أطلقت قوات الاحتلال النار على الصيادين الفلسطينيين قبالة سواحل بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم السبت الماضي. وسبق ذلك إطلاق قوات الاحتلال النار على صيادين من قطاع غزة في مناطق أخرى من الساحل الفلسطيني بغزة.
وتحاصر قيود الاحتلال صيادي غزة للقيام بالصيد ضمن حدود 3 ميل بحري، وحتى عندما لا يتجاوزون هذا الحد الصغير من البحر فإن قوات الاحتلال تعمد إلى اطلاق النار عليهم واعتقالهم في كثير من الأحيان في تعد صارخ على حقوقهم.
مؤخراً نشرت مؤسسة الحق تقريرا للبحث عن الدواعي الأمنية الحقيقية التي يستخدمها الاحتلال لتبرير استهداف الصيادين المستمر هناك. وتضمن ذلك استغلال ومنع تطوير النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتستخدم "إسرائيل" القوة المفرطة لمنع وصولهم إلى المناطق المحتمل وجود مصادر الطاقة فيها.
ويظهر واضحاً أن "إسرائيل" لا تسعى لأي عملية للدفاع عن النفس بهذا الاستهداف بل تقوم بذلك للدفاع عن تطوير مواردها الطبيعية وفي الوقت نفسه استغلال المصادر تلك في خدمة "إسرائيل".
وكانت السلطة الفلسطينية قد قامت بتأجير حقول الغاز الطبيعية قبالة سواحل غزة لشركة غاز بريطانية. وحفرت الشركة بعد موافقة رئيس الوزرا الإسرائيلي عام 2000 إيهود باراك بئرين في المنطقة ووجدت احتياطات غاز ضخمة هناك تقدر بقيمة 1.4 تريليون قدم مكعب تثمن ب 4 مليارات دولار.
وحينها أبحر الرئيس الراحل ياسر عرفات عبر قارب إلى تلك المنطقة حيث اللهب المشتعل الخارج من مصافي آبار الغاز تلك وقال عرفات في حينها: "هذه هدية الله لنا لشعبنا وأطفالنا. هذه سوف توفر أساساً متيناً لاقتصادنا ولإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف".
لكن فلسطين لم تكن قادرة على الاستفادة أبداً من هذا الاكتشاف، حيث أصدرت "إسرائيل" قراراً سياسياً يمنع تطوير خط أنابيب الغاز الفلسطيني. وهو ما أسفر عن قتل إمكانات سوق تصدير الغاز الفلسطيني. ورفضت بعد ذلك حكومة أرئيل شارون اقتراحا يقضي بشراء الغاز من غزة. وحتى الآن لا يزال الفلسطينيون غير قادرين على الاستفادة من حقول الغاز تلك أبداً.
من جهتها، اكتشفت "إسرائيل" حقول غاز طبيعية كبيرة أخرى، منها حقل ماري بي وهو الحقل الأقدم والأهم لـ"إسرائيل". ووفقاً لتقرير مؤسسة الحق فمنذ اكتشاف الحقل ماري بي في عام 2000 قيدت بحرية الاحتلال حرية الصيادين الفلسطينيين في الوصول إلى عمق 6 أميال بحرية بدل 20 حسب ما كان متفقاً في اتفاقيات أوسلو.
لاحقا أنشأت بحرية الاحتلال منطقة عازلة حول الحقل ماري بي في تجاوز خطير للقانون الدولي والذي يقضي بأن لا تتجاوز المنطقة العازلة حول أي منصة نفط او غاز خارج البحر الإقليمي دائرة نصف قطرها 500 متر.
وتضيف مؤسسة الحق أن مهمة حماية خط انابيب العريش "والتي تقع في قلب المياه الأقليمية" هو أحد أسباب هذا الحصار الإسرائيلي على الصيادين. ففي عام 2005 وقعت "إسرائيل" ومصر مذكرة تفاهم لبيع ونقل الغاز الطبيعي عبر أنابيب الغا،ز وكنتيجة لهذا الاتفاق انجز خط أنابيب العريش بطول 100 كم عام 2008 وبلغت تكلفته قرابة 550 مليون دولار ويمتد من العريش حتى عسقلان.
