حرفة و "عجقة" جديدة في رام الله، تجتاح ال Facebook و أحاديث الناس، عرض الأزياء، ظننتُ بأنّها ستنتهي بعد العرض الأول، من شدّة التعليقات التي انهالت على العارضات اللاتي أجسامهن ممتلئة، و لم تبدُ أجسادهن كالعارضات الأجنبيات "جلدة ع عظمة"، إضافةً إلى الشتائم التي حظين بها ذوات الأجسام الجذابة من "قليلات شرف، فش عندهم أهل، مفكرين حالهم بأوروبا، إلى جهنم و بئس المصير".
لكن لم تنته العروض، و استمرّت الشتائم، و مقارنة حملة "ارفع البنطلون" في غزة، و اخلعه أصلاً في رام الله، و ما جلبته "سلطة أوسلو" إلى البلاد فحوّلتها إلى بلدةٍ أوروبية صغيرة.
و هناك من لم يصدّق عينيه "لفّ لفّ لفّ و داااار" ليجد شيئاً في الصور يثبت له عدم التقاطها في رام الله! فعلّق:
يا إخوان الصورة ليست في رام الله و إنما في " اسرائيل " ، انظروا رجل الأمن بجانب الستار عليه شعار نجمة داوود ، عيب هذا الكلام ، لا يليق بفلسطين ، اتاكدوا من الخبر و الصورة قبل نشرها ، و ربما كل منشوراتكم فيها تحريف، عيب عليكم
و اختلطت في التعليقات المؤامرة السياسية من السلطة في الضفة،و الاحتلال في زرع "الانحلال" في المرأة بالذات لأنها محرّك الثورة، و المؤامرة الاجتماعية على العادات و التقاليد، و المؤامرة الدينية على نعمة الإسلام و الاحتشام. و كثيرون هم من أرجعوا سبب تأخير النصر و التحرّر إلى عريّ سواعد هذه العارضة و إلى أفخاذ تلك، و طبعاً المؤامرة النسوية لم تستطع إلا أن تجد طريقها إلى التعليقات فتكرر السؤال:" هل حقاً يريدون حرية المرأة أم حرية الوصول إليها؟" لتكون هذه المرة التسعين التي أسمع فيها هذه الجملة.
سأستجمع قواي و أفتي:
العري ليس تحرراً، و ليس هو ما تطالب به المرأة من حقوق، و أكره وصف كل الفساتين في العرض بال"عري"، لأن الكثير منها كان راقياً و جميلاً، و غير مبتذل أبداً.
ثم إنّ الفتيات اللاتي يعرضن الفساتين، لسنَ من المرّيخ، و لا هبطت ثيابهنّ من مكوك فضائي، هذه فساتين تلبسها العديد من الفلسطينيات في مناسباتها الخاصة، و هناك فئة شئت أم أبيت في فلسطين، لا تجد أدنى مشكلة في ارتدائها.
أنا شخصياً، لا أجد محيطي العائلي و المجتمعي يسمح لي بارتداء هذه الفساتين أو المشاركة في عروض أزياء، و لا أجد في نفسي لا الموهبة ولا الرغبة في عرض الأزياء، فليس مظهري الخارجي ما أحبّ أن يمثلّني و يعبّر عني. لكن لا يحقّ لأي أحد أن يقلل من قيمة الفتيات، أو يصفهنّ بقليلات الشرف.
هناك أولويات حقيقية في المجتمع الفلسطيني أكثر أهمية من "أسبوع الموضة". و لكن ما زلتُ أتساءل لماذا يلبس الفلسطيني الحالة للذي أمامه في كلّ الأحوال إلّا عندما يجب أن يفعل شيئاً من أجله، يعني:
افترض المتديّن مثلاً أنّ الفتيات مسلمات بامتياز، و قد فضّلن الفساتين القصيرة على الحجاب! فاستاء.
و افترض المحافظ أنّ الفتيات يتمرّدن على مجتمعهنّ! فاستاء.
ألم يفكّر مثلاً أنّ الفتاة لعلّها تعيش في دائرة اجتماعية مختلفة تماماً عنه، أو لا تؤمن بعقائده؟
و عندما تنعتها يا سيدي يا شريف الشرفاء بقليلة الشرف، ماذا أضفتَ لها؟ و ماذا أضفتَ لنفسك؟ صدّقني صوّرت نفسك بالغبي المندفع نحو الأحكام السطحية فقط.
ما يؤسفني حقاً، أنّني قبل أيام عرضتُ موضوع "المسلمين في الإعلام الغربي"، و قد دافعتُ بكلّ جوارحي عن الفتاة المحجّبة أو المنقّبة و كيف يجعلونها تبدو مضطهدة و جاهلة في الإعلام، عوضاً عن وصف لباسها بال"حرية الشخصية"، تلك التي يدّعي الغرب تمجيدها...
و الآن أصادف العكس تماماً!
يا أخي رام الله فيها ألف فئة و فئة، أشعر بأنّ هناك عوالم مختلفة، كلّ فئة على ما تربّت، احترموا بعضكم! ما أسهل نزع الشرف في هذه البلاد.
و عزيزي منظّم عروض الأزياء هذه، جد وسطاً حسابياً لطول الملابس التي ترتديها الفلسطينيات، و عليها قِس و اختر الملابس التي تعرضها، مش ناقصنا وجع راس.
و أوافق أنّ الاهتمام البالغ بموضوع كهذا، و اجتماع العديد العديد من الفلسطينيين على النقاش فيه لا يطمئن بالنسبة لطريق التحرير.