حين أصدر الرئيس محمد مرسي قراره بمعاملة الهاربين من بطش النظام السوري معاملة المصريين، كنت أحد الذين رحبوا بهذه الخطوة، ودعوا في حينه إلى أن يشمل القرار الفلسطينيين المقيمين بمصر الذين لا يزيد عددهم على 20 ألفا.
وقد كان ذلك وضعهم في المرحلة الناصرية، إلى أن انقلب عليهم السادات واعتبرهم «أجانب»، وهو الموقف الذي استمر وتدهور في عهد مبارك الذي شيطنهم نظامه وحولهم إلى تهديد للأمن القومي المصري، وحين رحبت بقرار الرئيس مرسي لم أنتبه إلى أن بين الذين هربوا من بطش النظام السوري فلسطينيين كانوا لاجئين هناك وتعرضوا لما تعرض له غيرهم فاضطروا إلى مغادرة البلاد.
كأنما كتب عليهم أن يقضوا حياتهم بين لجوء ولجوء.
في مصر كانت تنتظرهم مفاجأة أخرى، لأن البيروقراطية فرقت بينهم وبين أقرانهم السوريين الذين جاءوا معهم. وهو ما سجله وانتقده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان مشترك مع تجمع «راصد فلسطينيي سوريا» (صدر في 29 مارس الماضي)، إذ ذكر «أن السلطات المصرية تمارس تمييزا واضحا ضد الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية، حيث لا تتم معاملتهم على قدم المساواة مع اللاجئ السوري، وذلك بصورة تهدد أمنهم وتخلف تعقيدات في وضعهم القانوني على المدى البعيد».
وأشار البيان إلى أنه «لا يسمح للاجئ الفلسطيني السوري بدخول الأراضي المصرية إلا إذا كان قادما مباشرة من دمشق، وهو ما يمثل تعقيدا بالغا في ظل الإغلاق شبه الدوري لمطار دمشق، الأمر الذي يضطر الهاربين إلى السفر عبر مطار بيروت أو إسطنبول.
الغريب في الأمر أن هؤلاء الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سورية يحتجزون بصورة تعسفية في مطار القاهرة، وأغلبهم يرحلون إلى المطارات التي قدموا منها.
وقد تم رصد حالات ترحيل واعتقال في المعتقلات المصرية لعدد منهم، علما بأن القانون الدولي في هذه الحالة يقضي بمساواتهم بغيرهم من اللاجئين السوريين.
حين اشتدت معاناة الذين سمح لهم بدخول مصر ولم يجدوا أذنا تستمع إلى مطلبهم. فإنهم اتجهوا إلى السفارة الفلسطينية في القاهرة آملين أن تخاطب السلطات المصرية وتتبنى مطلبهم في المساواة مع اللاجئين السوريين، فشكلوا لجنة متواضعة للدفاع عن حقوقهم، دعت إلى اعتصام أمام السفارة يوم الثلاثاء 23/4، الأمر الذي سبب إحراجا للسفير الفلسطيني والعاملين معه، فأصدرت السفارة بيانا تحدث عن رعايتها لمطالبهم، الأمر الذي وجده المعتصمون متناقضا مع أوضاعهم، فتعالت هتافاتهم ضد السفارة. وطالب بعضهم بإقالة السفير.
ولم تجد الجموع التي احتشدت مفرا من نصب خيامهم أمام السفارة ورفع الأعلام الفلسطينية عليها، معبرين بذلك عن إصرارهم على مواصلة الاعتصام حتى يستجاب لمطلبهم الذي يقرره لهم القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.
إزاء ذلك أبلغهم السفير الفلسطيني بأنه طلب موعدا مع وزير الخارجية المصري لحل مشكلتهم.
وإزاء ذلك علقوا اعتصامهم وأمهلوا السفارة عشرة أيام لتلبية مطالبهم، مؤكدين عودتهم للاعتصام يوم الأحد المقبل (5/5) في حال عدم الاستجابة لها.
وقد حصروا مطالبهم في أحد أمرين:
إما السماح للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين بالقيام بدورها في توفير الرعاية لهم، أو صدور قرار مصري يساوي بينهم وبين اللاجئين السوريين، بما يضمن عدم ترحيل القادمين منهم عبر المطارات الأخرى طالما أنهم يحملون وثائق سفر سورية، ويوفر لأبنائهم فرصة مواصلة تعليمهم، دون تمييز أو إهانة.
لا أخفي شعورا بالخزي والعار إزاء استمرار سياسات مبارك في التعامل مع الملف الفلسطيني باختلاف عناوينه، وهي السياسات التي مازالت البيروقراطية المصرية والأجهزة الأمنية تتبناها،
كما مازالت الأبواق الإعلامية المعبرة عن تلك السياسات تواصل دورها في تسميم الأجواء وتعبئة الرأي العام ضد الفلسطينيين في مسلك مشين لا يليق بدور مصر ولا بمقام الشقيقة الكبرى.
أدري أن الفلسطينيين لديهم أكثر من مشكلة مع مصر، من مخلفات عهدين، أحدهما حكم البلاد خلاله رئيس تصالح مع الإسرائيليين، والثاني رئيس صار كنزا إستراتيجيا لإسرائيل. الأمر الذي شكل مصدرا لمعاناتهم التي ينبغي ألا تستمر، بل يجب أن يوضع لها حد بعدما عادت مصر للمصريين بثورة 25 يناير.
لكن الوضع الطارئ للفلسطينيين اللاجئين من سوريا لا يحتمل الانتظار وينبغي أن يحسم على وجه السرعة بما يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم. حيث أزعم أن إهانة الفلسطيني أو أي عربي آخر في مصر التي نعرفها لا تكون من نصيبه وحده، وإنما تعد في حقيقة الأمر إهانة لمصر والمصريين أيضا.