فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: معاناة الأسرى الفلسطينين في سجون الاحتلال الإسرائيلي تتفاقم بشكل كبير خلال شهر رمضان المبارك، فالسجان يواصل حرمان الأسرى من الالتقاء مع أطفالهم وأمهاتهم وذويهم على مائدة واحدة في الشهر الذي يجمع كل الفرقاء، ويمنعهم بموجب من اصطحاب أطفالهم لشراء الحلوى، وينكس من فرحة الشهر المبارك عبر إبقاء موائد الإفطار حزينة.
وهناك، في المكان الأشد إيلاما والأكثر قسوة، تتزين موائد الأسرى بأهازيج الفرح وحتميات العناق الأكيد بالأهل والأحبة بعيدا عن الأسلاك الشائكة والجدران الكهربائية، وعيونهم ترنو لغد خفاق بالحرية والتحرير، تعلوا فيه أصوات المآذن معلنة بزوغ هلال نصرهم وعودتهم لعتبات بيوتهم التي ما استكانت في إشعال خيوط الأمل.
الأسير المحرر أسامة شريتح الذي غيبته زنازين الاحتلال مدة 15 عاما عن موائد الشهر الفضيل وهذا رمضانه الأول على مائدة ذويه بعد الأسر، يقول لـ قدس الإخبارية، "على الرغم أن الحياة اليومية للأسرى مليئة بالقهر والظلم، إلا أن شهر رمضان المبارك يختلف عن باقي أيام العام".
"كنت أشتهي أكلة ورق العنب، لما لها في نفسي من ارتباط بكروم عنب مدينة الخليل التي آوتني من جوع وآمنتني من خوف، أيام كنت مطارداً لقوات الاحتلال، حيث صادف اختبائي وسطها بشهر رمضان، وكنت أتلاشى العودة إلى البيت مع ساعة الإفطار لإطالة أمد الاشتباك مع الاحتلال"، يبين شريتح.
"هناك منظومة متكاملة من الجهد العالي في تنظيم موائد إفطار الأسرى من قبل الاخوة والمجاهدين داخل أقسام السجن، وحالة التكاتف المبنية على أساس الهم الواحد، والتخفيف من الآلام التي تلحق بالأسرى نتيجة الغياب القسري عن موائد الإفطار وسط صخب الأطفال وتجمع الأهل، وأجواء رمضان خارج السجون".
ولفت شريتح إلى هدف إدارة مصلحة السجون الدائم والمستمر للتنقيص من فرحة الاحتفاء بالشهر الفضيل داخل قلاع الأسر، وزعزعة حالة الاستقرار وأجواء العبادات والصلوات والذكر، فلا طعام مختلف، ولا وقت مضاعف للاستراحات، ولا سماح لصلاة الجماعة وخاصة التراويح، إلا على نطاق ضيق في بعض السجون.
وأوضح شريتح لـ قدس الإخبارية عن صعوبة توفير الأسرى لإفطارهم اليومي في رمضان، مبيّنًا أن إدارة مصلحة السجون كانت تتعمد في تضييق الخناق عليهم بتأخير وصول المشتريات "الكانتين"، ومنع الآذان الموحد بين الأقسام، ورفض إدخال الحلويات أو السماح بعناق الأهل عبر الزيارة في الشهر الفضيل.
وكشف شريتح سعي مصلحة إدارة السجون وجهاز "الشاباك" لمنع وصول بعض أصناف الطعام بعد إضراب الحركة الأسيرة عام 2012 بهدف زيادة نسبة الأمراض التي تلحق بالأسرى المضربين عن الطعام، خاصة وأن موعد انتهاء الإضراب تصادف قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان حينها.
وبين شريتح أن السجون كانت تخلو من كل أصناف الطعام نتيجة قيام الإدارة بسحب المواد الغذائية من زنازينهم بعد دخول الحركة الأسيرة في الإضراب المفتوح عن الطعام، لكن الأسرى استطاعوا الإبداع في صناعة الطعام وتوفيره لإخوتهم ورفاقهم رغم قلة الإمكانيات والمواد.
وأشاد شريتح بالروح العالية من التكاتف والتضامن التي يتحلى بها الأسرى في شهر رمضان داخل قلاع الأسر رغم قيام إدارة مصلحة سجون الاحتلال بالتحكم بخروج الأسرى العاملين على تسهيل التواصل بين الزنازين وايقاظ الأسرى للسحور وتقديم الوجبات لهم في موعدها، وسعي الإدارة لتأخير خروجهم لما بعد انقضاء الوقت المخصص للسحور.
وأشار شريتح خلال حديثه لـ قدس الإخبارية، إلى أن الأسرى يذهبون في مخيلتهم برحلة الحنين إلى الأهل والأصدقاء في الليلة الأولى من رمضان، كما يبدؤون بزيارة رفاقهم في الغرف المجاورة بنفس السجن وإهدائهم التمور، ولفت أن السجون الموجود فيها خيام تختلف أجوائها عن السجون الموجود فيها غرف أو زنازين.
"تركت الطعام واكتفيت بالصلاة والدعاء لمن يقفون على خط المواجهة الأول في معركة الوصول إلى القدس محررة"، هكذا أجاب شريتح عند سؤاله عن رمضانه الأول خارج الأسر.
"في مثل هذا الوقت من العام الماضي كنت برفقتهم، نصنع أطعمة لا نستطيع تشكيلها هنا، نمازح بعضنا ونشد أزر بعضنا، ويؤنسنا هذا الشهر كما لم يفعل أي شهرٍ آخر، ننسى فيه بعضاً من ألم، وحالة الوحدة والحزبية الضيقة تتلاشى أكثر وأكثر في الشهر الفضيل"، يستذكر شريتح.
وختم شريتح حديثه بالقول، "وحدنا نحن الأسرى والأسرى المحررين من نعرف قيمة هذه اللحظات بعد أن حرمنا منها، ولن يهنأ لنا بال أو يطيب لنا سحور أو فطور دون أن يتحرر من تقاسمنا معهم أشد الليالي حلكة وأصعب الظروف مرارة، وهذا وعد الله لمن قاتل في سبيل إعلاء كلمته وتحرير مقدساته".