الخليل - خاص قدس الإخبارية: عندما يختار الشهداء درب المنايا في سبيل الوطن الذي لا يكتمل إلا بحضورهم، ويذهبون للنوم، وتغيب الحكايات والروايات عن الحضور، وتبدأ عقارب الوقت تلوح بظلال الوجع والحرمان من بقايا فنجان قهوة، أو خلال تحضير درس لطفله، وتتلاشى أكوام رائحة الوالد الذي انتقل إلى الجنان.
تامر (7 سنوات)، هو طفل الشهيد مصطفى برادعية من مخيم العروب شمال مدينة الخليل، خرج صباحًا إلى مدرسته يتقاسم الألم مع والدته دون أن تحمل جيوب سرواله قروشاً أسوة بباقي أصحابه، وتقف أمه تشحنه بآيات مفادها أن الوطن لا يكتمل دون الشهداء.
وتروي هناء برادعية زوجة الشهيد، لـ"قدس الإخبارية" عن قصة حرمان أطفالها المتفوقين في دراستهم من مصروفهم المدرسي، وربما مجبرين على عدم المطالبة بكراسات أو أشياء أخرى، في سبيل الشموخ وعناق وجه حنظلة فوق أرضهم في يافا المضاءة بدماء الشهداء.
"بعد استشهاد زوجي بتاريخ 19/7/2016 قام وزير التربية والتعليم الدكتور صبري صيدم، بزيارة لمنزلنا بعد انتهاء جولته في كلية العروب، وطالبته في حينها ببقاء اعتماد راتب زوجي من خلال وزارة التربية والتعليم، والتي كان يعمل فيها مدرساً لمادة الكيمياء، في مدرسة ذكور بيت فجار الثانوية"، تكمل برادعية.
"مضت الأيام، وأنا أتنقل من مكتب لآخر بحثا عن ورقة إثبات شهادة زوجي، وكتاب آخر يثبت أنني أرملة، وفرت الكتاب الأخير لكن شهادة الوفاة لم نحصل عليها إلا بعد إذابة الثلج عن الجسد الطاهر ومواراته الثرى في اليوم التالي للتسليم بتاريخ 23/12/2016"، تتابع برادعية لـ "قدس الإخبارية".
ولفتت إلى استهداف واضح وتعنت غير مبرر من قبل جهات معنية في تنفيذ الوعود تجاه أطفال الشهيد، وتتسائل بألم وحسرة عن ذنب أطفالها ولمصلحة من يتم تعطيل راتب والدهم الشهيد، ولماذا يعاقب أطفال الشهداء؟، ومن لهؤلاء الأيتام؟، وكيف لروح والدهم أن تستقر وأطفاله ينامون دون أي بريق أمل في الحصول على راتب والدهم الشهيد.
واعتبرت برادعية أن سبب تعطيل صرف راتب زوجها هو مناشدتها لوزير التربية والتعليم الدكتور صبري صيدم بصرف راتبه، من أجل استمرار حياة أطفالها السبعة، والتي تتراوح أعمارهم من الخمس سنوات لغاية سبعة عشر عاماً.
وأشارت هناء برادعية الحاصلة على بكالوريوس تربية ابتدائية وعلم النفس أنها قابلت الرئيس محمود عباس أثناء حضوره لاحتفالات أعياد الميلاد في بيت لحم قبل نحو ثلاث شهور، ومضى الرئيس على توظيفها في سلك التربية والتعليم وبشكل فوري، ولكنه لم يتم تنفيذ القرار لغاية الآن.
وفي تصريح خاص لـ"قدس الإخبارية"، أفادت برادعية بأنها بصدد الدخول في إضراب عن الطعام، من صباح يوم الأحد الموافق الثاني من نيسان، والاعتصام أمام مكتب وزير التربية والتعليم الدكتور صبري صيدم هي وأطفالها حتى تنال كافة حقوقها، وتحقق العدالة الإنسانية والاجتماعية تجاه أسرة الشهيد الذي قضى برصاص الاحتلال.
ماذا قالت وزارة التربية والتعليم عن ذلك؟!
وقال مدير ديوان وزير التربية والتعليم موفق الخطيب لـ"قدس الإخبارية" أنه تمت المصادقة من قبل الجهات المعنية على توظيف زوجة الشهيد برادعية بمسمى وظيفة إدارية في وزارة التربية والتعليم، وخلال الأيام القادمة سيتم إنهاء ملفها، وتسليمها وظيفتها.
وأضاف الخطيب، "فيما يتعلق بالإبقاء على صرف راتب الشهيد من قبل وزارة التربية والتعليم فهذا شأن وزارة المالية والجهات المختصة في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تعنى بصرف مستحقات لأسر الشهداء والأسرى، ولا تمتلك الوزارة أي قرار لقطع أو إبقاء صرف الراتب من قبل وزارة التربية والتعليم".
يذكر أن أطفال الشهيد المحرومين من راتب والدهم متفوقين في دراستهم، وأن طفله مالك (10 أعوام) حصل على المرتبة الثانية على مدرسته، ودخل طفله تامر (7 سنوات) المدرسة مبكراً، نظراً لذكائه الذي ميزه عن أبناء جيله، بسبب النقاشات والأحاديث التي كانت تدور بينه وبين والده الشهيد.
الشهيد مصطفى برادعية (50 عامًا) كان يعمل مدرسًا في مدرسة بلدة بيت فجار بمحافظة بيت لحم، واستشهد متأثرا بجروح أصيب على مدخل مخيم العروب شمال الخليل، وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت النار على برادعية، على شارع الخليل - القدس مقابل مخيم العروب، عقب تنفيذ عملية طعن أدت لإصابة جنديين.