رام الله – خاص قُدس الإخبارية: يطبق الإعلام الإسرائيلي نداء رئيس وزراء الاحتلال الأول ديفيد بن غوريون عندما قال، "وظيفة الإعلام تتلخص في حماية المشروع الصهيوني"، وتعتبر احدى الأجندات التي يعمل عليها الإعلام الإسرائيلي وتحديدا الناطق بالعربية، هي الترويج لما يدعي أنها اكتشافات أثرية يهودية في أرض فلسطين لاثبات الحق اليهودي فيها، في حين أن سلطة الآثار الإسرائيلية المجندة إعلاميا وسياسيا تعتبر المصدر الأول والأخير للاكتشافات التي يتم الترويج لها.
تغطية الإعلام للآثار اليهودية
تظهر المواد الصحفية المروجة للاكتشافات الأثرية بوضوح أكبر في الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية، حيث يتم استخدامها مرفقة بشروحات وسرد تاريخي، يخلص في نهايته إلى أن الآثار المكتشفة تعود للتاريخ اليهودي في فلسطين، بناء على تحليل علماء سلطة الآثار الإسرائيلية ومن وجه نظر التاريخ الإسرائيلي، وتنشر على شكل مواد صحفية في مواقع ناطقة بالعربية أشهرها، "الإذاعة العبرية، عرابيل"، "تايمز أوف إسرائيل"، وموقع "المصدر".
ومن بين ما نشرته هذه المواقع، "العثور على ختم عليه اسم ملك من مملكة يهودا في القدس"، "للمرة الأولى الكشف عن معسكر روماني بالقرب من مجيدو، والذي يعود للفترة التي قامت فيها الثورة اليهودية على الحكم الروماني في فلسطينين" حسب الرواية الإسرائيلية، "حمام طقوسي يعود تاريخه إلى 2000 عام، تحت أرضية بيت عائلة من القدس، الاكتشاف ظهر في مسقط رأس يوحنا المعمدان، ويشير إلى وجود قرية يهودية خلال فترة الهيكل الثاني" وخلال الشروحات التي يوردها الإعلام الإسرائيلي يقول أيضا بأن تصميمه مطابق لمواصفات الشريعة اليهودية".
ومن الأمثلة الأخرى أيضا من رواية الإعلام الإسرائيلي، "فسيفساء مذهلة في كنيس قديم في الجليل، قرية يهودية من القرن الخامس"، "حجر قديم من جبل الهيكل هو أقرب ما يكون لمعبد بيت المقدس، نقش هيرودي عمره 2000 عام يرمز الى أقدس جزء في القدس"، "العثور على ختم صخري صغير من فترة الملك داوود في تراب من الحرم القدسي"، ويتمحور غالبية المواد للحديث عن الأماكن المقدسة في مدينة القدس المحتلة، والهيكل المزعوم.
القوة الثانية عالميا
لا يُخفي الإعلام الإسرائيلي سعيه منذ احتلال فلسطين للتأكيد على أنها أرض يهودية وحق للشعب اليهودي، للتماشي مع المشروع الصهيوني القائل، "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ويتم الترويج لذلك في الإعلام على أن فلسطين أرض محررة وليست محتلة، ويتم ذلك بتوجيه من السلطات الإسرائيلية والجهات الرقابية المسؤولة، التي التزمت بتعمليات بن غوريون عندما قال بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، " نحن بحاجة إلى رقابة حرة ومخلصة؛ يجب علينا أن نزن أقوالنا جيدا".
ويؤكد ذلك ما قاله الحاخام الإسرائيلي يريتسورن في بدايات المشروع الصهيوني، "إذا كان الذهب هو القوة الأولى في العالم، فإن الصحافة هي القوة الثانية، ولكنها لا تعمل من غير الأولى، فعلينا أن نستولي على الصحافة بالذهب"، وهو ما يعبر عن الرؤية الفكرية والاستراتيجية لوظيفة الإعلام الإسرائيلي لخدمة الوجود اليهودي الإسرائيلي في فلسطين.