ووفق التقرير فإن خط الأنابيب هذا عمل كدافع رئيسي وراء حرب إسرائيل على غزة عام 2008- 2009. فبحلول فبراير من العام 2008 بدأت التجارب التشغيلية لنقل الغاز عبر خط الأنابيب. وفي آب من عام 2008 وضعت إسرائيل قيوداً جديدة على الصيادين الفلسطينيين قبالة سواحل غزة. وفي كانون أول من العام 2008 شنت "إسرائيل" عدوانها الشهير على غزة وهي عملية وفق مؤسسة الحق كانت ذريعة لفرض حصار بحري على قطاع غزة.
وسارعت "إسرائيل" إلى تنفيذ اقتحام بري كبير رافقه عمليات قصف كبيرة بالإضافة إلى تواجد كثيف في البحر لفرض هذا الحصار، وعلى الرغم من الانسحاب الاسرائيلي البري في نهاية أيام الحرب، إلا ان البحر لم يشهد انسحاباً مشابهاً بل استغلت قوات الاحتلال العمليات العسكرية ونشرت قوات بحرية وعسكرية كبيرة بمحاذاة خط الأنابيب تمهيداً لتشغيله حيث كان مقدراً للخط أن يبدأ بالعمل بطاقته الكاملة خلال تلك الفترة.
وخلال حروب "إسرائيل" المتكررة على قطاع غزة عمد الاحتلال إلى تدمير محطات توليد الكهربا والبنى التحتية في القطاع. فمحطة توليد الكهربا في القطاع جرى تدميرها 5 مرات خلال تلك الفترة وبهدف واضح للحفاظ على سيطرة مطلقة للاحتلال على إمدادات الطاقة للشعب الفلسطيني المحتل.
هذا الأمر يترك الفلسطينيين في حالة من التبعية المطلقة لـ"إسرائيل" في مسائل الطاقة، وهي حالة مريحة بالنسبة لـ"إسرائيل". ففي الضفة الغربية بدأت هذه العملية في أعقاب إنشا مستوطنة كريات أربع في الخليل. حيث منحت أوامر عسكرية لهذه المستوطنة الحق في توريد وبيع الكهربا إلى الأدارة المدنية وتزويدها للفلسطينيين في المنطقة.
واليوم تملك شبكة الكهرباء القطرية ما يقارب 95 بالمئة من إمدادات الكهربا في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ثلثي الإمدادات الكهربائية إلى قطاع غزة بقرابة 120 ميجا واط من خطوط التغذية الكهربائية الإسرائيلية.
ووفقاً لوزير الاقتصاد الفلسطيني فإن الطاقة تشكل أعلى مساهمة في ميزانية العجز التجاري الفلسطيني مع "إسرائيل". وتجزم مؤسسة الحق وفق ما أعلنت أن الغاز المورد من قطاع غزة وحقوله في حال السيطرة الفلسطينية عليه سيكون كافياً لتزويد كافة المناطق الفلسطينية بالطاقة دون أيجاد أي اعتماد على الاحتلال في الأمر.
احتياطات الغاز الفلسطينية قرب سواحل قطاع غزة هي واحدة من حالات الاستغلال الإسرائيلي المستمر للموارد الفلسطينية. هذا عدا عن استخدام "إسرائيل" المستمر للأراضي الفلسطينية الصالحة للزراعة والمياه والجمارك وغيرها والهدف الواضح دوماً ان الاحتلال يرفض توفير أي فرصة قريبة أو بعيدة لتسيير قيام دولة فلسطينية ذات مؤهلات طبيعية للصمود والقيام.
المصدر: ميدل ايست مونيتور - ترجمة: هيثم فيضي