لندن - قُدس الإخبارية: يتحدث الخبراء عن سعي "إسرائيل" الحثيث لتحسين علاقاتها بدول الخليج وزيادة الانفتاح بينهما مستحلة بالخطوة الإماراتية الأخيرة في استقبال الوفد الإسرائيلي، بالإضافة إلى توحد المخاوف والرؤى من مشروع إيران الحالي.
وكان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتانتز قد عاد في الـ 17 من الشهر الحالي ورحلة سرية إلى أبوظبي، ناقش خلالها المخاوف المشتركة من إيران و"داعش" ومسائل أخرى لم يُكشف عنها، وفق ما أعلنت القناة الثانية الإسرائيلية.
وقال التقرير، إن وزارة خارجية الاحتلال مهتمة بفتح مكتب لها بأبوظبي، خاصة بعد الإعلان الذي تم في كانون أول الماضي عن مشاركة "إسرائيل" في بعثة تمثيلية في المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "أيرينا" في أبوظبي.
وفي حين لا يمكن وصف وجود "إسرائيل" في مكتب أيرينا إلا بالتمثيل الدبلوماسي، وهو جزء من وكالة الطاقة المتجددة، أثار هذا الإعلان الكثير من الحبر والكلام خاصة وأن هذه هي المرة الأولى التي تمتلك فيه "إسرائيل" مكتباً تمثيلياً في دولة خليجية منذ 15 عاماً.
ويعود ذلك إلى قيام قطر وعمان بفتح مكاتب تجارية إسرائيلية في عام 1996، لكنها سرعان ما أغلقت عام 2000 إثر إندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وقال مصدر إسرائيلي خاص رفض الكشف عن اسمه، إن هدف إنشاء المكتب التمثيلي هذا في أبوظبي هو إقامة وجود إسرائيلي في شبه الجزيرة العربية بشكل كبير.
وأضاف المصدر الذي زار مقر آيرينا في ابوظبي أن السبب الذي جعل وزير الخارجية الإسرائيلي على رأس هذه الخطوة هو الحصول على موظئ قدم في الخليج يساعد إسرائيل على التخفيف من عزلتها تحت ضربات المقاطعة.
ويؤكد المصدر كذلك أن المكتب سيعمل به ثلاثة إسرائيليين أحدهم دبلوماسي سيعمل بمثابة كممثل رسمي لايرينا، والثاني مهندس خبير في الطاقة المتجددة فيما سيكون الثالث مسؤولاً عن الأمن وعلى اتصال بأجهزة امن الاحتلال.
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد ذكرت في تقرير لها في شهر كانون أول الماضي أن الدبلوماسي الإسرائيلي رامي هتان سنتقل إلى أبوظبي ليرأس البعثة كممثل رسمي لأيرينا.
وتذكر أيرينا عبر موقعها الإلكتروني أن المنظمة الدولة هذه بمثابة منصة للتعاون الدولي حول القضايا المتعلقة بالطاقة المتجددة.
وفي الوقت الذي تم تأسيس أيرينا في عام 2009 دعمت "إسرائيل" اقتراحاً يقضي بجعل الإمارات مقر الوكالة طالما حافظ الموظفون الإسرائيليون على حرية المشاركة في أنشطة المنظمة.
وهذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها "إسرائيل" الوكالات الدولية للضغط على الإمارات، حيث صرح مسؤولون إسرائيليون في عام 2004 أنهم يدعمون استضافة دبي للاتحاد العالمي لبورصات الماس طالما تمتع أعضاء المنظمة الإسرائيليين بحرية السفر إلى دبي.
وبات من المعروف الآن أن صاحب ومهندس فكرة التواجد الإسرائيلي في ايرينا أبوظبي هو دوري غولد المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية وبمساعدة من المبعوث الخاص للطاقة في وزارة الخارجية الاسرائيلية أيضاً رون آدم.
