وقيل إنه هو الذي صمم بوابة دمشق، وحينما أنهى بناء السور عام1541 م أصبحت القدس محصنة لأول مرة منذ ما يربو على ثلاثمائة عام، ومن أجل تدعيم قوة المدينة، حاول السلطان إقناع رعاياه بالإقامة هناك، خاصة اللاجئين اليهود الذين استقروا في الإمبراطورية العثمانية بعد طردهم من أسبانيا المسيحية عام1492، وحينما كان سنان باشا يقيم بالمدينة أثناء بناء حائط القدس، ويقبل على إنشاء بوابة دمشق، أصدر سليمان فرمانا يسمح بحق لليهود في الصلاة عند الحائط الغربي، ويقال إن سنان هو الذي قام بتخطيط الموقع وبالحفر كي يقيم للحائط ارتفاعا أكبر وأقام بيتا، وحائطا موازيا له كي يفصل مصلى اليهود عن حي المغاربة، وكانت تلك المنطقة من الضيق بحيث لم يتعد عرضها ثمانية أقدام.. غير أن ذلك الضيق كان له ميزة جعل الحائط ذا التواء رأسي مؤثرا على المصلين.. وسرعان ما أصبحت المنطقة المحاطة عند الحائط الغربي مركز الحياة الدينية ليهود القدس ـ ولم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك، يقرأون المزامير ويقبلون الأحجار، وأحب اليهود سليمان السلطان، الذي ربما كان معتادا جذب مزيد من اليهود للقدس كصديق وراع لإسرائيل.. وروت الأساطير اليهودية أنه قد ساعد في تنظيف الموقع بنفسه، وأنه قام بغسل الحائط بماء الورد لتطهيره، وسرعان ما اجتذب الحائط الغربي أساطير كثيرة معتادة تتصل بالأماكن المقدسة، فقد تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص الحائط الغربي للهيكل (Dever Shekhinah)، والتي قال عنها الحاخامات إن الحضور الإلهي لم يفارقه أبدا وأن الله قد وعد أن يحفظه مدى الدهر، وبدأ اليهود في خلع أحذيتهم عند الدخول للمكان كما كانوا يحبون كتابة الالتماسات على قصاصات ورق ويدخلونها بين الأحجار كي ينظرها الرب.. كما كان يفعل يهودا في الخيمة من وراء ستار مع المريدين، وقيل إن باب الجنة يقع مباشرة أعلى الحائط الغربي وإن الصلوات تصعد مباشرة من تلك المنطقة المحاطة بالعرش الإلهي.
هذه شهادة سيدة بريطانية عن أساطير هذا المعبد وعن أصله وفصله، وكيف تحول السلطان سليمان العثماني فجأة إلى الملك سليمان عند اليهود المحدثين .. مثله مثل كثير من الأولياء.
ويؤكد الأمريكي "إرنست مارتن"، أستاذ في الدراسات الكتابية، أن المسجد الأقصى لم يكن يوماً في التاريخ مكاناً للهيكل، وأن "حائط المبكى" الحالي لا علاقة له بالهيكل، وبأنه "حائط مزور".
أما ما يثير الضحك كالبكاء، هو أن مرجعية جبريل الرجوب هنا، موشيه ديان، لص الآثار، ومن حاول أن يختلق تاريخياً يهودياً في بلادنا فلسطين.
لقد قرَّر الرجوب الارتباط بالأعداء؛ واعتبارهم المَثل الأعلى لهُ؛ وكتعبير عن هذا الارتباط، كانت رواية "راحاب"؛ التي كانت تعيش على مصدر واحد؛ وهو "البغاء"؛ حسب سِفرِ يشوع (2: 1-24)، دون أي مَصدر تاريخي آخر؛ فـ"راحاب" هذه، خبأت جواسيس يشوع بن نون، مقابل حمايتها هي وعائلتها، وبالفعل سقطت مدينة أريحا [أي كانت]، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ، وَالْحَمِيرَ، بِحَدِّ السَّيْفِ. وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ، اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الأَرْضَ: (ادْخُلاَ بَيْتَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ، وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ الْمَرْأَةَ، وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا). فَدَخَلَ الْغُلاَمَانِ الْجَاسُوسَانِ، وَأَخْرَجَا رَاحَابَ، وَأَبَاهَا، وَأُمَّهَا، وَإِخْوَتَهَا، وَكُلَّ مَا لَهَا، وَأَخْرَجَا كُلَّ عَشَائِرِهَا، خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ. وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، ... وَاسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ الزَّانِيَةَ، وَبَيْتَ أَبِيهَا، وَكُلَّ مَا لَهَا، وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهَا خَبَّأَتِ الْمُرْسَلَيْنِ، اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ، لِكَيْ يَتَجَسَّسَا أَرِيحَا." ــ سِفر يشوع ( 6 : 20 ـ 26 ).
وفي نهاية المطاف، ألم يلعب الرجوب دوراً مُشابهاً لدور "راحاب" التوراتيَّة المُزيَّفة؛ عندما قام بالاتفاق مع العدو الصهيوني، على تسليم مقر "الأمن الوقائي" في بيتونيا ــ رام الله (2002)، والذي كان يقبع فيه عشرات المعتقلين من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، مقابل أن ينجو بنفسه.