شبكة قدس الإخبارية

لتستعيد المساجد والقرى دورها

إياد الرفاعي

من أقدم وسائل الاتصال وأكثرها فعالية، الاتصال الوجاهي، الذي يلتقي فيه المرسل والمستقبل بشكلٍ مباشر، يسمع الثاني الأول بكل وضوح، وتصله الرسالة بشكل مباشرٍ وسريع، ومن أكثر هذه الوسائل رواجًا وتحقيقًا لتأثيراتٍ ناجعة بالجمهور المستقبل، كانت دور العبادة.

نأخذ هنا خطبة الجمعة في المساجد مثالًا..

منذ فترة طويلة، ذبلت مأذنة مسجدنا، مثلما ذبلت مآذن مساجدٍ كثيرة في فلسطين، أصبحت خطبة الجمعة قشرية مقتصرةً على شرح الدروس المقررة بمنهاج التربية الإسلامية في المدارس، من حيضٍ ونفاس، وكيفية الصلاة والصيام! وعلى أهمية هذه العبادات والمعلومات في الإسلام، إلا أنها مما علم من الدين بالضرورة، أي لا يصلح إسلام الفرد إن لم يكن على علم بها، وخطيب الجمعة اليوم، يخطب بالمحامي، الطبيب، المهندس، الصحفي، أستاذ اللغة العربية، والمحاضر الجامعي، وهم على اطلاع جيد بهذه المعلومات، التي نحتاج جميعنا للتذكير بها، بطريقة أو بأخرى، إلا أن الجمع الكبير الذي يحتشد في المسجد يوم الجمعة، ولا نرى مثيلًا له في أي مكان ووقتٍ آخرين، يستوجب من الخطيب المثقف والواعي أن يزرع بجمهوره من المصلين، قيمًا نضالية ووطنية، ترقى بتضحيات أبناء شعبنا.

خلال خطبة الجمعة الماضية، تحدث إمام مسجدنا الشاب، عن الأوضاع الراهنة، والتضحيات المبذولة خلالها، وهذا الحديث غاب كثيرًا عن منابر المساجد، فرحت كثيرًا، ومثلي جمع من الشبان، لعودة المنابر لطريقها الصحيح، في نشر وتعميم الحالة النضالية على هذه الجموع المحتشدة لأجل الله، ونحن أيضًا نريد وطنًا نعيش فيه تحت ظل الله ورحمته، لا ظل بنادق المحتل وزنازينه.

تطرق الخطيب في الشق الثاني من الخطبة لموضوع آخر، لا يقل أهمية عن الأول، ولا أنكر أن هذا الموضوع كان يجول في خاطري منذ فترة طويلة، وعنوانه "القرى تضيق بشبابها"..

هذه القرى تعود اليوم لتقول كلمتها خلال الانتفاضة الحالية، وفعلًا قدمت الشهداء والجرحى والأسرى، فالمواجهات في القرى هي الأكثر احتدامًا، وألهب وطيسًا، فمستوطنات الاحتلال وشوارعه الالتفافية تمر من أراضيها قاب حجرين أو أدنى، يخنقها الجدار حينًا، واعتداءات المستوطنين أحيانًا أخرى.

على غرار مواجهات المدن، التي أصورها شخصيًا، كحلبة المصارعة، يأتي إليها شباننا، ويبقى الخيار لجنود الاحتلال متى أرادوا الدخول للحلبة، ومتى شاؤوا ينسحبون.

وهنا يعود الدور للمساجد وللمؤسسات المحلية، لتزرع داخل الأجيال القادمة مدى أهمية القرية والريف، وكيفية الانتماء لهذه البيئة التي يجب علينا الافتخار بها، والتي يتوجب علينا جمعيًا أن نخوض انتفاضة أخرى، لنعيد لها مكانتها، عن طريق خطوة أولى توضحت بشكلٍ إيجابي عقب محرقة آل دوابشة في قرية دوما، هناك وبعد أن تلقينا صفعة تركت حرقًا كبيرًا في قلوبنا، وفي وجنتي الطفل أحمد دوابشة، الناجي الوحيد من عائلته، شكل الأهالي لجان حماية شعبية، تسهر لحراسة أمن قريتهم.

هنا على القرى الأخرى أن تستيقظ باكرًا ولا ننتظر محرقة أخرى، ولا كارثة أخرى، ولا ضحية ولا قربان، هنا وفقط هنا، علينا أن نتكاثف جميعًا، لإعادة دور القرى حاضرًا إعلاميًا وثقافيًا وميدانيًا، علينا تعزيز ثقة الشباب القرويين ببيئتهم، وبمدى رغد العيش الذي ينعمون به، والذي يتمناه ابن المدينة، من هواء نقي، ومناظر طبيعية، وانعدام الازدحام والضوضاء.

ولا ننسى ما تمنحه القرية من غطاء للمقاومين، تحرمهم منه المدن، فبين أشجارها قضى المطاردون أيامًا وليالٍ طوال خلال الإنتفاضتين الأولى والثانية، وعلى أطرافها، دفع مستوطنون أرواحهم ثمنًا لاغتصابهم أرضنا، لذلك فهذه القرى تستحق أن يضحي ساكنوها ببعضٍ من رفاهية المدن لتبقى القرى صامدة، ولا تترك لقمة سائغة في فم وحش الاستيطان، وهذا كله يسقط أحيانًا أمام إغراء مدن أوسلو، التي نقضي لياليها في الشوارع مشاةً، أو في مقاهيها لاهين.