ومنذ تأسيس أيرينا عام 2009، تمكن العديد من الموظفين الإسرائيلين من زيارة الإمارات للمشاركة في نشاطات آيرينا على الرغم من أن قوانين الدولة تمنعهم من ذلك.
وكان وزير البنى التحتية عوزي لنداو قد قام بزيارة الإمارات في زيارة رسمية إلى مكاتب أيرينا في 2010.
وعلى الرغم من انفتاح العلاقات هذا إلا أن الإمارات اتهمت مخابرات الاحتلال باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010.
وبحلول العام 2014، قلت حدة التوترات بين الجانبين خاصة بعد زيارة وزير البنى التحتية سليفان شالوم إلى أبوظبي للمشاركة في اجتماع لمكتب أيرينا.
ويعد افتتاح المكتب الرسمي في أبوظي هو الخطوة الأخيرة من مرحلة بناء علاقة استراتيجية أكثر انفتاحاً بين الإمارات و"إسرائيل"، وهو ما قد يفتح أبواب العلاقات مع دول خليجية أخرى وفق خبراء إسرائيليين.
ويقول الدكتور شاؤول ياناي، الباحث في منتدى التفكير الإقليمي والمختص بالشؤون الخليجية، "في الوقت الذي لا تظهر القيمة الكبيرة للمكتب الإسرائيلي في أبوظبي الآن بامكاننا أن نقول أن الإماراتيين إن لم يقوموا برد فعل عكسي نحوه فإنه سيفتح الباب لإسرائيل أمام الخطوة التالية".
سيكون تواجد المكتب الإسرائيلي أمراً ذا حساسية عالية للإماراتيين، خاصة وأن الشعب الإماراتي يكن مشاعر الحب والتعاطف للفلسطينيين وستكون مسألة تمرير هذا المكتب إنجازاً عظيماً لـ"اسرائيل".
وعلى الرغم من هذه الإعلانات إلا أن العلاقات التي تجمع إسرائيل والإمارات تحديداً ظلت تدور في الكواليس المخفية لفترة طويلة.
الاتحاد الاسرائيلي - الخليجي ضد إيران
ويأتي احتمال وجود علاقة استراتيجية بين "إسرائيل" والإمارات ودول الخليج بشكل عام في سياق تنامي أولويات إقليمية سياسية مختلفة.
فخلال المحادثات النووية مع إيران، بدأت أجهزة مخابرات الاحتلال في بحث تعزيز العلاقات أكثر مع دول الخليج وتفعيلها وفق ما قال زفي مازيل السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر.
وعن سبب البدء بالإمارات؛ يقول مازيل أن عداء الدولة للإخوان المسلمين وشعورها بتهديد إيران دفعها لفتح العلاقات مع "إسرائيل". يمكنك الشعور بالتأكيد مدى التقارب الحاصل بين "إسرائيل" ودول الخليج في بعض المجالات وفق ما قاله مازيل أيضاً.
وعلى الرغم من أولويات محاربة الإخوان المسلمين ومناكفة إيران لدول الخليج إلا ان كمية المعلن من حجم العلاقات بين الطرفين قليل للغاية.
من جهته يقول عيران عتسيون، الرئيس السابق لشعبة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الاسرائيلية، "شهد العام 2009 تعاوناً كبيراً بين المختصين في مجالات المخابرات والأمن من "إسرائيل" ودول الخليج لكن هذا لا يعني أن أي تقدم دبلوماسي كبير حصل على أرض الواقع".
ويضيف عيران، "هناك فرق واضح بين المهنية والسياسة وغالباً ما تسمى إسرائيل بالعشيقة السرية، في إشارة إلى امتلاك هذه الدول علاقات حساسة مع اسرائيل لكنها تحت الطاولة".
وفي الوقت الذي تتجه العلاقات الاسرائيلية الاماراتية إلى الازدهار عن طريق مكتب أيرينا، ما تزال علاقات دول الخليج الأخرى مع إسرائيل في ظلام كبير.
