شبكة قدس الإخبارية

نكبة فلسطين.. شائعات وحقائق عن التهجير والمعارك

شذا حنايشة

فلسطين المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: 68 عاما مرت؛ ومازالت تفاصيل احتلال فلسطين أو ما سمي بـ"النكبة" غير مكتملة حتى الآن، كما لا يمكن التمييز بسهولة في مانشر عن أحداثها بين الصحيح منه والكاذب، بينما يواصل مؤرخون وحقوقيون البحث في تفاصيل ماحدث لتوثيقه.

وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن الحرب أدت لاستشهاد 15 ألف فلسطيني على الأقل، إضافة لتشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني وتدمير أكثر من 500 قرية.

شائعات وحقائق

ويجمع المختصون أن العصابات الصهيونية استخدمت حربا نفسية للتهجير، وأن جزءا من هذه الحرب كانت الإشاعات، فمثلا استغل اليهود إذاعتهم الخاصة والتي كان جانبا منها موجها للعرب، كما أنهم وزعوا العديد من المنشورات وألقوا البيانات من الطائرات، واستخدموا مكبرات الصوت على نطاق واسع.

ويقول أستاذ العلوم السياسية والمؤرخ الفلسطيني صالح عبد الجواد، إن الفلسطينيين كانوا يواجهون عدوا قادما من أوروبا يحمل مشروعا واضحا بدأ العد العكسي لتطبيقه منذ 1940، موضحا أن قصص الإشاعات كانت جزءا بسيطا من الحرب، لكن في الوقت ذاته كان هناك قتل وارتكاب مجازر وفظائع.

ويضيف، "لم يكن الهدف من هذه المجازر قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين أو الإبادة، بقدر ما كان الهدف خلق حالة من الذعر.. وثقت في بحث لي 70 مجزرة، نحن نتحدث عن عدد كبير، ولكن كما قلت كان هدفها الترهيب والتخويف وخلق معادلة الموت أو الرحيل".

وحول الإشاعات التي أطلقت إبان 1948 يقول الباحث في علم الاجتماع علاء العزة، إن هناك ادعاء بأن الفلسطينيين خرجوا لوحدهم بسبب إشاعات أو غيرها، "ولكن في الحقيقة الجزء الأكبر من الناس أُخرجوا قسرا بسبب المجازر التي حدثت في بعض القرى، والتدمير الممنهج، والإشاعات كانت جزءا بسيطا من استراتيجية كاملة للتهجير".

ويرى أستاذ علم الاجتماع أباهر السقا، أن القوات الاستعمارية الشبه رسمية عملت مع العصابات الصهيونية على بث مجموعة من الإشاعات بأن العرب هربوا أو سيهربون خوفا على أعراضهم، مضيفا، "في الحقيقة هذا لا ينطبق إلا على بعض العائلات، والفلسطينيين كما تثبت الوثائق التاريخية طردوا بالقوة من أراضيهم واجبروا تحت الرصاص على الخروج وهذا بشهادة مؤرخي الاستعمار أنفسهم".. ويتابع، "وهو ليس احتلال، هو استعمار".

ويبين العزة، "هي ليست إشاعات بمعنى أنها ليست حقيقة، بل حدثت وجعلت الناس خائفين، ولم يكن جزء كبير منهم مقاتلين بل كانوا أناسا مدنيين يعيشون في قراهم"، مؤكدا أن جزءا كبيرا من عمليات الخروج من القرى كانت نتيجة وصول معلومات حقيقية عن عمليات التهجير والقتل والمجازر التي نعرفها في تجربة النكبة.

وأكد على حديثهما صالح عبد الجواد، حيث أشار بأن ما روي حينها لم يكن شائعات بل حدث، "الشعب الفلسطيني مثل بقية الشعوب لديه غريزة البقاء، فمثلا قرية مثل دير الأسد أو البعنة، كان الاحتلال يأخذ شباب ويقتلهم، وهذه رسالة بليغة للناس، يعني أنت بتفقد عائلتك أو حياتك لذلك هي ليست الإشاعة التي دفعت الناس للخروج من بيوتها"، قال عبد الجواد.

وأَضاف، "نحن ندرك إضافة إلى كل الأساليب والفظائع والمجازر وتدمير القرى الذي حدث، كان هناك عمليات اغتصاب عديدة لم يكشف النقاب عنها لأن إسرائيل تفرض عليها ستارا من الصمت، ونحن كفلسطينيين لن نجد أي عائلة مستعدة أن تقول ابنتي أو زوجتي اغتصبت".

