فلسطين - خاص قدس الإخبارية: يشنّ الاحتلال وأذرعه حربًا نفسية على الأسرى المضربين عن الطعام، وقد استبق معركتهم الأخيرة التي بدأت في السابع عشر من نيسان، بتصريحات حملت نوايا مبطنّة برفض الاستجابة لمطالبهم.
ووصف مسؤولو الاحتلال في تصريحات متفرقة، الأسرى بـ "الإرهابين"، مطالبين بإعدامهم وقتلهم وعدم الالتفات إليهم، لينطلق رغم ذلك أكثر من 1500 أسير في معركة الإضراب عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروف حياتهم المعيشية، ووقف سياسات الاحتلال العنصرية التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
الأسير المحرر عامر القواسمة الذي أمضى 27 عاماً في سجون الاحتلال أوضح، أن إدارة مصلحة سجون الاحتلال أصدرت بيانًا استباقيًا كشفت فيه عن مخاطر وتداعيات الإضراب عن الطعام على الأسرى، متخذة بذلك إجراءاتها لثني الأسرى عن الإضراب.
وأضاف القواسمة لـ قُدس الإخبارية، أنه في المقابل، ركزت قيادات الحركة الأسيرة على التعبئة الفكرية والمعنوية للأسرى وخاصة الجدد الذين لم يخوضوا تجارب إضراب سابقة، عبر إصدار البيانات والتعميمات وتنظيم الجلسات التثقيفية، والعمل على شمولية الخطوة النضالية لتطال كافة السجون والمعتقلات عبر تشكيل جبهة موحدة واسعة تربك إدارة السجون.
كما عملت قيادة الإضراب على التأكيد على ترسيخ الوحدة الوطنية للحركة الأسيرة، والتعالي على الخلافات الداخلية، لعدم السماح لإدارة مصلحة سجون الاحتلال استغلالها والتفرد بالأسرى والتنظيمات، حسبما يوضح القواسمة.
فيما أكد بدران جابر الذي أمضى 15عامًا في سجون الاحتلال، على ضرورة ايجاد قيادات ظل بديلة لمواجهة سياسة النقل والعزل للقيادة المركزية للإضراب، بعد التوحد حول قيادة مركزية لكافة الأسرى في سجون الاحتلال.
وأضاف جابر لـ قُدس الإخبارية، أن الحالة التعبوية للأسرى ورفع معنوياتهم تبدأ قبل الإضراب المفتوح عن الطعام وتستمر طوال أيامه، ويمنع بموجبها حديث الأسرى مع السجانين أو مصلحة إدارة سجون الاحتلال.
ولفت إلى أن عيادة مصلحة سجون الاحتلال تمارس ضغوطاتٍ كبيرة، خلال الإضراب على الأسرى من خلال إيهامهم بخطورة حالتهم الصحية، وتحاول إجبارهم على تناول الفيتامينات والمدعمات وشرب السوائل، وهو ما يقابل برفض قاطع من قبل الأسرى.
من جانبه، أوضح الأسير المحرر صبحي البابا، بأن اجراءات الاحتلال المتمثلة باستدعاء أعداد كبيرة من السجانين، وسحب كل ممتلكات الأسرى، وتصعيد حملات التفتيش واقتحام الزنازين، ليس إلا لإشاعة الفوضى وإرهاق الأسرى وتوتيرهم.
وقال البابا الذي أمضى 18 عاماً في سجون الاحتلال، إن إدارة مصلحة السجون تقوم بجلب مجموعة من الأسرى الجنائيين لشوي اللحمة، وتفتح مكبرات الصوت للعمل على توتير الحالة النفسية للأسرى، مضيفًا "أن إدارة مصلحة سجون الاحتلال تماطل في التفاوض على مطالب الحركة الأسيرة، بذريعة الحاجة لفحص هذه المطالب مع الجهات المختصة، محاولة مساوتهم عليها".
