شبكة قدس الإخبارية

"الحلقوم".. صناعة مستمرة في الخليل رغم التضييقات

هيئة التحرير

ابتهال الرجوب ومرام سرابتة

من بين ثنايا جدران البلدة القديمة ومن بين الممرات الضيقة والحارات العتيقة تفوح رائحة حلوى الحرم الابراهيمي كما اتفق محبوها هنا على تسميتها. رائحة تسافر بك إلى الماضي والحاضر وحتى المستقبل، وطعم يستلذ به الكثيرون ولا سيما ذاك اللون الأبيض الذي يفترش حباتها وكأنها ثلج ابيض ارتدته الأرض ثوبا جميلا ليجبرك على أن تقبل عليها، وتتذوق ذاك الطعم الذي يأخذك إلى عوالم الأصالة والعراقة.

ففي كل صباح وبهمة جبارة تنافس خيوط الشمس الذهبية المتسللة من وراء الأفق، يستيقظ الحاج عبد المعز سدر – أبو العلاء - (60) عاما من مدينة الخليل منطلقا إلى مهنته التي يعتبرها وساما تقلده لأكثر من خمسة عقود متتابعة.

يقلب أبو العلاء بأنامله التي سطرت في صفحات تاريخ الحلويات الفلسطينية عجينة الحلقوم ليروي تلك الحكاية الطويلة قائلاً: "جاءت فكرة المعمل من جذور قديمة ترجع لمئات السنين حيث أخذت المهنة واحترفتها فيما بعد من أجدادي وأنا اعمل فيها مذ أكثر من 55سنة ولا زلت".

يضيف أبو العلاء: "كانت عملية التصنيع يدوية في الخمسينات وانتقلت مراحل تصنيع الحلقوم باستخدام المحروقات ابتداء من الحطب حتى الكاز، فالغاز، ووصولا للبخار".

ويستكمل أبو العلاء وهو يمضغ بين فكيه تلك الحلوى محدثاً إياناً عن مكوناتها: "يصنع الحلقوم من مكونات بسيطة ومتوافرة وهي: الماء والنشا والسكر، بالإضافة إلى العطور الطبيعية والأصباغ. أما مدة الطبخ تمتد من 5-7 ساعات حسب كمية المواد ودرجة الحرارة وذلك لأنها طبيعية تأخذ وقتاً طويلاً حتى تنضج".

امتدت شهرة الحلقوم الخليلي حتى وصلت الآفاق، إلى السعودية والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية والأردن وفرنسا وغيرها، فأصبح الزوار يأخذونها كهدية او تذكار من الأرض المقدسة.

كما ويقول أبو العلاء: "جاءتني فرص وعروضات مغرية وكبيرة من بلاد مختلفة وبأجور زهيدة حتى انقل معملي إلى بلادهم ولو ذهبت لأصبحت أملك المليارات، ولكن أنا لا أتخلى عن وطني الأم، فنحن في منطقة مستهدفة وأنا لست بحاجة للأموال، وبعد شهرين من العرض قام مستوطنون بحرق معملي في التسعينات ولم يسمحوا لطواقم الدفاع المدني بالدخول لإخماد الحريق وما زالت الآثار حتى هذا اليوم وأنا بنفسي قمت بتنظيف المكان وذلك بسبب تقرير كتبه صحفي يعمل بجريدة القدس قال فيها: (لا يمكن إغلاق هذا المعمل فهو إطلالة للحرم الإبراهيمي ولا يمكن الاستغناء عنه).

وبطبيعة الحال فإن التصييقات الإسرائيلية تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية في الخليل. يقول أبو العلاء: "نحن في المنطقة نواجه عدة مشاكل سياسية واقتصادية ونفسية مشيرا إلى انه في ذات المرات قام الجيش بمنع الزوار من الوصول لمعمل الحلقوم والشراء منه ظنا منهم أن أقوم بإغلاقه.ولن افقد الأمل أبدا".

 ويبقى أولاد أبو العلاء سندا وعونا له في هذه المهنة، فبعد عمر طويل قضاها في هذه المهنة حتى شاب وهرم ,جاء أولاده ليرثوها كما ورثها الأب،,فإلى جانب هذا المعمل يوجد معمل آخر يديره فلذات كبده وهو مجاور لبيته. يقول أبناؤه مجمعين على قول واحد :"صناعة الحلقوم  ممتع بالإضافة إلى سهولته،ونحن سعداء جدا بهذا العمل".

 halqoum

إذن هي البلدة القديمة التي توشحت بالأصالة والعراقة. ومعمل للحلقوم كان ولا يزال سلاحا، لا يطلق القنابل ولا يلقي بالحجارة على احتلال متمركز في تلك المدينة، وإنما يفعل ما لا تفعله تلك، فبقاؤه صامداً داخل البلدة هو أكبر تحد للاحتلال على الرغم من محاولاته المتكررة لفنيه عن الأرض و كما يقول أبو العلاء بكلماته وصوته "الوطن يا بنتي ما بنباع.. ما في أغلى من الوطن .. وسأظل مكاني".