شبكة قدس الإخبارية

براء البرغوثي.. عندما أراد جنود الاحتلال دفنه حيا وقتله

ديالا الريماوي

رام الله- خاص قُدس الإخبارية: جسده كان منهكا لا يقوى على الحركة بسبب الضرب المبرح، فهو لم يكن بكامل وعيه عندما كان الجندي يلقي بالتراب فوق جسده الممدد بين أشجار زيتون، إلا أنه أدرك إذا لم ينهض سريعا سيدفنه جنود الاحتلال حيا، لكن محاولة قتله لم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت.

يوم الجمعة قبل الماضي في مواجهات قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، وعقب إصابة الشاب سبأ عبيد، أصيب شاب آخر من بلدة بيت ريما وعندما تم نقله بالإسعاف رافقه صديقه الشاب براء البرغوثي (20 عاما)، لكنّ عند وصولهم للنقطة العسكرية المقامة على مدخل النبي صالح، أوقف جنود الاحتلال سيارة الإسعاف.

الاعتقال

فتح جنود الاحتلال الباب الخلفي لسيارة الإسعاف ليجدوا شابين أحدهما مصاب، فالتقطوا صورة له وقاموا بإنزال براء البرغوثي وأخضعوه للتفتيش فوجدوا في جيبه مقلاعًا، سألوه لمن هذا فأجابهم بأنه وجده وحمله معه.

اقتاد جنود الاحتلال براء إلى جيب عسكري وقيدوا يديه ووضعوا عصبة على عينيه، وما أن جلس في الجيب وأُغلق بابه حتى بدأ الجنود بركله بأقدامهم على رأسه، وبعد أن سار الجيب لمسافة ليست بالطويلة تم نقل براء إلى إحدى المستوطنات.

على باب غرفة صغيرة، دفع جنود الاحتلال ببراء إلى الداخل لتصطدم رقبته بقطعة معدنية، إذ كان لا يزال معصوب العينين، وما أن أجلسوه على كرسي حديدي لا مسند له، حتى بدأ الجنود بضربه بسلاح "ام 16" على يديه وكتفه.

بعد دقائق، دخل جندي سأل براء عن اسمه ونزع العصبة عنه وناوله هاتفًا ليتحدث مع والده عبر الكاميرا، إذ تم استدعاؤه عند النقطة العسكرية المقامة على مدخل النبي صالح وطلبوا منه جلب هوية نجله، خلال المكالمة لم يتمكن براء من الإجابة عن سؤال والده حول حالته ومكانه.

كأنها فرصة ولاحت لهم، وجود شاب بينهم يمارسون أعمالا نازية بحقه فقط لأنهم عثروا على مقلاع بحوزته، فأحد الجنود الذي جاء دوره ليعتدي على براء، شتمه بعبارات نابية ومن ثم ركله بقدمه على رأسه وهو معصوب العينين ليسقط براء عن الكرسي الحديدي ويفقد الوعي.

تناوب المنكلين

عقب بضعة دقائق سكب الجندي ذاته الماء على وجه براء ليستعيد وعيه، ومن ثم أعاده إلى الكرسي وسأله عن اسمه دون أن يجيب، فضربه مجددا على رأسه.

أحد الجنود هدد براء بأنه في حال عاد إلى النبي صالح وشارك بالمواجهات سوف يقتلونه، في حين طلب منه جندي آخر أن يقول بأنه صديق للجيش، لكنه رفض لأنه لم يكن يعلم إذا ما كانت تلك خدعة وسيتم تصويره.

الاعتداء على براء لم يتوقف، إذ دخلت مجموعة من الجنود وبدأوا بتوجيه أسئلة عن "المقلاع" والمواجهات، وعرضوا عليه صورة الشهيد سبأ وسألوه إذا ما كان يعرفه فأجاب بالنفي، فانهالوا عليه بالضرب ونقلوه لغرفة ثانية، وهناك طلب منهم أن يستخدم المرحاض.

بعد أن اقتادوه، ظن براء أنهم متوجهون به إلى المرحاض وبعد ازالتهم العصبة عن عينيه، وجد نفسه بين أشجار زيتون وفي منطقة غير مألوفة بالنسبة له وحوله ثلاثة جنود، عندها شعر بأن خطرا يحدق به.

اعتدى الجنود الثلاثة على براء بالضرب، وأعادوا العصبة على عينيه وأجبروه على المشي في الحقل دون أن يعرف وجهته، وخلال ذلك بدأوا بضربه بأسلحتهم وأقدامهم على ظهره وساقيه.