المملكة العربية السعودية، وهي التي ترى في إيران تهديداً كبيراً كالذي تراه "إسرائيل" في إيران، ضغطت بشدة ضد الصفقة النووية الأخيرة التي أنهت العقوبات المفروضة على إيران مقابل التطمينات بأن لا تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي.
ويضيف عيران أن المسؤولين السعوديين والإسرائيليين استخدموا نفس التكتيكات والمعلومات للضغط على إيران عبر واشنطن، ويتابع، "خلال العامين السابقين للاتفاق النووي بالتاكيد كان هناك الكثير من حالات التنسيق بين الطرفين".
وعلى سبيل المثال توجه وفد إسرائيلي إلى واشنطن للضغط ضد الاتفاق، ومن قبيل الصدفة تواجد هناك وفد سعودي آخر وذهب الوفدان في محاضرت مماثلة واستخدموا توصيات ووثائق متشابهة.
وكان موقع ويكلكس قد كشف في الفضائح التي نشرها عن وثائق تبين قناعة دول الخليج بإمكانية استخدام "إسرائيل" لمواجهة إيران. وهو ما دفع ياكوف هداس المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية للقول أن دول الخليج تعتقد أن "إسرائيل" بإمكانها صناعة السحر.
ومع اقتراب حسم الصفقة النووية قام صحفي سعودي يعمل كرئيس لقناة العربية بكتابة عمود استفزازي داعياً فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الاستماع إلى كلام نتنياهو عن إيران، وهي القطعة التي ينظر إليها على أنها تمثل التحام السياسة بين الخليج و"إسرائيل".
الصفقات التجارية - تحت الطاولة
يعد فتح "إسرائيل" لمكتب التمثيل في أيرينا - أبوظبي خطوة أولى على الطريق الذي قد يوصل البلدين إلى إقامة علاقة دبلوماسية كاملة ولكن هذا بعيد الآن بعض الشيء على الأقل عن العلن.
مكتب أيرينا سيمثل فرصة جيدة لـ"إسرائيل" لكي تضفي الشرعية على مواطنيها حال دخولهم الإمارات، وهو ما تسعى له "إسرائيل" خاصة مع تزايد الصفقات التجارية بين الجانبين.
وفي حين يقول المكتب المركزي للإحصاء في "إسرائيل" أن تل ابيب تصدر ما قيمة 5.3 مليون دولار من السلع إلى الإمارات،فإن الخبراء الأسرائيليون يقولون أن الرقم أكبر من هذا بكثير.
ويقول الدكتور ناحوم شيلوه الخبير في دول الخليج واقتصادها، "التجارة الكبيرة الحادثة بين إسرائيل والإمارات ليست عبر التصدير المباشر، ولكن يجري القيام بها عبر شركات خاصة تملك فروعاً في الخارج، وإسرائيل لا تعتبر دول الخليج ضمن الدول المعادية وبالتالي يسمح للإسرائيلين بعقد صفقات تجرية معهم بحرية."
ويضيف شيلوه أن معظم الصادرات الإسرائيلية للإمارات تتمثل في تكنولوجيا الزراعة والتكنولوجيا الطبية وأنظمة الاتصالات والتحكم الجوي ومنتجات الأمن الداخلي الأمنية. هذا عدا عن أن مسألة الأمن القومي مجال كبير للتعامل بين "إسرائيل" والإمارات وهم القطاع الرئيس الجامع بينهما عدا عن أنه يشهد عمليات توسيع كبيرة خلال الفترة الحالية.
وكان موقع "ميدل ايست آي" قد كشف في تشرين ثاني/2014 عن الطائرة السرية الخاصة التي تنظم رحلات تربط بين تل أبيب وأبوظبي، كما كشف في شباط/2015 أن "إسرائيل" باعت نظام المراقبة الشامل في أبوظي المعروف باسم عين الصقر.
