حتى الآن الصورة غير واضحة وهناك غياب لليقين وعدم ثقة الناس في القيادة الفلسطينية والفصائل وفي مقدمتها الرئيس وحركة حماس وموافقتهما السريعة على خوض الإنتخابات للمجالس البلدية والمحلية، وحقيقة إجراء الانتخابات هل هو من منطلق قانوني واستحقاق دستوري يجب إجراءها والحفاظ على دوريتها؟ أم أن أطراف الانقسام تختبر بعضها؟
أسئلة كثيرة وكبيرة تدور في أذهان الناس والمراقبين والمحللين، وهل معقول أن تجرى الإنتخابات في موعدها المحدد أم سيتم تأجيلها، في ظل إنقسام كبير وحاد ليس بين حركتي فتح وحماس فقط، انما داخل حركة فتح ولا أفق في إنهاءه؟ وما هو تأثير الانتخابات في تغيير واقعهم المعيشي والحياتي، والبلديات فرغت من كثير من صلاحياتها، وعدم قدرتها على التغيير المنشود وصرف رواتب موظفيها أو تنفيذ مشاريع ممولة من الحكومة في ظل الانقسام وعدم قدرتها على الصرف على نفسها؟ ومدى استعداد السلطة على وضع موازنات وسياسات موحدة في الضفة وقطاع غزة؟
وفي حال فوز حركة حماس بنسبة كبيرة هل ستستمر السلطة بمنح موازنات مالية لها؟ وهل سيكون ذلك مقدمة لتخفيف الحصار ومدخل للمجتمع الدولي والدول المانحة التي تساهم في حصار القطاع عن طريق الرباعية الدولية وترفع الحظر والتعامل مع البلديات التي سيفوز فيها أعضاء من حماس؟ وهل سيكون ذلك مقدمة لرفع الحصار نهائيا أو إنهاء الإنقسام وإتمام المصالحة؟
في حالتنا الفلسطينية الخلافات في الساحة الفلسطينية كبيرة خاصة في داخل حركة فتح حزب الرئيس والمنظمة والسلطة, وغير خافي على أحد الانقسام الذي نراه على الأقل في قطاع غزة وعدم قدرة الحركة على الاتفاق على قيادة واحدة وسخط قطاعات كبيرة من قاعدة الحركة من الاهمال والتهميش، بالإضافة الى خطر النائب محمد دحلان وقدرته على تشتيت أصوات كثيرة في فتح اذا ما قرر خوض الانتخابات البلدية بقائمة أخرى باسم حركة فتح.
وفي حالتنا أيضاً يتم النظر للانتخابات او الاصح إختزال ممارسة الديمقراطية بحالة ظرفية وحسب الرغبة والمزاج، وتختزل حقوق الإنسان في المطالبة بممارسة الديمقراطية فقط في الإنتخاب، واللعب على وتر الحق وانها استحقاق قانوني ودستوري مع أنها ليست كذلك، ومداعبة مشاعر المظلومين والفقراء اعتقادا منهم أنها ستنقذ حياتهم وستحسنها للأفضل.
فالديمقراطية ليست حالة مؤقتة أو مزاجية فهي ممارسة وسلوك ومنهج حياة وتحتاج الى تربية مستمرة للتفاعل بين الشعب والسلطة وفتح المجال للجميع المشاركة في الحياة السياسية والحق في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير لتحمل المسؤولية، وهي ممارسة يومية تشمل جميع مناحي الحياة، واسلوب التفكير، والسلوك وممارسة الشفافية والمساءلة والمحاسبة، ولا تقتصر على الشكل القانوني، وهي قائمة على الاحترام، احترام الآخر ورغبته وحقوقه، والحوار معه في أجواء من الثقة والتكافؤ والاعتراف المتبادل.
وفي ظل هذا وحرمان الناس من التعبير عن حقوقهم وممارستها، يبقى الامتحان الرئيس للناس في ممارسة حقوقهم وفي المقدمة حقهم الديمقراطي بالمشاركة في خوض الانتخابات ومساءلة، من فشلوا في إدارة حياتهم منذ عشرة أعوام، والانتخابات المحلية اذا ما أجريت ستكون نموذج أو موديل للانتخابات العامة، والناس في فلسطين أمام امتحان كبير لمساءلة المسؤولين ووضع أصحاب الواجب أمام أصحاب الحق لمساءلتهم من خلال المشاركة في التصويت للانتخابات.
هل ينجح الفلسطينيون في اجراء الانتخابات ويتمكن جيل كامل لم يعرف معنى الديمقراطية ومنها الإنتخابات ولم يمارسها كونها معيار من معايير الديمقراطية و أول الطريق للمشاركة السياسية بمعناها الحقيقي والمشاركة في اتخاذ القرارات وتكافؤ الفرص وانتخاب من يمثلهم ومن يستطع تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم؟