كانت الشمس قد شارفت على المغيب عندما سمع صوت آليات عسكرية إسرائيلية تمر في المنطقة، سريعا وارى الجنود براء خلفهم وأمروه بأن يلتزم الصمت وألا يصرخ حتى جاوزوهم، واصل الجنود بعد ذلك سيرهم وعند وصولهم لمنطقة مليئة بالحجارة دفع أحد الجنود ببراء نحو صخرة كبيرة، ليفقد الوعي لثوان.

محاولة دفنه حيا

أزال الجنود العصبة عن عينيه، وبدأوا بالقاء التراب فوق جسده، وما أن استيقظ براء حتى وجد الجزء السفلي من جسده مدفونا بالتراب، وحينها بدأ الجنود بالبصق عليه وشتمه، وواصلوا القاء التراب والحجارة على جسده، عندها أدرك براء أنه في حال لم يقف سيدفنوه حيا، فنهض سريعا.

ظن أن تلك اللحظات هي الأخيرة في حياته، لا سيما بعد أن قال له جندي يجيد اللغة العربية "لازم نقتلك"، فأعاد العصبة ووضع سلاح "ام 16" على رأسه وقام بسحب الزناد، حينها كانت فكرة الموت وحدها تدور في رأسه لينطق براء بالشهادتين، لكن الجندي طلب منه أن يشتم النبي محمد قبل قتله، لكنه رفض.

بعد رفضه، ضرب الجندي براء على بطنه وبقي ممددا على الأرض، فطلب منه أن ينهض لكنه لم يقو لأن جسده كان منهكا بفعل الضرب المبرح، بدأ الجندي بالعد حتى الثلاثة وخلال ذلك وضع ثلاثتهم أقدامهم على رأسه وبطنه وداسوا عليه.

أمسك جندي ببراء وأجبره على النهوض، ومن ثم أمره بأن يجلس على الأرض وبدأ يعد للرقم ثلاثة، وكلما وصل للعدد كان على براء أن ينهض ويجلس مكررا فعلته أكثر من مرة منفذا لأمر الجندي.

اقتاد الجنود الثلاثة براء وهو معصوب العينين وواصلو السير في الحقل، وأينما نبت شوك كانوا يجبرونه على المشي فوقه ويدفعونه على الحجارة، حتى وصل براء والجنود الثلاثة لجنديين أخرين في منطقة ما، وبدأوا بعدها بضربه في أقدامهم على ساقيه حتى يقع أرضا.

تهديد القرية

مجددا، أمر الجنود براء بأن يشتم النبي محمد، ليُخرج بعدها أحدهم مقصا ويبدأ بقص شعره عشوائيا ويشتمونه، وعندما انتهى فكّ بالمقص العصبة والقيود البلاستيكية وتناوب الجنود على ضربه، ومن ثم ألقوه بين أشجار الزيتون في المنطقة الواقعة بين قريتي بيتللو ودير عمار، قائلين له: "روح احكي لأهل النبي صالح واللي بروح هناك شو عملنا فيك".

منتصف الليل كان قد حلّ، عندما ألقى الجنود ببراء في الحقل، غير مكترثين لوضعه الصحي أو ما يمكن أن يشكل قرب المستوطنات من خطورة عليه، لكنّ براء استجمع قواه وبدأ يزحف بجسده على التراب، حتى اقترب من الشارع فنهض وأسند جسده على حديدة، وبدأ يشير بأصبعه للسيارات التي لم يكن يعلم إذا ما كان سائقوها مستوطنين أم فلسطينيين.

بمحض الصدفة، مرّ أحد شبان بلدة بيت ريما عنه وعندما أدرك أن الشاب بحاجة لمساعدة وملامحه تبدو مألوفة، عاد بسيارته للخلف واصطحب براء معه للبلدة.

ظهور براء أمامهم بهذه الحالة شكل صدمه لوالديه، فنجلهم رغم حالته الصعبة استطاع أن ينجو من الموت بأعجوبة، ليصطحبوه فورا إلى مستشفى سلفيت الحكومي، وبقي هناك لمدة يومين يخضع للعلاج، إذ أصيب نتيجة الضرب المبرح بخلع في الكتف، ورضوض في اليدين والساقين وكدمات تغطي أماكن متفرقة من جسده.