شبكة قدس الإخبارية

نُفذ القرار.. "محرقة كتاب فقوعة"

٢١٣

 

هيئة التحرير
جنين - قدس الإخبارية: "سأحرق كتابي بنفسي ولا مجال للتراجع إلا إن حدث معي مثلما حدث مع سيدنا إبراهيم في ذبحه لابنه، أنا بانتظار معجزة تنقذ الكتاب قبل يوم الاثنين القادم" بهذه الكلمات بدأ الباحث مفيد جلغوم حديثه حول كتابه الذي سبب مشاكل اجتماعية بين سكان قرية فقوعة الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة جنين وصلت إلى تهديد الكاتب في القتل. 15086812_1365039336839825_554798809_n اليوم السبت نفذ الباحث مفيد جلغوم نيته المضمرة بحرق الكتاب، وجاء ذلك بعدما كان مقررًا أن تتم المحرقة بعد غد الإثنين، إلا أن محافظ جنين، أختار اليوم موعدًا لذلك، حسبما أفاد جلغوم لـ "قدس الإخبارية". 15128583_10212186919854508_264019496_n كتاب "فقوعة" الذي احتاج 4 سنوات من العمل المتواصل والبحث الجاد في جميع الكتب والمصادر عن كل ما يتعلق بالقرية منذ العصر البرونزي وحتى العام الماضي، يتحدث فيه جلغوم عن فقوعة في خمسة أبواب، الطبيعة الجغرافية للقرية، الحياة الاجتماعية، ثم ينتقل لتاريخ القرية واقتصادها كما تحدث عن العائلات والشخصيات المهمة التي زارت القرية، "كنت أبحث عن كلمة فقوعة في الكتب والمراجع مثل من يبحث عن ابرة في كوم قش"، يقول جلغوم. وعن السبب الرئيسي الذي دفع جلغوم لحرق الكتاب، يقول إن ردود أفعال بعض الناس تجاه الكتاب كانت صادمة، حيث وصل الأمر إلى إصدار بيان يتبرأ فيه أهالي القرية من الكتاب، "معظم من اعترضوا لم يقرئوا الكتاب حتى الآن بل اعتمدوا على الاشاعات وتناقل الأحداث، لكن ما سأفعله فقط من أجل الحفاظ على العلاقة الطيبة مع أهالي فقوعة"، يتابع جلغوم حديثه لـ "قدس الإخبارية". 15128517_10212188710699278_1521579612_n 15134326_10212186922894584_168201173_n 15151564_10212186925694654_966502948_n ويبين جلغوم أنه تواصل مع بعض الجمعيات التي وقعت على بيان البراءة من الكتاب وأخبروه أنه طُلب منهم التوقيع من أجل حل المشكلة، متسائلا عن علاقة الجمعيات التي وقعت مثل "مربي الأغنام في قرية فقوعة" و"جمعية معاقين فقوعة" و"مركز نسوي فقوعة" بالثقافة حيث أن عملها بعيد كل البعد عن إصدار الكتب وطباعتها والتدقيق فيها. اللافت في الموضوع أن من يطالب بإتلاف الكتاب اليوم هم نفس الأشخاص الذين دعموه قبل النشر، حيث أشار الكاتب إلى أنه سلم نسخة أولية قبل الطباعة إلى مجلس قروي فقوعة من أجل قراءته والإطلاع عليه ولم يتم نشره إلا بعد موافقة المجلس، وتبين لاحقا أن المجلس لم يقرأ الكتاب إلا بعد ورود بعض الاعتراضات عليه، حسبما أفاد جلغوم لـ "قدس الإخبارية". وعندما زارت "قدس الإخبارية" القرية وسألت عثمان عباس أحد السكان حول أسباب اعتراض الناس على الكتاب قال، "الكتاب به الكثير من النقاط الإيجابية بينما نقاط الخلاف لا تتعدى 10% من حجمه، حيث اعترض الكثير من الناس على الكتاب لأنه كان يروّج لعائلة على حساب عائلات أخرى، فالشخص الذي يقرأ الكتاب، يرى أن الكتاب يقول أن كل عائلات القرية جاءت من أصل وعائلة معينة جاءت من أصل آخر وهذا ما سبب الخلاف". وأضاف، أن الكاتب وثق تاريخ العائلات معتمدا على الرواية الشفوية من خلال حديثه مع شخص أو شخصين، ولم يتأكد من كلامهم أو يبحث بشكل جدي وهذا ما سبب له هذه المشكلة، مشيرا إلى أن هذه المشكلة كان من الممكن حلها في الطبعة الثانية أو قبل نشر الكتاب عندما قدم الكاتب نسخة أولية للمجلس القروي. كما علق أحد سكان القرية - الذي رفض ذكر اسمه - أن الكاتب تطرق لمواضيع حساسة في كتابه من الممكن أن تلحق ضررا نفسيا واجتماعيا ببعض الأشخاص أو العائلات، كما تدخل في قضايا سياسية كبيرة يسعى أصحابها جاهدين إلى تجاوزها، مؤكدا على أن الكاتب بجل عائلته على حساب العائلات الأخرى. ما رأي الجانب الرسمي عن الكتاب؟ من جانبه قام محافظ محافظة جنين إبراهيم رمضان بإصدار قرار بجمع وإتلاف جميع النسخ من كتاب "فقوعة" لما به من مغالطات عن العائلات في فقوعة مما يعرض السلم الأهلي للخطر، كما واعتبر رمضان حديث جلغوم عن الجيش الأردني يهدد العلاقة الأخوية بين فلسطين والمملكة الهاشمية، حيث يروي الكاتب على لسان أحد شهود العيان من أهالي القرية أن "جنود الجيش الأردني انسحبوا من البلاد عام 1967 مرتديين ملابس نسائية". المحافظ ما لبث أن تراجع عن ذلك بقرار آخر وهو تشكيل لجنة من مجموعة من الأساتذة الجامعيين لقراءة الكتاب والتحقيق فيه، إلا أن الكاتب أكد لـ "قدس الإخبارية" أن المحافظ عاود العدول عن تشكيل اللجنة وقرر اتلاف الكتاب اليوم السبت، فأقام الكاتب المحرقة على أراضي قريته. 15058559_1146633145392579_1805588582_n الانتقادات لاحقت الكاتب من أرض الواقع ووصلت إلى صفحات التواصل الاجتماعي حيث أنشئ أشخاص غير معروفين صفحة تحت مسمى "أحرار فقوعة"  نددوا فيها بالكتاب وصاحبه، متهمين الكاتب بالكذب وبأن كل ما جاء في كتابه الذي كان يجب أن يسمى "جلغوميات"، "خزعبلات وترهات ومهزلة". وعلق جلغوم على هذه الاتهامات بأنها باطلة، ومن يقول هذا الكلام عنده مشكلة وحساسية تجاه كلمة "جلغوم"، مضيفا أن عائلة جلغوم ظهرت في قسم واحد من أقسام الكتاب الخمسة مثلما ظهرت العديد من العائلات في أقسام أخرى، "عندما تحدثت عن الأسيرات في فقوعة مثلا ظهر اسم جلغوم لأنه لا يوجد أسيرات إلا من العائلة، ولم أقصد أن أقزم عائلة وأرفع من قيمة عائلتي كل اسم كان في مكانه الحقيقي"، وفقًا لرواية الكاتب. وقال أستاذ التاريخ المتقاعد محمود أبو فرحة الذي قام بمراجعة الجزء التاريخي من الكتاب قبل نشره، "أنا قلت له ولأهل البلدة أول مرة يطبع كتاب يتحدث عن القرية وهذا شيء مهم، وهذا العمل اجتهاد شخصي من الكاتب، ومن الطبيعي أن يكون هناك أخطاء مطبعية وعلمية، فكل المعلومات الموجودة في الكتاب قابلة للمراجعة والتمحيص والتدقيق وأي شخص لديه ملاحظات عن هذه الطبعة يستطيع أن يقدمها له لأخذها بعين الاعتبار في الطبعات الأخرى". وعند سؤال "قدس الإخبارية" لأبو فرحة إن كان نبه الكاتب جلغوم، قبل النشر حول هذه الأخطاء، فأجاب "الكاتب توسع في بعض المواضيع لم يكن يجب عليه التوسع بها، واختصر مواضيع أخرى بطريقة لفتت انتباه الناس مثل قسم العائلات التي كان ذكرها دون تفصيل يكفي ويبعد الكاتب عن المشاكل". بينما يحمل جلغوم جزءا من المسؤولية على وزارة الثقافة التي لم تتحرك إلى الآن لايجاد حل، ويرى أنه يجب على الوزارة التدخل لحماية المؤلفين والباحثين في مثل هذه القضايا ويرى أن تدخل الوزارة هو الحل الوحيد المتبقي لإنقاذ الكتاب من الحرق والإتلاف. وعن دور وزارة الثقافة في هذا الموضوع قال مدير مديرية وزارة الثقافة في جنين عزت أبو الرب لـ "قدس الإخبارية"، "الكتاب أشرف على طباعته المجلس البلدي والمجتمع المحلي، ووضعت قضيته عند المحافظة ولم يتم التوجه لنا، وبشكل عام الوفاق المحلي هو أساس الابداع والثقافة" مضيفا أنه وبرغم أهمية هذا الكتاب أو غيره إن نتج عنه أي اخلال في النسيج الاجتماعي يجب أن نتوقف، لأن المصلحة المجتمعية والعلاقات الاجتماعية هي الأساس. وعن الحل المنصف لهذه القضية يقول أبو الرب، إنه يتمنى أن يتعامل مع المسألة بناءً على قاعدة الوفاق المحلي وقاعدة خدمة الابداع والأخذ بيد المبدعين والتسامي عن الخلافات الداخلية. واختتم جلغوم حديثه قائلا إن عملية إحراق كتابه تحمل رسالتين، واحدة يوجهها لأهل قريته، ليقول لهم أن العلاقات الاجتماعية تهمه أكثر من الكتب، أما الرسالة الثانية يوجهها إلى وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية وأصحاب الرأي، "أين التحرك الذي قامت به هذه الجهات لحماية حرية الرأي والتعبير".