غزّة- قُدس الإخبارية- ترجمة خاصة: "لقد نجوتُ من ثلاثة حروب سابقة، لكن هذه ليست المشكلة، فالحروب تتوالى على هذه البقعة، والنضال الحقيقي هو ألا نفقد الأمل، والسبيل الوحيد لهذا هو أن أنسحب لأخلق عالمي الخاص وأتغافل عما يجري"، يقول عليّ الذي يعمل نادلًا في إحدى مقاهي غزة.
وُلد علي (36 عامًا) في غزة، ويعيش تحت حصارٍ جويٍّ وبريٍ وبحري منذ 10 أعوام، جعلهُ وباقي سكان القطاع البالغ عددهم 2 مليون نسمة مُحتَجَزين على أرضٍ تبلغ مساحتها 365 كيلومتر مربع فقط، مما يجعل الكثافة السكانية في قطاع غزة من الأعلى في العالم، إضافةً إلى ما يعانيه من الفقر المدقع والصراعات المتكررة.
نقص الوقود وأزمة الكهرباء، التي تنقطع عن سكان القطاع لـ 18-22ساعة يوميًا، والتلوث الشديد للمياه، حيث أن 95% من المياه الجوفية في القطاع غير صالحة للشرب، والبُنية التحتية المُدمّرة، وسلسلة الهجومات المسلحة المتكررة، جميعها أصبحت واقعًا يوميًا لدى الغزيين، سكان غزة محرومون من المعايير البشرية للعيش بكرامة، حيث فرضت القيود على حركة الناس والبضائع، بعدما كان القطاع متطور نسبيًا، ذو بنية تحتية إنتاجية.
الاحتلال والحصار قلبا المعايير، وما زادها سوءًا هو تصعيد العمليات العسكرية الاسرائيلية، التي تسببت بدمارٍ شامل، ويعاني الحصار حاليًا مما تدعوه الأمم المتحدة "تراجعًا في التنمية"، كان يمكن لغزة أن تشتهر بأشجار النخيل والفواكه والشواطئ البيضاء، نسبةً إلى موقعها بين مصر والبحر الأبيض المتوسط، لكنها بسبب الحصار معروفة بأزمات الصرف الصحي والنظافة والصحة، فلقد وصفت مجلة التايمز الأمريكية هذه الأزمة الصحية بـ"القنبلة الموقوتة".
الأونروا لم تكتفِ بالتحذير من الآثار الكارثية للصراعات المتكررة في غزة، بل وأيضًا أدانت ومجلس الأمم المتحدة إطلاق الصواريخ من القطاع، قائلة "نحن منزعجون من جميع الممارسات التي تعرض الحياة للخطر، وإننا نؤمن في ذات الوقت إن القيود الشديدة على حركة الناس والبضائع قد تقود بجدّية إلى نتائج معاكسة تمامًا لتلك التي أعلنت عنها "إسرائيل".
التحذيرات ستصبح واقعًا
حذرت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارا من الأوضاع المقلقة والخطيرة السائدة في هذه القطعة الصغيرة، فقبل أربعة أعوام، حذرت من أن تصبح غزة منطقة غير قابلة للعيش، أي أنه لن يتوفر ما يكفي من الموارد لإبقاء الناس على قيد الحياة بحلول عام 2020، تكررت التحذيرات خلال الأربع سنوات السابقة، من دون اتخاذ أي إجراء جوهري وفوري من شأنه معالجة الأسباب التي تقف وراء المشكلة، مثل الحصار الذي يجب أن يُرفَع تمامًا، لن نرى الكارثة تلوح في الأفق بعد ذلك إذا لم تُتَّخَذ إجراءات، لأنها ستكون قد تحققت فعلًا، وعندما يصبح المكان غير قابلٍ للعيش، يهاجر الناس، هذا هو الحال بالنسبة للكوارث البيئية مثل الجفاف، أو الصراعات
سكان قطاع غزة محرومون من هذه الفرصة، فهم لا يستطيعون الحراك خارج حدود الـ365 متر مربع الذي يعيشون فيه، لا يستطيعون الهرب سواء من الفقر المدقع أو من الخوف من تعرّضهم لحروبٍ جديدة، إن نسبة التعليم بين الشباب في غزة عالية جدًا، وما يقارب 50% من سكان القطاع ممن فوق السابعة عشر من العمر لا يملكون الخيار لعبور الأسوار المحيطة أو نقاط التفتيش الحدودية شمال وجنوبيّ القطاع لتلقّي التعليم أو لإيجاد عمل في الخارج.
