غزّة- قُدس الإخبارية: على بُعد أمتار قليلة في عمق مياه البحر قبالة شاطئ مدينة غزة، تكمن أكثر القصص غرابة لسفينة "باكستانية" غرقت بعد انقسامها لنصفين في عرض البحر، ودفنت معها أسرارها، لتبقى من القصص الغامضة والمثيرة التي تحوم حولها تساؤلات كثيرة.
السفينة الباكستانية التي يطلق عليها اسم "ساتيا"، تعد من أبرز المعالم الموجودة قبالة شاطئ مدينة غزة، ولم يتبقّ من جسدها الغارق سوى بضعة سنتيمترات ظاهرة، لتروي من خلالها عبق تاريخ من تناوبوا على احتلال غزة، ويكشف كذلك كرم الفلسطينيين في التعامل مع ضحايا تلك السفينة.
تقرر فتح هذا الملف "الغامض" ليكشف من خلاله خبايا قصة سفينة "ساتيا" الغريبة والمثيرة للفضول، ومحاولة البحث عن أسباب مقتل كل من يصعد على السفينة من الفلسطينيين بعد غرقها.
أصل حكاية "ساتيا"
لمعرفة أصل حكاية السفينة الباكستانية وتفاصيلها، لن يكون قادراً على نقل الحقيقة كاملةً إلا من كان شاهداً على غرقها وشارك في عمليات إنقاذ ركابها، قبل موتهم.
وفي سعينا للوصول لأصل الحكاية والبحث عن تفاصيلها، التقى مراسل" الخليج أونلاين" بالحاج أبو محمد البياري (77 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ليُعيدنا بتفاصيل روايته الشائقة لمرحلة السبعينات التي شهدت غرق السفينة.
ويقول البياري: "قبل 40 عاماً تقريباً كان شاطئ مدينة غزة، وخاصة منطقة معسكر الشاطئ، تشهد حركة كبيرة للغاية لتنقل السفن من الدول العربية والأوروبية وإسرائيل، وكنا نجلس على أبواب بيوتنا ونشاهد عشرات السفن تسير بشكل طبيعي على مسافة قريبة من الشاطئ".
ويضيف الحاج، "في أحد الأيام شديدة البرودة والرياح قوية على غير العادة، وشهدت تلاطم الأمواج بشكل كبير ومخيف، سمعنا من بعض السكان عن غرق سفينة قبالة شواطئ غزة بعد اصطدامها بصخرة كبيرة وانقسامها لنصفين؛ بسبب الرياح الشديدة وعدم قدرة ربان السفينة على تجاوز الصخور".
ويتابع، "فور سماعنا ذلك الخبر توجه مئات الفلسطينيين من سكان المخيم إلى شاطئ البحر؛ فمنهم من جاء ليشاهد غرق السفينة ويشهد أكبر الأحداث وأكثرها غرابة في غزة، ومنهم من رفض هذا الدور وقرر أن يشارك في عملية إنقاذ ركاب السفينة قبل غرقها في البحر".
كشف كرم أهل غزة وشجاعتهم
ويضيف الحاج البياري، الذي شارك في عملية إنقاذ ركاب السفينة "ساتيا"، "بدأ العشرات من الفلسطينيين بالسباحة نحو السفينة الغارقة؛ فهناك من نجح بالوصول والصعود، ومنهم من مات وغرق بشكل غامض دون معرفة الأسباب قبل وصوله للسفينة".
وبعد توقفه عن الحديث قليلاً وكأن تفاصيل الحادثة أعادت له من جديد مرارة ذلك اليوم الذي لا يُنسى وقسوته، يضيف: "في عملية إنقاذ ركاب السفينة مات عدد من الفلسطينيين على الفور، واتضح بعد ذلك أن السفينة كانت تنقل مواد بناء "إسمنت"؛ ممّا أدى لدخوله في أعين من حاولوا إنقاذ الركاب وغرقوا على الفور".
ويقول، "السفينة الباكستانية كانت تنقل مواد البناء إلى الأراضي المحتلة لتحصين وبناء خط "بارليف"، الذي كان الاحتلال يُنشئه على الضفة الشرقية لقناة السويس المصرية، ورغم كل ذلك إلا أن الفلسطينيين تمكنوا من إنقاذ أكثر من 50 راكباً قبل غرقهم".
وبابتسامة خفيفة علت وجه الحاج البياري بصورة مفاجئة، قال: "كان يوماً شاقاً وصعباً للغاية ولا يُنسى أبداً، ولكننا بعد ساعات طويلة نجحنا في إنقاذ كثير من الركاب وأوصلناهم للشاطئ، واحتفلنا بهم في غزة، وأسكناهم أكثر من 5 أيام داخل بيوتنا قبل أن ينتقلوا لدولهم".
وبعد سرد تفاصيل أصل حكاية السفينة الباكستانية الغارقة والإجابة عن بعض التساؤلات التي طرحت حول تلك الحادثة، تحدث الحاج البياري عن أمر غريب في السفينة؛ وهو مقتل العشرات من الفلسطينيين بعد صعودهم السفينة وغرقهم على الفور.
وعن سبب ذلك قال، "لا نعلم شيئاً؛ وقد تكون تلك الحوادث جاءت لسوء تصرف الناس في الصعود على ظهر السفينة، أو لسبب نجهله جميعاً"، ليبقى ذلك لغزاً جديداً لا تزال سفينة "ساتيا" تخفيه معها في عمق البحر.
المصدر: الخليج أونلاين