الكشف عن نفق رفح الاخير الممتد إلى داخل عمق الاحتلال عن طريق تكنولوجيا خاصة بكشف الانفاق لا تبدو مجرد كلام، ولا يمكن أن تغامر "إسرائيل" على لسان زعيمها الأول وعلى ألسنة المستوى الأمني الأول بفضيحة علمية ستنكشف سريعًا؛ بيد أنه من المعقول أن ثمة تقدم بحثي علمي ربما لا زال في بداياته، وبالتأكيد لا زال قاصرًا عن تقديم حلول قطعية ويواجه الكثير من الصعوبات والمعضلات ومحدودية القدرات.
وما يحدث ربما ان "إسرائيل" تحاول عبر الدعاية الكبيرة، توجيه حرب نفسية قوية ضد سلاح الأنفاق، وتعزيز الجبهة الداخلية، لا سيما الذين يطالهم تهديد الأنفاق، والبحث عن شركاء دوليين في مجال الاستثمار في أبحاث تكنولوجيا الأنفاق، حيث يلاحظ تركيزًا كبيرًا على حجم الإنفاق الإسرائيلي الكبير على الأبحاث الخاصة بهذه التكنولوجيا، وهذا جزء من تقليد إسرائيلي، حيث تجبر عادة الولايات المتحدة الأمريكية بالدفع للعلماء ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية.
في الحرب الإِسْرائيليّة ضد الأَنْفاق تم تقسيم العمل لعمليات كشف عن الأَنْفاق، ومعالجتها، لكن عملية البحث والكشف تكون صعبة بسبب إخفاء الأَنْفاق، وعملية كشف النفق ممكنة خلال الحفر، بعد الانتهاء يكون الأمر صعبًا جدًا؛ لذلك يجب التفرق بين عمليات الكشف عن الأَنْفاق خلال مرحلة الإعداد،وبعد الانتهاء من بنائها.
يعتمد الكشف عن الأَنْفاق خلال عملية البناء والحفر على الأصوات الصادرة منها خلال الحفر بواسطة أجهزة دقيقة وحساسة، وبعد الانتهاء من حفرها يكون من الصعب كشفها، لأنه لا يمكن الاعتماد على الأصوات الصادرة من تحت الأرض في الحفر، ويجب الكشف عن النفق بوسائل أخرى؛ لذلك تم الاستعانة ببعض خبراء الحفريات والجيولوجيا وأدواتهم للكشف عنها.
وأكبر دليل على جدّية هذا الخطر الداهم، أنّ الإِسْرائيليّين أنفقوا ملايين الدولارات على أكثر من 700 فكرة لكشف أماكن الأَنْفاق تكنولوجيًا، وكلّها أخفقت في تحقيق النتائج المرجوة.
واعترف قائد وحدة "يهلوم" السابق "عيتايشيلح" بأنه أدار وشارك في عشرة مشاريع لم تفلح في إيجاد حل لتهديد الأَنْفاق، فيما أكد الباحث الإِسْرائيليّ "رونين برغمان"، فإن "إسرائيل" تدرك حجم الأَنْفاق، ولكن هذه المعرفة مبنية فقط على الجهد الاستخباري، و"هذا التهديد تم تعريفه كتهديد مركزي منذ 14 عامًا، وحتى الآن لا تزال الصناعات التكنولوجية المتقدمة والمنظومة الأمنية في إسرائيل غير قادرة على إيجاد حل، وهذا الأمر لا يمكن وصفه بأقل من فضيحة .
في عام 2010، أقيم في "إدارة البحث لتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التقنية" في وزارة الحرب مشروع خاص، يضم أكاديميين وباحثين، لإحداث انطلاقة في مجال معالجة تهديد الأَنْفاق، وتوصل الطاقم في استنتاجاته لضرورة البداية من الصفر، عبر بناء منشأة عسكرية لأغراض علمية، يلي بناءها الشروع في تطوير منظومة جديدة، وفي شهر كانون الثاني من العام 2011، تم تعريف القتال تحت الأرض خلال مداولات في وزارة الجيش كتحدٍّ معقّد ومحدق، وفي 2012 تم تعريف هذه المهمة كمشروع طوارئ لإزالة العقبات البيروقراطية.
الجيولوجي الإِسْرائيليّ يوسي لانغوتسكي أعلن عن مفاجأة "إسرائيل" من عدد ونوعية شبكة الأَنْفاق المعقّدة التي بنتها المُقاوَمَة، ومما سرّع الضغط الجدّي تجاه البدء بمشروع "المجرفة الحديدية" لكشف الأَنْفاق وتعطيلها، على غرار نظام "القبة الحديدية" المستخدم لاعتراض الصواريخ.
لم يُعلن الإِسْرائيليّون تفاصيل "المجرفة" التي لم تنجز بعد، لكن صحفهم أوردت أفكارًا يُعمل عليها، وهي مستوحاة من الأبحاث الجيولوجية التي تعنى باكتشاف الآثار والمغارات في باطن الأرض.
تحدّث بعضهم عن رادار لما تحت الأرض يُرسِل موجات وينتظر الإشارة العائدة، فإذا كانت مختلفة في منطقة ما عن باقي الأراضي، تبدأ الشكوك في وجود نفق، مع أنّ هذه التقنية التي نجحت في البحث عن الغاز والنفط لم تُختبر بعد جدّيًا في اكتشاف الأَنْفاق.