وحسب ما أشارت إليه باسمة طنطور وياسمين الضامن في دراسة عن الدعاية في الإعلام الإسرائيلي، فإن جهاز الدعاية الإسرائيلية، يعتبر أن لحظة قيام دولة الاحتلال أبطلت التاريخ السابق التي يجسدها التاريخ الفلسطيني بجذوره في محاولة لإسكاته، واستخدمت الدعاية الإسرائيلية تقنية التكرار في عرض التاريخ اليهودي، كتكرار المواد الصحافية التي تتحدث عن الاكتشافات الأثرية، كما عمل في قضية الهولوكوست المحرقة النازية حيث يتم تكرارها بشكل مستمر كي لا تنسى.
وفي ذات السياق، يستخدم الإعلام الإسرائيلي المصطلحات ذات الدلالة التاريخية اليهودية حسب ادعاءاته، مثل "يهودا والسامرة" بدلا عن الضفة المحتلة، السكان بدلا من المستوطنين، أعمال هندسية ذات طابع أمني بدلا من التجريف والهدم والحفر.
كما يعمل بتقنيات الفبركة، والمعلومات الخاطئة، والتضليل الإعلامي الموجهه، والتستر والتعتيم، ويهدف بتغطيته هذه إلى ربط الإسرائيليين في أرض فلسطين التاريخية، وزرع هذه الفكرة في أذهان الطالب الإسرائيلي، إضافة إلى التحريض على الوجود الفلسطيني، حسب ما أشار إليه مختص الإعلام السياسي والدعاية خالد العزي.
مدرستان
من جهته قال الخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت لـ قُدس الإخبارية، "علم الآثار مجند لاثبات أن أرض فلسطين التاريخية لليهود، ويتم تقديم الاكتشافات الأثرية على أنها دليل ذلك"، مضيفا، أن القضية بالنسبة لليهود تتعلق بوجودهم واستمراريتهم على أرض فلسطين.
وأضاف أنطوان، بأن هناك مدرستين في دولة الاحتلال لما يتعلق بالاكتشافات الأثرية في أرض فلسطين، الأولى الرسمية التي تعبر عنها سطلة الآثار والحكومة الإسرائيلية، وهدفها التقليل من قيمة الآثار المتعلقة بالأجناس الأخرى، وتهتم بالآثار اليهودية لايصال رسالة إلى العائم أن هذه الأرص تعود لليهود.
أما المدرسة الثانية فهي المدرسة النقدية التي تنفي ذلك وتعتبر بأن أرض فلسطين فيها الكثير من الآثار المهمة للشعوب والأجناس الأخرى، إلا أنه في نهاية الأمر لا يمكن تصديق الرواية الإسرائيلية حول الاكتشافات الأثرية.
وخصص موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية أيقونة خاصة لعلم الآثار للتعريف بأهمية ومكانة الآثار اليهودية، في حين أن الموقع يتناقض مع موقع سلطة الآثار حيث أن عدد المواقع الأثرية المثبتة في "إسرائيل" يبلغ حوالي 20 ألف موقع، بينما تدعي وزراة الخارجية بأنها بلغت 30 ألف موقع.
من جهة أخرى، قال البروفيسور اليهودي شلومو زاند،" إن أراد اليهود البحث في تاريخهم عبر الحفريات والتنقيبات فعليهم أن يتوجهوا إلى روسيا للبحث في حقيقة اليهود الأشكناز وأصولهم وآثارهم هناك".
يشار إلى أن خبراء ومختصين أكدوا مرارا على أن سلطات الاحتلال سرقت آثارا عربية وإسلامية تاريخية من مواقع الحفريات أو هدمت مناطق أثرية كاملة بإقامة مشاريع تهويدية جديدية فوقها ثم زعمت أن المواقع التي أنشأتها تاريخية، هذا عدا عن إحضار آثار يتم تصميمها في الخارج ووضعها في الأراضي المحتلة على أنها أثرية وتم العثور عليها.