شبكة قدس الإخبارية

مليارات الدولارات أنفقت على المؤسسات الأهلية بغزة والنتيجة صفر

حنين حمدونة

غزة – خاص قُدس الإخبارية: تعمل المئات من المؤسسات الأهلية (المنظمات غير الحكومية) في قطاع غزة منذ بداية حكم السلطة الفلسطينية في تسعينات القرن المنصرم، إذ يفترض أنها تقدم خدمات تأهيلية وتدريبية، لكن هذه الخدمات جميعا وفق مختصين لا تهدف لبناء تنمية مستدامة على الصعيد الاقتصادي.

وتتحدث مصادر عن أن 30 مليار دولار أنفقت على عمل هذه المؤسسات، دون أن تستطيع في النهاية بناء اقتصاد فلسطيني مستقل، "فالدعم الذي يصل للأراضي الفلسطينية يخدم أجندة الدول الداعمة فقط".

غموض في العمل

ووفق المتعارف عليه فإن نسبة 10% من التمويل تخصص للجوانب الإدارية، ومثلها لرواتب الموظفين، وتكون هذه القيم من إجمالي مبلغ المقترح المالي للمؤسسة الذي يوجه للممول، إلا أن الباحثين يواجهون مشاكل مع المؤسسات الأهلية في الإفصاح عن البيانات الإدارية والمالية لها.

ويؤكد ذلك الباحث في قضايا المرأة هارون بهار، الذي قال إنه واجه مشكلات مع المؤسسات العاملة في شؤون المرأة، إذ رفضت الإفصاح عن بياناتها المالية، ولم يستطع الحصول إلا على بيانات محدودة لا يمكن الاعتماد أو البناء عليها في أي أبحاث أو دراسات.

وتنشط في فلسطين عموما ومنها قطاع غزة مجموعة من المؤسسات العاملة في قضايا المرأة، إذ تقدم دورات وتدريبات في مختلف الجوانب المرتبطة بحقوق المرأة وتمكينها، إلا أن دراسة أجراها هارون أكدت أن المرحلة ما بين عامي 2005 و2011 شهدت زيادة في نسب العنف الموجه ضد النساء.

ويضيف بهار أنه لا يوجد تعاون بين المؤسسات والباحثين، وأن المؤسسات ترفض الإفصاح عن وضعها المالي، موضحا أن مجمل الدراسات التي أجريت سابقاً في هذا المجال  كانت وصفية.

مشاريع بأجندات محددة

ويصل الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وكذلك للمؤسسات الأهلية، وقد بلغت نسبة الدعم الدولي الذي حصلت عليه المؤسسات الأهلية حتى الآن نحو 30 مليار دولار، وفقا لما أفاد به الخبير الاقتصادي أمين أبو عيشة.

ويرى أبو عيشة، أن الإشكالية الأولى في هذه القضية تكمن في الجهات المستفيدة من هذه الأموال، "لأن الدعم  الذي يصل يأتي لتنفيذ رؤية الدول الممولة التي تعطي دعمها لجهات تتوافق معها على هذه الرؤية"، مبينا أن المشاريع تخدم أهدافا سياسية أو دينية أحيانا، دون الاهتمام بالنتائج أو المردود الاجتماعي، "فيصبح المجتمع متلقيا لسياسات ورسائل غربية دون أن يكون لها أي مردود إنتاجي"، حسب قوله.

ويُلزم من يحصلون على التمويل من جهات خارجية وتحديدا من (USAID) بالتوقيع على "وثيقة مكافحة الإرهاب"، التي تتضمن بشكل مباشر أو غير مباشر نبذا للمقاومة باعتبارها أحد أشكال الإرهاب والعنف، ما يثير شكوكا أكبر حول أدوار ومهام المؤسسات التي توقع على هذه الوثيقة.

محاولات تحايل

وحول آلية اقتطاع النفقات الإدارية والأجور يوضح أبو عيشة، أن أغلب المؤسسات لا تفصح عن بيانات الإنفاق، فتقتطع 10% للجوانب الإدارية، إضافة لـ10% لرواتب العاملين في هذه المؤسسات، مبينا أن أغلب العاملين في هذه المؤسسات رواتبهم غير محددة بسقف، ويتلقون رواتب عالية جداً تصل أحيانا إلى 10 آلاف دولار.

وتتمكن المؤسسات من مضاعفة أجور العاملين بها من خلال تحميل أسماء الموظفين على عدة مقترحات مالية، وذلك عند تحديد احتياجات المشروع التي ترصد فيها التكلفة المالية، وتشمل البرنامج التدريبي، والمدربين، والفئة المستهدفة، والاحتياجات التدريبية، والكماليات، والزمان، والمكان، ونفقات المدربين والمتدربين.

وتتحدث مصادر عن وجود فروقات واسعة بين مقترحات الأسعار المقدمة عند جلب التمويل، وبين ما يُمارس فعليا على الأرض، وهو ما يؤكده نائب مدير مدرسة في قطاع غزة، كشف لنا عن محاولة احتيال من قبل جمعية معنية بالشباب، تمثلت بتوجهها في مشروعها إلى 10 مدارس في شمال القطاع، بينما كان المشروع الأساسي الممول مخصصا لـ120 مدرسة ومؤسسة في المناطق المهمشة.

ويبين المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، أن الجمعية دربت طلاب المرحلة الثانوية في المدارس المستهدفة على اختيار المشاريع التي تحتاجها المدارس، وتم التوصل لمشروع إنارة (ليد)، إذ كان مجمل التمويل لمشروع الشباب ثلاثة آلاف شيكل، بينما وفرت الجمعية إنارة بمواصفات أقل جودة بلغت تكلفتها ألف شيكل.

وحسب المصدر فإن الجمعية لم تلتزم بالتنفيذ إلا عند وقوع خلاف حاد مع إدارة المدرسة، تطور بتهديد الأخيرة بالتقدم بشكوى ضد الجمعية التي قررت في نهاية الأمر تنفيذ المشروع وفق المواصفات المطلوبة فقط للمدرسة التي أثارت المشكلة واحتجت على ما وصفته بالتحايل.

فساد

وحسب مدير عام الشؤون العامة للمؤسات غير الحكومية أيمن عايش، فإن القانون يعرف الفساد بأنه سوء الائتمان للمال ومخالفة الشفافية والحكم الرشيد، أما المخالفات الإدارية فلا تدخل في إطار تعريف الفساد.

ويوضح عايش، أن الخلل الإداري لا يستوجب وقف المؤسسة وإنما توجيه برامجها فقط، وفي أغلب الأحيان تقوم المؤسسات باستدراك تقصير الأداء في آخر شهرين للعام، وتنفيذ الأجزاء المتبقية من المشروع في هذه الفترة.

ويشير عايش إلى أن دور وزارة الداخلية يتمثل في الرقابة والتدقيق على الجانبين الإداري والمالي، وإحالة قضايا الفساد إلى النيابة المالية، موضحا أن الداخلية أحالت خمس قضايا فساد مالي للنيابة خلال العام الجاري (2016)، فيما كانت حصيلة قضايا الفساد بالمؤسسات الأهلية العام الماضي 12 حالة.