لدى المُقاوَمَة الفلسطينية، توجد أَنْفاق كثيرة يزيد عمقها على 10 أمتار، وتقلّ دقّة الرادار معها، وهناك تقنيات أخرى تعتمد على زرع أقطاب كهربائية في التراب، أو تستخدم أمواج الصوت، لكن أيّ رقم عن دقّة هذه التقنيات في كشف الأَنْفاق لم يخرج بعد إلى العلن، ونقطة الضعف الأهم أنّ ما تحدّده جميعها هو هل يمر النفق في نقطة معيّنة أم لا، أمّا تعقّب فتحات النفق فيحتاج لجهد أكبر، كإجراء قياسات على طول الأماكن المتشعّبة من النقطة المشكوك فيها.
حتى شركة «Magna» الإِسْرائيليّة قدّمت مقترحًا يقضي بزرع رادارات وحسّاسات على عمق 30 مترًا على طول 70 كلم من الحدود مع غَزَّة، فتصبح الحدود مسيّجة من فوق الأرض وتحتها، وادّعت نسبة اكتشاف تفوق 99%، لكن تقريرًا صحفيًا "صانداي تايمز" قال إنّ الحكومة الإِسْرائيليّة اختارت شركتي "إلبيت" و"رافايل" (ذات علاقة بالقبة الحديدية) لإنشاء نظام لاكتشاف الأَنْفاق وتعطيلها بكلفة 700 مليون دولار.
ومن الملاحظ أنّ التقنيات التي يذكرها التقرير شبيهة جدًّا بما اقترحته شركة "Magna"، مع إضافة تتلخّص بجدار حديدي تحت الأرض في المناطق الحسّاسة، ويعني أنّ التركيز سيكون على الأَنْفاق الهجومية الممتدةللأراضي المحتلة، ومن الصعب أن يحفر جيش الاحْتِلال داخل القطاع كي يمنع الأَنْفاق هناك.
تبقى خيارات تقليدية أخرى لمواجهة الأَنْفاق كالقصف الجوّي أو الحفر بالجرّافات، وحتى إغراقها بمياه المجاري، وهي وسيلة استخدمها الجيش المصري على الحدود الجنوبية لغَزَّة عام2015، لكن هذه الوسائل ليست فعالة في حالة الأَنْفاق الهجومية، فإغراق "إسرائيل" باطن الأرض المحتلّة بالمجاري مثلًا قد يلوّث مياهها الجوفية، ولو اكتشف الإِسْرائيليّ أن نفقًا يمرّ تحته فلا يستطيع قصف مواقعه .
وتحت ضغط المواجهة الشرسة التي رآها الجيش الإِسْرائيليّ في حرب غَزَّة، وقّعت الحكومة عقدًا مع شركة "Roboteam" لتزوّد الجيش بأكثر من مئة روبوت من نوع "MTGR"، يُمكن حمله على الكتف، ومزوّد بخمس كاميرات، معدّ لإعانة الجندي في استطلاع النفق، وليس للهجوم بعد.
من خلال استعراض وسائل الاحتلال التكنولوجية ضد الانفاق هناك جهود حقيقية ومستميتة من الجانب الإِسْرائيليّ لإيجاد وسائل تكنولوجية لحل قضية الأَنْفاق، ومعظم هذه الجهود فشلت، ولكن لم يتم تجاهل القضية ومازال العمل مستمر في إيجاد الحلول، حيث تم تطوير 4 منظومات في هذا المجال، وكلها فشلت في الكشف عن الأَنْفاق، مما يشير للصعوبة الكبيرة في التغلب على المشكلة.
يقول أحد علماء الجيولوجيا أن اختلاف التربة وأنواعها بقطاع غزة عامل مساعد للمقاومة، ويعمل التنوع في طبقات التربة الأرضية من طينية إلى رملية لتشتيت الأصوات الناتجة من عمليات الحفر، وخاصة عند انتقالها من طبقة لأخرى، كما أن عمق الحفر يصعب عملية مراقبة الذبذبات الناتجة من أصوات الحفر.
لذا فإن نشر الاحْتِلال الإِسْرائيليّ حول تمكنه من إيجاد حل للتعامل مع تهديد الأَنْفاق هو هدف إعلامي فقط، بعدما أكد علماء الجيولوجيا صعوبة عملية التتبع وخاصة أن المُقاوَمَة تجاوزت الحدود الفاصلة مع القطاع وتوغلت بعمق في مسافات شاسعة داخل الأراضي المحتلة يصعب احتوائها وتتبعها بالوسائل التقنية ومجسات التجسس الحديثة.
في النهاية، يلجأ الإِسْرائيليّ لحلّ تقني غير كامل، وبعض ما يريده تأمين رعب مضادّ يحتاج إليه أمام رعب الأَنْفاق الهجومية، ويزيد المخاطرة المادّية التي تتكبّدها المُقاوَمَة مع كلّ نفق يُحفر، كأنّه يرسي المعادلة الآتية: إن كان كلّ نفق هجومي تقدّر كلفته من عمّال وموادّ بمئات الآلاف أو الملايين من الدولارات، فهو بعد إنشاء المجرفة الحديدية يكشف في دقائق من دون كلفة إضافية.
في المقابل فليس متوقعًا أن تتوقف المُقاوَمَة عن حفر الأَنْفاق، لأنّ ذلك يعني إراحة الإِسْرائيليّ، بل على العكس، قد ينصبّ الجهد على مواجهة التقنية بما يضلّلها، أو الاعتماد على قصورها، كما أن الاحْتِلال نفسه يتحمّل مع الصواريخ معادلةً خاسرةً مادّيًا، فما تزال كلفة اعتراضه للصاروخ أكبر من كلفة الصاروخ نفسه.