شبكة قدس الإخبارية

كيف تجهّز الفدائيون لحصد الجنود بتفجير حقيبة TNT؟

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: أين ذهب الحزام الناسف الذي دفنه شادي الكحلوت في الطريق إلى بيت ليد، هل كان هو نفسه الحزام الذي كان عائدا لاستخدامه يوم استشهد في 4 شباط 2001، ليكمل ما بدأه منذ ست سنوات، أم أن ذلك الحزام بقي في الارض وصار شجرة زيتون. لن نعرف أبدا، ولن نعرف أي نوع من المشاعر انتابت شادي ابن نعليا اللاجئ في غزة، وقد تأخر عن موعد حصاد الجنود، كيف استقبل أخبار رفيقيه وهما يضغطان زري التفجير في حقيبتي الـ TNT ؟

على مسافة من هذا وبالتوازي مع مصير الاستشهادي المجهول، يدخل نضال البرعي ابن مخيم جباليا هذه الأيام عامه الواحد والعشرين في السجن من أصل ثلاثين عاما نطق بها القاضي العسكري الصهيوني الغاضب الذي كان ما يزال هو ودولته يتفجعان على الجنود المجندلين في مفترق هشارون وتهمة نضال كانت التخطيط للهجوم في بيت ليد.

كان أبو الحسن، محمود الزطمة مهندس العمليات الاستشهادية في "قسم" الاسم السابق للجناح العسكري للجهاد الاسلامي، وابن العائلة اللاجئة من يبنا إلى مخيم رفح (استشهد في الرابعة عصر العاشر من أبريل عام 2003 بعد استهداف سيارته بثلاث صواريخ من طائرة صهيونية بينما كان يقود سيارته بالقرب من ميدان الشهيد رامي عيسى في حي الشيخ رضوان) أحضر المخططات العسكرية لمفترق بيت ليد-هشارون، ووضعها أمام القيادة العسكرية والسياسية لتصادق على التنفيذ.

وإطلاق أول عملية استشهادية مزدوجة (كان يفترض أن تكون خماسية ينطلق خمس استشهاديين نحو خمسة أهداف ثم استقر أن تكون ثلاثية وانتهت بمزدوجة ) تنفذها سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، عندما صودق على الخطة كان أبو الحسن وقيادته ومساعديه يعرفون تماما معنى تنفيذ هذا الهجوم الفدائي، وحجم التعقيدات المرافقة، ومدى تأثيرها على العدو.

مفترق بيت ليد-هشارون يحتل موقعًا مركزيًا في الخريطة الاقتصادية والعسكرية الصهيونية فهو ممر مركزي واستراتيجي بين مناطق غوش دان (تل أبيب الكبرى) وشمال فلسطين، كما أنه الأكثر ازدحامًا حيث يعبره ثمانين ألف سيارة يوميًا في المتوسط، وهو مركز تجمع وانطلاق رئيسية للجنود في طريقهم إلى كتائبهم وثكناتهم وبالعكس في طريقهم إلى إجازاتهم. كما أنه لا يبعد أكثر من ثلاثين مترًا عن سجن "كفاريونا".

حتى الآن، لم تكن هوية الاستشهاديين قد اتضحت بعد، وبعد الفحص والتدقيق استقر الرأي على ثلاث فدائيين مجربين، مستعدين للتضحية وجاهزين للاستشهاد، كانت الخطة أن تعبر المجموعات المساندة بالفدائيين كل على انفراد وتسليمهم لمجموعة القدس، التي ستوصلهم لمجموعة شمال الضفة المعنية بوضعهم في مركز التنفيذ، عملية معقدة وطويلة تمثل نموذجًا حيًا للتكامل والتواصل الميداني.

تجهّز الفدائيون الثلاثة، ارتدوا ملابس الجنود، وعلى ظهر كل منهم حقيبة من تلك التي يحملها الجنود، عبئت كل منها بعشرة كيلوغرامات من الـTNT شديدة الانفجار.

تم اختيار يوم الأحد 22 كانون الثاني 1995، لأنه يكون مزدحما بالجنود، مئات الجنود يتوجهون إلى ثكناتهم ومعسكراتهم أو اجازاتهم.

يومها تقدم الفدائيان لحصد الجنود وزراعة الزيتون في بيت ليد، تعذر وصول شادي لأسباب لوجستية، ودفن حزامه الناسف في ذلك التراب ربما للأبد، وكان الموعد معهما.

صلاح عبد الحميد شاكر محمد 27 عامًا، ابن قرية بشيت اللاجئ في مخيم يبنا في رفح، الفنان التشكيلي والخطاط، حامل دبلوم العلاج الطبيعي، الشاهد على مجزرة الأقصى قبلها بخمس سنوات، حيث كان ضمن طواقم الإسعاف، المعتقل السابق والمصاب سبع مرات في الانتفاضة، ورفيق سلاحه أنور محمد عطية سكر، 25 عامًا، نجار الموبيليا اللاجئ من قرية بيت جرجا من سكان حي الشجاعية، الذي قضى 11 شهرًا في سجون الاحتلال واعتقلته سلطة الحكم الذاتي مرتين.

على حدا، تقدم الفدائيان في مفترق بيت ليد-هشارون، ضاعا وسط الجنود المستعدين لمواصلة الاحتلال والقمع والقتل والتهجير، على مقربة قتل حاجز بيت ليد الكثيرين، ونكل وقمع بالكثيرين، وكأن استهداف ما بعد الحاجز، رسالة واضحة، وحازمة وصريحة، أن لا جدار يمنع العصفور من معانقة أرضه، في عمق الحاجز، في عمق دولة إسرائيل الغاصبة كان الهجوم.

دخل أنور إلى الكافتيريا التي تغص بالجنود، وفي تمام التاسعة وعشرين دقيقة أطلق زناد التفجير، فدب الرعب وتحول المكان إلى ركام، وتصايح الجنود وتدافعوا، رعبا وتساؤلا، ومحاولة يائسة للنجاة، في هذه الفوضى كان صلاح يخترق الجموع الهائجة ويفجر نفسه بعد ثلاث دقائق بالضبط في وسطها، لتحال المنطقة وعلى مساحة مائتي متر إلى بقايا مسرح حرب شرسة مفتتة.

تناثرت جثث الجنود في الأرجاء، حافلة عسكرية احترقت بالكامل، سيارات اشتعلت بها النيران، زجاج سجن كفار يونا صرعته صدمة الانفجار، جنود يبكون، وتنخلع قلوبهم رعبا، هم أنفسهم كانوا في طريقهم لقمع شعبنا وقتله. وقتل منهم على الفور 22 جنديا وضابطا، فيما التحق بهم 4 كانوا مصابين بجراح خطيرة، آخرهم بعد عشر سنوات من العملية وجرح تسعة وسبعون آخرين ستظل علامة بيت ليد على أجسادهم ونفوسهم إلى الموت.

في وداع الشهيدين قالت أم الشهيد صلاح، "صلاح استشهد الله يرحمه وسلامة أخوته، وشباب فلسطين مطرحه"، "يا صلاح شاكر يا أسمر يا حبيبي، فجرت القنابل في بيت ليد"، "يا أنور سكر يا أنور سكر، فجرت القنابل بين العسكر، ولا تحسبونا من حمل القنابل كلينا، حملنا القنابل وفجرنا القنابل ونطقنا الله أكبر، وعلى النبي صلينا، وعوض الله علينا".

المصدر : بوابة الهدف / الكاتب : أحمد جابر