في ظل إغلاق المعبر الفاصل بين مصر وقطاع غزة بشكلٍ شبه دائم سوى لبضعة أيامٍ في السنة لخروج الحالات الإنسانية أو موظفي الموظفات الدولية، من الصعب على غالبية سكان القطاع الحصول على التصريح الذي يتقون الجميع للحصول عليه، هم لا يستطيعون أيضًا المغادرة عبر البحر دون التعرض لخطر الملاحقة والاعتقال والاستهداف من قبل قوات الاحتلال البحرية أو المصرية، كما لا يمكنهم تسلق السياج الفاصل بين غزة و الأراضي المحتلة عام48 من دون التعرّض لنفس المخاطر.
ويعمل الحصار بشكلٍ كبير على إلغاء الطبقة الوسطى من الطبقات الاجتماعية في غزة، مما جعل تقريبًا جميع سكان القطاع يعتمدون على المساعدات، ارتفع معدل البطالة في الربع الثاني من عام 2016 إلى 41.7%، ويجد 80% من السكان أنفسهم في حاجة للاعتماد على المساعدات الإنسانية لتغطية احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والملبس والتعليم والرعاية الصحية الأساسية والمأوى، أو حتى مواد أخرى مثل البطانيات والفراش وموقد الطبخ، في عام 200، كانت الأونروا توفر المساعدات الغذائية لما يقارب 80 ألف مستفيد، أما الآن فيبلغ عدد المستفيدين من مساعداتها حوالي 930 ألف شخص، أي أكثر من ذي قبل باثني عشرة مرة!
يعانون مشاكل نفسية
ويبدو أن آثار الحصار المتراكمة غير الظاهرة للعيان هي الآثار النفسية، ومهما تحّلى الناس بالمرونة، لكنهم لا يصمدوا طويلا أمام استمرار الحصار،حيث وجد برنامج الأونروا للصحة النفسية أن اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون من ارتفاع مستويات التوتر والضيق، وتشير معدلات الانتحار المتزايدة، التي لم يكن لها وجود من قبل، إلى أن قدرة التحمل والمواجهة لدى الفلسطينيين قد استُنفِذَت.
من بين الأطفال الفلسطينيين اللاجئين، تقدّر الأونروا أن ما لا يقل عن 30% منهم يحتاجون رعاية نفسية واجتماعية منظمة، ومن الأعراض الأكثر شيوعًا بينهم والتي تدلل على ذلك، "الكوابيس واضطرابات الأكل والخوف الشديد وتبليل الفراش".
"الملل هو العامل الأساسي للإحباط واليأس الذي يعاني منه الشباب، إنهم يجلسون في الظلام حرفيًا بسبب انقطاع الكهرباء، ويشعرون بأنهم عاجزون، عندما يفكرون بحياتهم لا يرون إلا حلول سلبية.
يقول الكاتب بو شاك مدير عمليات الأونروا بغزة في مقال له على موقع الأونروا، أن غزة مليئة بالأفكار والإبداع، لكننا لا نعطي هذا الجانب ما يكفي من التركيز بقدر ما نركّز على المساعدات، أدى الحصار أيضًا إلى تقييد عقلية الناس، الشباب يمتنعون عن المبادرة، لماذا نحاول إذا كان الجواب الدائم لنا هو لا؟" هذا ما قالته رنا قفة مختصرةً حال غزة، "الحياة في غزة عبارة عن حلقة مفرغة، من سيساعدنا على كسرها؟"
الحصار على غزة يتعدى كونه مصطلحًا سياسيًا، كما أنه ليس كارثة طبيعيةً عابرة، الحصار على غزة من صنع الإنسان، وهو متعلق بحيواتٍ حقيقية، بقصصٍ واقعية، لقد حان الوقت لإعطاء غزة وشبابها مستقبلهم، يجب رفع الحصار.
المصدر: http://www.unrwa.org/ - مدير عمليات الأونروا في غزة بو شاك