إمكانيات المقاومة في 1948

وتحدث صالح عبد الجواد حول إمكانيات المقاومة  الفلسطينية في ذلك الوقت موضحا، أن النكبة  جرت بعد حوالي 30 عاما من الانتداب البريطاني، وأن بريطانيا كانت حريصة جدا على تجريد الشعب الفلسطيني من أي مقومات للمقاومة، حيث منعت خلال تلك الفترة عن الشعب الفلسطيني التدريب والتسلح وفرضت عقوبات صارمة جدا، لذلك نرى أن في كل مدينة يافا كان هناك 5 بنادق فقط.

وقال، "الشعب الفلسطيني كان إلى حد ما بدون قيادة، بمعنى أن القيادة بعد ثورة 1936 ضربت إما بالاعتقال أو بالنفي، لذلك الوضع كان صعب جدا، ومع ذلك الشعب الفلسطيني حاول وقاوم بالطريقة التي نحن دائما نقاوم فيها".

ويؤكد على ذلك علاء العزة معتبرا أن غياب الحركات الوطنية كان سببا لتخوف الناس على حياتها، "نحن نتحدث عن فروق كبيرة وواضحة في القوة العسكرية الصهيونية مقابل الفلاحين والمقاومين الفلسطينيين".

وأشار عبد الجواد إلى أن حرب 1948 قسمت إلى مرحلتين؛ الأولى قبل 15 أيار وهذه الفترة خاضها بشكل رئيسي الشعب الفلسطيني وجيش الإنقاذ الذي شكلته جامعة الدول العربية من بضعة آلاف أمام عشرات آلاف المقاتلين الصهاينة المتدربين، "عدد كل من جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس لا يزيد حتى يقل عن عدد المتطوعين فقط من الذين جاؤوا إلى إسرائيل.

وأضاف، أن المرحلة الثانية جاءت بعد 15 أيار بدخول الجيوش العربية التي لم تستطع من حيث العدد والقدرات أن تضاهي القوات الاسرائيلية، مؤكدا أن القادة العسكريين العرب كانوا يعلمون النتيجة سلفا، إلا أن ضغوط الشارع العربي والمذابح التي حدثت دفعت الناس والشعوب العربية إلى الدخول.

وقال أباهر السقا إن الفلسطينيين قاموا بما أمكنهم مع وجود أخطاء في الصفوف العربية والفلسطينية، وفي إدارة المعارك والتحكم بالخرائط واستخدام الأسلحة والمناورات، مضيفا "نحتاج لدراسات جديدة لتفحص أشكال المقاومة عند الناس في ذلك الوقت، لأن الكثيرين يرددون عبارة العرض قبل الأرض، وفي رأيي هذا غير دقيق او بالأحرى يختزل المشهد".

وأكد السقا أن الشعوب العربية خضعت لصدمة ترهل الجيوش العربية وانهزامها مقابل الاعتقاد بأن الصهاينة قوة كاسرة، مضيفا أن ثمة مجموعة من العناصر التي تسببت بالنكبة أهمها عدم الإعداد للمعركة جيدا، وتفوق القوات الصهيونية على القوات العربية، وانهزام بعض المقاتلين الفلسطينيين والعرب وانخداعهم، وعقد آمال البعض على الجيوش العربية والتي كانت أصلاً ضعيفة.

النكبة قصة بطولة

ويرى عبد الجواد أن هناك تقصيرا واضحا في تأريخ النكبة، "لأننا كفلسطينيين فشلنا في أن نصور النكبة كقصة بطولة، حيث أن الأشهر الأولى من الأحداث كان فيها صمود واضح للشعب الفلسطيني، لدرجة أنه وبمنتصف شهر آذار من العام 1948 طلب المندوب الأمريكي رسميا تجميد موضوع التقسيم وفرض نوع من الوصاية الدولية، إلا أن الرئيس الأمريكي في تلك الفترة عطل ذلك لاحقا".

وأضاف، أن مذبحة دير ياسين هي قصة تعكس النكبة كقصة بطولية أيضا، "نحن ننظر لها كمجزرة ونتناسى انها استمرت منذ الساعة 4 صباحا إلى الساعة 12 ظهرا"، مؤكدا أن هذا يدل على المقاومة الباسلة، على الرغم من أن كل المسلحين الذين تواجدوا في القرية لم يتجاوزوا 40 مقاتلا، وجزء بسيط من هؤلاء الناس تلقوا التدريب كرجال شرطة في عهد الانتداب، والغالبية كانت تشتري السلاح، وكثير منهم حصلوا على ثمن السلاح من بيع مصاغ نسائهم.

ويقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه في كتابه "التطهير العرقي" واصفا أحداث النكبة: "في نظر الإسرائيليين هي حرب الاستقلال، بينما بالنسبة إلى الفلسطينيين ستظل إلى الأبد ‫النكبة".