شبكة قدس الإخبارية

خديجة أبو عرقوب.. سبعينية في جبهات النضال

ساري جرادات

الخليل - خاص قدس الإخبارية: خاضت المرأة الفلسطينية إلى جانب الرجل في ساحات المقاومة والنضال شتى أشكال التصدي للاحتلال، وجادت بروحها وشاركت في إعداد كل ما يلزم لاستدامة درب التحرير، وجهزت أبناءها لمعارك الفداء ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وعلمت وربت وثابرت لتبقى فلسطين بعيون أبنائها راسخة من البحر إلى النهر.

في سفر التاريخ الفلسطيني هناك المئات من الفلسطينيات اللواتي تعرضن للاعتقال والإبعاد جراء الإرهاب المنظم التي تتبعه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق كل ما هو فلسطيني، وما زالت المرأة شعلة مقاومة وأيقونة في مواجهة آلة الحرب الاحتلالية التي تسعى لإبادة كل ما هو فلسطيني وطمس معالمه وهويته الوطنية.

خديجة أبو عرقوب (73 عاما)، عرفتها زنازين وسجون الخليل ونابلس وغزة وعسقلان والرملة ومحاكم الاحتلال، فمن الأسر إلى الإبعاد إلى المنع من السفر وفرض الإقامة الجبرية عليها، والاكتواء بنار الشبح والتعذيب مرات عديدة في سجون الاحتلال.

النشأة والعمل النضالي

ولدت المناضلة أبو عرقوب في دورا جنوب محافظة الخليل، وبالقرب من مخيم الفوار بدأت تتكون معالم حكايتها، فوالدها الذي تبرع بأرضه ليسكنها الناجون من مذبحة الدوايمة (1984) التي اقترفتها عصابات الحركة الصهيونية بحق شعبها كانت العامل الأول في إشعال فتيل مواجهتها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وقادت المناضلة خديجة كما تقول لـ"قدس الإخبارية" العديد من المظاهرات والمسيرات وتوزيع البيانات التعبوية في دورا ومخيم الفوار الذي تلقت فيه تعليمها الابتدائي، واشتركت بالعمل السري الخاص بحركة فتح، واعتقلت وتعرضت لأقسى صنوف التعذيب والتهديد بالقتل والاغتصاب وهدم منزلها، وردت عليهم "فش اشي عندي".

ألم تتعبي يا خديجة وتتركي لغيرك ليقدم ما عليه تجاه قضيته؟ ضحكت وقالت لمراسلنا "العمل النضالي راحة، فيه أجد سعادة من نوع آخر، ولا اعرف اليأس، وكل همي أن أعيد الأطفال المتسربين من المدارس لمقاعد دراستهم"، علما أنها أعادت طالبا من يطا وتخرج من جامعته قبل عامين.

وقامت خديجة قبل أيام بالتسجيل لتقديم امتحان الثانوية العامة، وقالت: سأطلب المساعدة من أبناء أقاربي لتدريسي مواد التكنولوجيا والرياضيات، أما باقي المواد فهي سهلة بالنسبة لي، وفي حال رسبت سأقوم بالإعادة مرة أخرى، إلى أن أخرج من هذه المرحلة بنجاح يمكنني من الدراسة في الجامعة".

واجب مقدس

عمدت قوات الاحتلال على اعتقال المناضلة خديجة قبل أيام من بدء امتحانات شهادة الثانوية العامة في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، الأمر الذي تعتبره واجباً مقدساً أن تنهي هذه المرحلة بنجاح انتقاماً من الاحتلال وانتصاراً لإرادة الفلسطيني الذي يتطلع للعلم والبناء، وخدمة قضيته وشعبه، على الرغم من تجاوزها العقد السابع من العمر.

قادت المناضلة خديجة أبو عرقوب أول مظاهرة طلابية ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأصبح أسمها يتردد ما بين أعوام (1963– 1965)، لتنامي نشاطها الطلابي في منظمة التحرير الفلسطينية، وعملها على توزيع البيانات الثقافية وحشد الطلاب للمظاهرات، لتنضم لاحقا لصفوف حركة فتح.

تعرضت للاعتقال عدة مرات، بداية من عام 1969 بسبب نشاطها السياسي، كما تم فرض الإقامة الجبرية عليها عام 1973 لمدة ثمانية أعوام، وقد تم نفيها إلى قطاع غزة عام 1975، لفترة من الزمن، ثم أعاد الاحتلال اعتقالها في ذات العام وأمضت في سجونه عاما كاملا في الاعتقال الإداري.

وفي إحدى المرات، قام محققو الشاباك بإدخال الأسيرة خديجة على والدتها الموجودة في أحد زنازينه، ونفت أن تكون تلك السيدة والدتها، فانهال المحققون عليها بالضرب حتى فقدت وعيها لساعات، ولم تستطع الوقوف على قدميها لمدة ثلاثة أيام من شدة الألم، وتنفست الحرية بعد ثلاثة شهور من اعتقالها الإداري.

تقصير رسمي

وتشكو المناضلة أبو عرقوب من القصور والتهميش الذي يتعرض له العديد من المقاومين والمناضلين الفلسطينيين من قبل الجهات الحكومية ودوائرها، ولا تعفي الفصائل والقوى على اختلاف مسمياتها من حالة التشرذم والتراجع للمصالح الوطنية في ظل انشغال العديد من القيادات في السعي تجاه مصالحهم الفردية.

وأضافت، "بعد خمسة عشر عاماً من وجود كتاب لي في مقر اتحاد الكتاب الفلسطينيين أبلغوني أنه فقد أثناء اجتياح الاحتلال لمدن الضفة في انتفاضة الأقصى الثانية، وبنفس العبارات أبلغتني وزارة الثقافة بعد ست شهور من وجود كتاب لي لديهم، فيما قامت هيئة شؤون الأسرى والمحررين بطباعة بعض مؤلفاتي".

وبينت لـ"قدس الإخبارية" أن أكثر ما يقلقها هو تراجع حرية الرأي والتعبير في المجتمع الفلسطيني بسبب الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وغياب الاهتمام الرسمي بالانتاجات الإبداعية والأدبية للأسرى، والعمل على نشرها وتوثيقها، وجعل مواد منها ضمن المنهاج الفلسطيني لطلبة المدارس والجامعات الفلسطينية.

وألَّفت المناضلة أبو عرقوب عددا من الكتب المتنوعة بين الأدب والشعر والنثر، ونشرت لها العديد من الصحف والمجلات الفلسطينية مؤلفاتها، وتسعى لطباعة كل مؤلفاتها للحفاظ على نضال وتضحيات من يجودون بزهرة أعمارهم حتى يرون فلسطين خالية من الاحتلال.

المناضلة خديجة التي تجوب كافة مدن الضفة الغربية المحتلة للمشاركة بالفعاليات الخاصة بالأسرى، وصفها إعلام الاحتلال بأم المخربين، بينما أطلق عليها الشهيد الأديب ماجد أبو شرار بالشمس التي أشرقت في الظلام، وحصلت على جائزة الشهيد غسان كنفاني عام 1997، ولقبت أيضا بشاعرة أبطال القيد والملحمة.

https://youtu.be/QUiE_69y89A