وأفاد لـ قُدس الإخبارية، أن تراجع الحركة الوطنية الأسيرة عن مطالبها النضالية انكسار لعموم الشعب الفلسطيني، وانكسارهم يعني تنفيذ حكم الإعدام على القضية الوطنية، وناشد الأسرى بأن يكونوا على قلب رجل واحد، متوحدين خلف القيادة الوطنية للإضراب، لتفويت الفرصة على الإدارة في كسر شوكتهم ورد الاعتبار لقوة وهيبة الحركة الأسيرة.
ماذا يحدث للأسرى صحيًا خلال إضرابهم؟
من جهتها، قالت رئيسة قسم التغذية في مستشفى الخليل الحكومي الدكتورة زهية شاور، إن الأسير يجري تهيئة لجسمه تدريجياً للوصول لمرحلة الإضراب الكامل عن السوائل والطعام، حتى لا ينصدم جسده من الانقطاع المباشر عن الطعام، وليتجنب المعاناة منذ الساعات الأولى للإضراب.
وأضافت في حديثها لـقُدس الإخبارية، أنه بعد يومين يصاب الأسير بالصداع الشديد وتقلصات في المعدة وحالة دوخان، مما يتطلب وجود زملاء معه في الزنزانة حتى لا يقع بصورة مفاجئة ويتضرر جسده، وتبدأ تقلصات في الجسم وضمور في العضلات وتشنجات في الأعصاب، وتتوالى حالات فقدانه لوظائف الجسم.
وفيما يتعلق بالأعراض الصحيّة، قالت إن الأعضاء الداخلية وحاسة البصر تتأثر وتضطرب تركيزات المعادن والفيتامنات في الجسم، ويعاني جسم الأسير أحياناً من حالات إسهال شديد تؤدي لفقدان السوائل، ولا يعوض الماء حاجة الجسم للإبقاء على قدرته لمواصلة نشاطه، ويصاب جسم المضرب بهزل وتعب شديد.
وبعد انقضاء عدة أيام في الإضراب يتأثر الدماغ كونه يتغذى على السكريات، وربما يصل حد الوفاة، وتبدأ الأعراض بالظهور بصورة جلية أكثر على حالة المضرب، حتى في حال شربه للماء وحده، ومع مرور الساعات والأيام تزيد الأعراض وتشتد، تقول الدكتورة شاور.
وبحسب شاور، "يبدأ الجسم باستغلال الدهون في الجسم، وبعد نفاذها ينتقل الجسم على العضلات ويستغلها لتحويلها لطاقة، مما يحوّل جسد المضرب إلى هيكل عظمي، بسبب تآكل العضلات، كما أنه بحاجة للطاقة المتولدة من الطعام للإبقاء على عمل وظائف الدماغ والتنفس والحركات اللاإرادية للجسم، ويؤدي كل هذا إلى تقلص الجسم وانخفاض وزنه".
وتؤكد الاتفاقيات الدولية على ضرورة احترام خيارات الأسرى والحفاظ على كرامتهم الإنسانية، ويتفق موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي مع موقف الرابطة الطبية العالمية والمنصوص عليه في إعلاني "مالطا وطوكيو" من العام 2006م، واللتان أكدتا على حق الأسير في اختيار وسيلته النضالية للمطالبة بحقوقه.
وناشد مدير مركز الأسرى للدراسات الدكتور رأفت حمدونة منظمة الصليب الأحمر الدولي ومجلس حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية، بإلزام كيان الاحتلال العمل بموجب الاتفاقيات الدولية، مؤكدًا أن كل مطالب الأسرى أساسية وإنسانية، وعلى العالم أن يدفع باتجاه الضغط على الاحتلال للموافقة عليها وتطبيقها.
وقال حمدونة الذي أمضى في سجون الاحتلال خمسة عشر عاماً لـ قُدس الإخبارية، إضراب الأسرى جاء لتحسين شروط حياتهم وفق الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة، اللتان تؤكدان على معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وهو ما تفتقر إليه سجون ومعتقلات الاحتلال.
وحذر حمدونة من إقدام مصلحة إدارة سجون الاحتلال على التغذية القسرية للأسرى كونها مخالفة للقوانين الدولية والإنسانية، وناشد المنظمات الدولية بالتدخل لوقف إقدام مصلحة سجون الاحتلال عن الإقدام على مثل هذه الخطوة.