"جهز حالك على السريع.. موعدنا الساعة 7 على الدوار، جيب السلاح وكثر من الرصاص، راح نحرقهم، راح نولعها، مش راح أخلي ولا رصاصة عندي إلا واضربها .. كله لعيون فلسطين" ... هذا ما قاله رامي لصديقه حسام خلال اتصال هاتفي خاطف، ما هي إلا دقائق قليلة حتى سمع أهل المدينة أزيز الرصاص ينطلق في السماء ليكسر حاجز الصمت، ويعيد المدينة إلى ذكريات الانتفاضة وعمليات المقاومة ضد الاحتلال.
ركض خليل سريعاً نحو هاتفه واتصل بصديقه مأمون ليسأله" الووو .. مأمون سمعت صوت الرصاص .. شو في بالبلد ؟!!"، قبل أن يجيب مأمون، تابع خليل كلامه:" معقول في اشتباك مع دوريات الاحتلال اللي اقتحمت المدينة"، التقط مأمون أنفاسه وأجاب :" شكلك بتحلم، روح كمل نومتك ما في اشتباكات واليهود انسحبوا من المدينة وما حدا قرب عليهم ، وافتح الراديو لتسمع نتائج الانتخابات في الجامعة وتعرف سبب الطخ" - تبين لاحقاً لخليل أن صوت الرصاص الكثيف لم يكن إلا عبارة عن جزء من الاحتفالات التي قام بها أنصار حركة فتح بعد المسيرة التي خرجت من الجامعة تعبيراً عن فرحهم وفوزهم الكاسح في انتخابات مجلس الطلبة-.
نعم أصبح الرصاص يطلق في الهواء وأصبح السلاح يستخدم للاحتفالات والتعبير عن الفرح في المناسبات، لم يقتحم الاحتلال المدينة بعد سماعه لصوت الرصاص لاعتقال المطلقين ولن تكون هناك ملاحقة لهم من قبل الاحتلال، وكذلك لم تحاول الأجهزة الأمنية الفلسطينية ملاحقة الفاعلين ولم تأخذ القضية حجماً كبيراً لدى الأجهزة واكتفى ذلك الضابط بالقول..."خليهم يحتفلوا بالفوز، بطلعلهم يعملو اللي بدهم اياه".
[caption id="" align="aligncenter" width="461"] جانب من الاحتفالات بفوز الشبيبة في جامعة النجاح[/caption]لا مشكلة من ظهور الملثمين وهم يحملون السلاح في الشارع ويطلقون رصاصاتهم في الهواء ولا حديث هنا عن الانفلات الأمني، ولن يستطيع أحد من قيادات السلطة أو الأجهزة الأمنية رفض الظاهرة واستنكارها، ولن نسمع الضميري يخرج ليدعو إلى تطبيق القانون واجتثاث السلاح غير الشرعي، ولن يكون هناك مبرر لقيام الأجهزة الأمنية بحملة اعتقال وملاحقة لكوادر شهداء الأقصى والزج بهم في سجون الظاهرية والجنيد للتحقيق معهم حول السلاح كما حدث في مخيم جنين، إذ أن من يقوم بإطلاق النار معروف لدى الأجهزة الأمنية ويحظى بموافقة ومباركة منها إن لم يكن أحد عناصرها.
لا يعلم من يطلق الرصاص في الهواء أن تلك الرصاصات تحتاجها فلسطين كي تكمل التحرير وتواصل النضال ضد الاحتلال، وتنتقم لدماء الشهداء؛ دماء الشهيد عرفات جرادات ودماء الشهيد ميسرة أبو حمدية اولئك العظام الذين استشهدوا في السجون ولم تخرج أي رصاصة في وجه الاحتلال لتنتقم لهم، فالبعض ينسى أو يتعمد نسيان أن "فلسطين تحت الاحتلال" وأن معركتنا الطويلة للتحرير ما زالت قائمة.
لن نجد إجابة حول اختفاء هذا السلاح من أمام دوريات الاحتلال التي تقتحم مدن الضفة صباح مساء، ولن نجد إجابة حول سماح السلطة لهذا السلاح دوناً عن غيره بالتواجد في الشارع وعدم ملاحقة حامليه كما حدث ويحدث مع سلاح المقاومة، لا أدري كيف يمكن لذلك الملثم أن يشاهد جنود الاحتلال يسرحون ويمرحون في أرجاء مدينته وقريته وبلدته، وهو يملك السلاح والرصاص، لكنه لا يوجهها لهم وإنما يكتفي بإطلاقها في الهواء بالمناسبات.
نجح الاحتلال في تحويل بوصلة السلاح من صدور العدو إلى مظهر احتفالي فارغ المضمون، فلم يعد السلاح يؤرقه أو مصدر إزعاج له، بل تحولت بوصلته للمهرجانات والاحتفالات، سيخرج البعض بتبريرات كثيرة لا حصر لها حول هذه الظاهرة وستحمر وجوه آخرين وهم يستذكرون بكل حرارة تاريخهم ونضالهم ومسيرتهم الثورية، ولكنهم بكل تأكيد لن يتطرقوا لحاضرهم ولا إلى مشروعهم الحالي، لن يجرؤ أحد بالاعتراف بالحقيقة الصعبة وهي أن "اتفاقية أوسلو .. حولت سلاح الثورة إلى سلاح للاحتفال لا يوجه للاحتلال".
من حق الجميع الاحتفال والفرح بما حققه وأنجزه ولا ننكر عليهم ذلك، ولكن السلاح الذي لا يحمي أبناء الشعب الفلسطيني ولا يستخدم ضد العدو، ليس سلاحاً وطنياً ولا يمثل حركة فتح أو أي فصيل من الفصائل الفلسطينة التي خاضت الثورات تلو الثورات، ولمن رفع شعار المقاومة في انتخاباته، فإن إطلاق الرصاص بالهواء على الدوار في نابلس أو الخليل أو رام الله ليس واحداً من فصول المقاومة بكل تأكيد، ولمن لا يزال يتغنى بأنه أطلق أول رصاصة نقول له "إذا كانت المقاومة ما تزال خيارك فاحمل سلاحك وتوجه نحو حواجز ومستوطنات الاحتلال ولا تطلقه بالهواء".