شبكة قدس الإخبارية

رسالة حماس للاحتلال.. هل بدأت الحرب الصامتة؟!

مصطفى البنا

لسنوات عديدة ظلّت سياسة الاغتيالات التي كانت تطال قيادات فصائل المقاومة سائدةً على وجه الصراع بين قطاع غزة والاحتلال الاسرائيلي، وتمكن الاحتلال من خلالها النيل من أَعلام القيادات الفلسطينية كالشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وغيرهما.

وبعد أسر حركة حماس للجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط ومن ثم سيطرتها الكاملة على قطاع غزة عام 2007 إبان أحداث الانقسام، عززت من قوتها العسكرية وفرضت منظومة أمنية جديدة، اتخذ الصراع على إثرها شكلًا جديدًا عُرف بـ"الحرب"، تستمر لأيام عديدة وتحصد في طريقها العشرات أو المئات من الشهداء والجرحى مع تدميرٍ للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات ثم ما تلبث أن تضع أوزارها باتفاقٍ أو هدنة ترعاها أطراف عربية أو اقليمية.

ولقد عاصرت غزة 3 حروب أولها كان في 2008، ثم في 2012 عقب اغتيال الرجل الثاني في كتائب القسام أحمد الجعبري، وآخرها في 2014 والتي كانت أكثر ضراوة حيث استمرت 51 يومًا حصدت معها أكثر من ألفي شهيد وخلفت دامرًا واسعًا جدًا في مختلف مناطق قطاع غزة، حتى أن القطاع لم يتعافَ من آثارها حتى اليوم، على الرغم من اقتراب ذكراها من العالم الثالث.

لكن الحدث الصادم الذي وقع ليلة السبت الماضي، حين اغتال مجهولون الأسير المحرر والمبعد إلى قطاع غزة مازن فقهاء ذو الثمانية والثلاثين عامًا من مدينة طوباس، ليرتقي شهيدًا بعد إطلاق 4 رصاصات صوب رأسه، مستخدمين بذلك أسلحةً كاتمة للصوت وفي وسط مدينة غزة التي تعتبر عقر دار المقاومة الفلسطينية، جاء بمعادلة "الحرب الصامتة" التي لا تحتاج إلى صخب الحروب وأصوات المدفعيات والطائرات الحربية أو هدير الصواريخ المنطلقة من غزة إلى الأراضي المحتلة، لكن الحاضر الأبرز فيها هو صراع الأدمغة وعمليات الرصد متناهية الدقّة، واستخدام أقصر الطرق وأكثر قدرة على إصابة الأهداف الحسّاسة للعدو وإيلامه بها.

فقهاء كان أحد 5 قادة عسكريين بارزين في حماس، وضعهم الاحتلال على قائمةٍ للاغتيالات بعد أن اتهمهم بقيادة العمل العسكري في الضفة الغربية، وهذا ما يعني أن الحاجة لدليل يؤكد تورطه في عملية الاغتيال أشبه بالحاجة لدليلٍ يثبت أن الشمس تشرق من الشرق!

وبدا واضحًا منذ اللحظة الأولى لاغتيال فقهاء أن قيادة حماس تمالكت نفسها وغضبها في الرد على هذا الاغتيال، وكان خيالها في التفكير بالرد أوسع ممن اعتقدوا بأن صواريخ كتائب القسام ستنهال على الأراضي المحتلة خلال ساعات، حتى أن تصريحات قيادتها خلت من عبارات التهديد بإمطار المستوطنات بصليات الصواريخ، بل كانت تتجه نحو الرد المناسب في المكان والزمان المناسبين بما تحدده القيادة العسكرية، مما جعل الغموض يسيطر كل التوقعات بطبيعة الرد الذي ستقوم به حماس.

الليلة الماضية، وعلى أحد اللوحات الكبيرة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، رفُعت يافطةٍ كبيرة الحجم تحمل صورة الشهيد فقهاء بزيّه العسكري يجاوره ملثمٌ يحمل مسدسًا ينطلق من فوهته النار، وتتوسطها عبارة تقول "الجزاء من جنس العمل" بنصٍ عبريٍ ثم عربي.

هذه الرسالة التي أرادت حماس إيصالها من خلال هذه اليافطة تبدو ذات وجهين، أحدهما يزيد الغموض غموضًا حول طبيعة الرد على عملية الاغتيال من حيث الآلية والهدف والزمان والمكان والذي سيجعل الاحتلال أكثر تخوفًا وارتباكًا، فمن الواضح أن حماس تفكر الآن بذات الطريقة التي فكّر فيها الاحتلال حين اختار طريقة الاغتيال الصامتة لتصفية فقهاء.

أم الوجه الآخر الذي قرأته في هذه الرسالة، أن الحركة لا تنوي التوجه نحو خيارٍ الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة مع الاحتلال، وربما لهذا الأمر معانٍ كثيرة ليس بعيدًا عنها نظرة حماس إلى المواجهة العسكرية كردٍ على الاغتيال على أنه في غير محله، وتجنيب القطاع حربًا جديدة قد يكون العائد عليه من خسائرها أكبر من جني ردٍ مشرف على اغتيال فقهاء.

ليس من السهل التنبؤ بما تفكر فيه حماس الآن، لكن من المؤكد أن الأيام المقبلة تحمل من المفاجآت ما يجعلنا نحبس أنفاسنا متأهبين لسماعٍ الكثير، فقد فتح الاحتلال بعملية الاغتيال هذه الباب أمام حرب المفاجئات الصامتة، لكنه لا يعلم ما الذي قد يأتِ به هذا الباب ضده أيضًا.