وكان التقرير قد كشف عن وجود طائرة خاصة تتنقل بين "إسرائيل" والإمارات وتتوقف لوقت قصير في عمان، وقد يكون السبب في هذا التوقف هو أن كثير من المعاملات التجارية التي تتم بين البلدين تجري عبر بلدان أخرى أو وسيط ثالث، حيث يقوم رجال الأعمال الإسرائيلين الحاملين لجوازات سفر أجنبية بحمل بضائعم إلى الإمارات وأحياناً يستعينون بشركات أردنية.
ويضيف مصدر في قطاع الأعمال الإسرائيلي أن الوصول إلى دول الخليج يتم بشكل غير رسمي وأحيانا بمساعدة رجال الأعمال أو الشركات الأردنية وأحياناً عن طريق إنشاء مشاريع مشتركة بين الطرفين.
تقليدياً، فرضت دول الخليج قوانين لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ومع ذلك شهد العام 1994 تخفيفاً لهذا الأمر حين أنهى اعضاء مجلس التعاون الخليجي المقاطعة وغيروها إلى قصر الحظر على الشركات الإسرائيلية نفسها.
وقد أدى تواجد العديد من الشركات المتعددة الجنسية في الخليج إلى إعدم مقاطعة إسرائيل بشكل حقيقي او شركاتها في الخليج مع السعي الدائم إلى نقل المنتجات الإسرائيلية عبر وسطاء آخرينز
وكان مسؤول حكومي إسرائيلي رفض الكشف عن اسمه قد علق على هذا الأمر وقال:" العولمة في عالم الأعمال وطبيعة المنتجات الإسرائيلية تجعل تفعيل المقاطعة أمراً صعباً، فالعديد من النتجات الإسرائيلية الوسطية هي جزء من نظام أكبر ما يجعل من المستحيل تبع بلد التصنيع الحقيقي."
جولة مع جهود المقاطعة
جعلت هذه الصعوبات مسألة التعرف على مصدر المنتجات أمراً صعباً عدا عن لجوء الشركات الاسرائيلية بسهول إلى الالتفاف على المقاطعة والتجارة بحرية مع دول كالإمارات وبمعرفة مسؤولي الدولتين.
وقد عكر الأمر الكشف عن تورط "إسرائيل" في صفقة نظام عين الصقر، حيث يقول رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخافي أن الشركة التي باعت النظام إلى أبوظبي مقرها في سويسرا وتحمل اسم "آسيا" لكنها في الواقع شركة اسرائيلية وأبوظبي تعرف ذلك.
ووزارة الأمن الإسرائيلية هي من أصدرت الموافقة على بيع النظام لأبوظبي من خلال تاسيس شركة للتوسط بين الوزارة الاسرائيلية والإمارات وهذا النظام لن يكون الأخير بين البلدين.
وكان الرجل الأول في هذا الأمر هو ديفيد ميدان الذي يعد أحد أبرز المرشحين لرئاسة جهاز الموساد وكان يعمل في السابق في وكالة الاستخبارات في الخارج
وخلال هذه الفترة أقام علاقات جيدة مع رجال الاعمال ومسؤولي المخابرات في منطقة الخليج بما في ذلك المسؤولين في الإمارات.
وكان مسؤول حكومي اسرائيلي قد تحدث عن التداخل الحاصل بين القطاعين العام والخاص في دول الخليج وكيف جعل ذلك من السهل على اسرائيل بناء علاقات تجارية مع الغمارات وأضاف أنه كان يمهد الطريق لعلاقات كاملة ومفتوحة في المستقبل.
ويبدو أن بعض رجال الأعمال الإسرائيلين لديهم علاقات مع مسؤولين في الخليجن وحقيقة أن القطاعات السياسية في هذه البلدان غير منفصلة جعل مسألة التطبيع أسهل من السابقز
ولكن في الوقت الذي لا يبدو أن حكام الخليج قد عادوا إلى الذهب بما يختص بالعلاقات مع التجار الاسرائيليين، فما يزال كل شيء يجري تحت الطاولة عن طريق شركات اجنبية أو منظمات دولية.
المصدر: ميدل ايست اي - ترجمة: هيثم فيضي