شبكة قدس الإخبارية

الشباب الفلسطيني بين التشدد الحزبي وتقبل الآخر

عبدالله عمار المصري

أحزننا جميعا الأسبوع الماضي اعتداء طلاب في جامعة النجاح منتمين لأحزاب مختلفة على بعضهم لفظيا وجسديا، فالحادثة تعتبر أمرا جزئيا من مشكلة قائمة في الشارع الفلسطيني رغم الانتفاضة الحالية، لها علاقة بفمهوم الاختلاف السياسي وتقبل الآخر، وايجاد البيئة الوطنية والفكرية لانهاء تقسيماتنا الداخلية، وهذا ما أود تسليط الضوء عليه.

تعتبر الفترة الحالية في الضفة الغربية وفلسطين فترة مميزة جدا، فقد تخلينا عن خوفنا ونزلنا الى الشوارع، قاومنا وحاربنا ووجهنا ضربات هي الأعنف منذ زمن طويل للإسرائيلين، توحدنا تحت راية "الانتفاضة" بعد فرقة وقطيعة امتدت سنين طويلة، وضعنا انتمائتنا الحزبية خلفنا وجددنا انتمائنا لوطننا فلسطين، لذلك كان ما حدث في جامعة النجاح موقف غريبا ومستهجنا، لكننا لن نركز على مجريات الحدث نفسه بل الى ماذا يشير.

الاتباع والانتماء

فكرة الانتماء والولاء لمجموعات وتنظيمات واشخاص في مناصب قيادية تمثل جزئية لا بد منها في أي مجتمع، تختلف هذه التنظيمات في مبادئها وافكارها واستراتيجيتها، لكنها عادة تصب في نفس الهدف وهو خدمة المجتمع التي تشكل جزءا منه.

عند المجتمعات المتقدمة فكريا، نجدهم يعرفون قيمة الفرد والانسان الحقيقة، فيمدحون وينتقدون، ويشكرون ويلومون، بلا زيادة او نقصان، وبلا تقديس او احتقار.

الا انه في بعض المجتمعات الرجعية، تسود فكرة تقديس الأشخاص في مظاهر تختلف وتتنوع لتنتهي عادة بأن تنزله منزلة اله، بل ربما اعلى، وقدسية الشخص لا مساس بها من قريب ولا من بعيد، والتعدي عليه تعدي على كل اتباعه وكل من يعظمه، اما في هذه المجتمعات فأنت اما انك لا ترقى لمستوى تعتبر فيه انسانا ولك صوت وحقوقاو انك القائد والزعيم فحينها مقعدك فوق الريح والسحاب، بعيد عن متناول اتباعك، ووصولك شبه مستحيل.

الاختلاف والخلاف

عند التقاء الأطراف المختلفة، فالأصل هو احترام متبادل خاصةً حين الجدال والحوار، لكن نجد السيناريو مختلفا عند المجتمعات الرجعية، حيث يتأثر اتباع الأحزاب وبحساسية زائدة لكل قول او ادعاء لا يتفق معهم، ثم تبدأ سلسلة من العنف والاقتتال المضروالغير مجدي، الذي يتغذى على عزة النفس الغريزية والعصبية والحمية الجاهلية التي ليس لها داعي ولا لها اثر يحمد، فينتهي الصراع بخسارة الطرفين معاً.

فيجب أولا احترام المخالفين لما نحمله من اراء واعتقادات، ومحاورتهم ومجادلتهم بشكل حضاري، والتعامل بطريقة عقلانية ومنطقية بعيدا عن ردات الفعل العاطفية والعاب اللوم، وان يحافظ كل طرف على الالتزام بحدوده في نطاق حرية التعبير.

الأحزاب والوطن

جميع الأحزاب لديها اجندة واهداف محددة، لكن هل التبعية للأحزاب غير محدودة؟ وما هي الحدود؟ وما هي المراجع لنجد الاجوبة؟

يبحث البشر كلهم عن مصالحهم في هذه الحياة ومن الطبيعي ان تتفق مصالحهم مع البعض، وتتعارض مع غيرهم،وبنفس الطريقة، تتفق مصالحهم ومعتقداتهم مع بعض الأحزاب وأهدافها واجندتها، ويختارون تحالفاتهم وعداوتهم بوعي وبحساب.

الا ان الواقع يختلف، فنجد الكثير من الناس يتبع حزبا او شخصا او جهة بلا وعي وبلا أسباب منطقية وبلا مصلحة مباشرة لهم، بل أحيانا تصل الى ان تكون مصدرا للضرر، ويفقدون البوصلة والاتجاه والهدف، فيتركون حياتهم تتجه باتجاهات مأساوية بدون تدخل منهم او اعتراض او محاولة اصلاح، ويسلمون حاضرهم ومستقبلهم لجهات تستخدمهم بلا مقابل، وهكذا تكون نتائج الاعمال الغير محسوبة والغير مبنية على تفكير عقلاني منطقي واع.

علينا الا نميل عن الأساس وعن وهدفنا الأسمى في فلسطين، فالخيانة الحقيقة للوطن والقضية، هي ان تختار ان ترعى مصلحة حزبك على مصلحة قضيتك عند تعارضهم، بوعي او بلا وعي.

ربما يثار سؤال هنا، من يحدد المصلحة الوطنية؟ ومن هو المحول في تحطيط مصلحة القضية؟ لا بأس أن نعمل بأبجديات السياسة الأولية حتى نعرف الإجابة.

الانتفاضة والمستقبل

خلال الانتفاضة الحالية، شاهدنا وعرفنا كيف بإمكاننا او نكون ونفعل في توحدنا، وأنه لا يمكن للعقل ان ينكمش ويتقلص من بعد ان يتوسع بمعرفة جديدة، فإن لم تتعظ الأحزاب الموجودة وتغير من نهجها فمن المؤكد ان لا مكان لهم في المستقبل، والفرصة لعودة الحكم الى يد الشعب اقوى من أي وقت مضى، ليستبدلهم بأحزاب وتنظيمات جديدة، تعود لتقف على الدور الحقيقي للأحزاب والتأثير في الشعب ودعمه وحمايته. علينا ان نعمل معا لمشروع وطني جديد، وحتى نستطيع ان نعمل معا فعلينا ان نركز على أرضية مشتركة وعلى أوجه الشبه لا على الاختلافات، ونتحمل ونتفهم اختلافاتنا، والأهم من ذلك، ان نتعلم كيف نتحاور ونتشاور بطرف حضارية مفيدة منتجة.

في الختام، كل ما سبق سيبقى خيالا واحلاما، ان لم نعمل على المحرك ومصدر التغيير .. الفكر، الفكر ومستوياته ومكوناته هو الجواب وكلمة السر، الفكر على مستوى الأفراد، وماذا يحمل كل منا من أفكار وقناعات عن نفسه وعن الآخرين وعن الوطن والقضية وابعد من ذلك ليشمل كل متعلقات الحياة. هل ترى في نفسك انساناً بكل ما تحمل صفة الإنسانية من معاني عظيمة؟ وهل تنظر الى الآخرين على انهم أناس في نفس المستوى ولهم ما لك؟ هنا جوهر القضية، ومنه ننطلق الى ما هو ابعد.