شبكة قدس الإخبارية

محكمة فتيات الانتفاضة

عبدالله عمار المصري

القاضي: الواقعية

المدعي: بعض فئات المجتمع الفلسطيني

المتهم:  الفتيات المشاركات في مواجهات انتفاضة القدس

التهم:

  • تخلي الفتيات عن "جهادها" في بيتها ومع أهلها، ونزولها للمظاهرات للاستعراض ليس إلا، وبلباس غير لائق، كما أن تواجدهن ليس له تأثير في التظاهرات لضعف قوتهن البدنية بل يشكل خطراً عليهن.
  • تقوم الفتيات بالتشويش على الشباب في المظاهرات بعدة طرق.
  • عدم التزام الفتيات بلباس محتشم كالحجاب، والتبرج سبب في تأخر نصر الله.

حتى نستطيع أن نرد على هذه التهم وجب تحليل مصادر تلك الاعتقادات وكيف توصل أصحابها إليها ...

المصدر الأول: ما بين الدين والعادات

يتخذ كثير من المحافظين العادات والتقاليد ديناً، وبذلك يظلمون المجتمع والدين معاً، ونتيجة لسوء الفهم والتأويل، برزت هذه العيوب:

مفاهيم خاطئة متعلقة بالدين، متفشية في المجتمع منذ القدم، اختلطت مع العادات والتقاليد، يصعب الكشف عنها، لكنها موجودة في المناهج الدراسية ومترسخة في العقول.

يُذكر هنا أن عادات وتقاليد المجتمع لها سلطة على حياة الأفراد لكنها ليست مطلقة ، وإن كانت عادات وتقاليد المجتمع مثخنة بالعوار الأخلاقي والإنساني ومعارضة لأسس الدين، فلا طاعة لها ولا سلطان الى أن يتم إصلاحها.

فكرة التدين الشكلي طغت على مفهوم عمق الدين الحقيقي في المنظور الفلسطيني عند بعض الفئات، فأصبح الدين هو بالشكل الخارجي فقط. وأصبحت فكرة تأخر نصر الله قائمة على "تبرج" الفتيات بالسياق المستخدم .

النصر له عوامل وأسباب كثيرة، أخذ بعتبارها وذكرها الدين ولكننا حجرناها وتناسينا أنها جزء مهم، لو أردناها حقاً وجب علينا الاهتمام بها وفهمها وتمييزها، مثالها الاستراتيجية المتقنة والإدارة الحكيمة للموارد الداخلية والخارجية. الرسول محمد  كان قدوة في الأخذ بالأسباب كما كان قائداً ومديراً وسياسياً محنكاً، لقد حافظ وأصحابه على الاتزام بروحية الدين كجزء مهم من الأخذ بالأسباب، اذا فالأسباب تشمل ذلك وليست مقتصرة عليه. 

المصدر الثاني: المخزون الثقافي

المجتمع الفلسطيني لديه مخزون ثقافي فيه نسبة كبيرة من التناقضات والمعتقدات الغريبة، منها:

لا تزال بعض الفئات ترى المرأة أو الفتاة كغرض، ليس له عقل أو قدرة على المساهمة الفاعلة، وإن تنازلت تلك الفئة ونظرت الى المرأة كإنسان، فإنها تنظر اليها كإنسان أدنى منزلة، أي ليس لها من الحقوق كما لغيرها، ويتبنى وجهة النظر هذه رجال ونساء أيضا.

إن هوس التحكم موجود في فئات كثيرة من المجتمع، أبرز مثال عليه هو في العلاقة بين الأخ والاخت، حيث أن الاعتقاد السائد أن للأخ السيطرة والتحكم والسلطة المطلقة على أُخته، فهي لا تملك القدرة الكاملة على التفكير الصائب ومتابعة مصالحها، ولذلك تُسلب استقلاليتها وحريتها، ويبقى الحال على ما هو عليه إلى أن تنتقل الفتاة إلى واقع سيطرة جديدة تُسند للزوج.

الفرق في نظرة البعض الى الفتاة المحجبة وغير المحجبة، فغير المحجبة هي مناسبة للـ"تطقيس" والمعاكسة والاعتداء الجسدي او الفظي، فيتم أحياناً شتمها وشتم أهلها على عدم تربيتهم لها. ومهما فعلت فهي بالنهاية غير محجبة ولن يُقبل منها شيئ والذنب ذنبها، وكأن الحجاب أصبح عند البعض بمنزلة أعلى من الشهادتين في التثبت من الايمان.

وجب ذكر ان الإسلام وفهمه ليس مقتصر على أحد دون غيره وفئة دون غيرها.

من يؤمن بأن مشاركة الفتاة في المظاهرات بلا تأثير لعدم توفر قوة جسدية لها فهو يمس جوهر المظاهرات نفسه، حيث أن رمي الحجارة والمولوتوف وغيره تأثيره على قوات الاحتلال بسيط ومحدود ونفسي بالدرجة الأولى، وبالمقابل فإن رصاصة واحدة لها القدرة على إصابة انسان بشلل أو حتى قتله. اذا، التظاهر ليس للفوز بحرب قوى ولكن للتعبير عن الغضب الشعبي وعدم الرضى عن الوضع الحالي ورفض الظلم، وحق التعبير ليس حكراً على احد وحق لفئة دون غيرها ، بل هو حق للجميع. "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان" خطاب ديني موجه للجنسين .

شروط الرجولة، من شجاعة وإقدام وحزم وإرادة قوية قد تتواجد عند الذكور والإناث على حد سواء. تعرض الفتيات للخطر بأنواعه من الجانب الاسرائيلي كوسيلة للضغط على باقي الفتيات لعدم المشاركة هو جزء من الحرب النفسية، هذا النزاع له طرفان، فالاسرائيليون أيضا لديهم أسلحتهم، تأتي هنا أهمية فهم الخطر القائم على أنه تكلفة للمشاركة في التظاهرات، ووجب الفهم ان الأفعال لها عواقب، ويأتي القرار بعدها اما بالصبر والاحتساب ودفع العزائم بالمشاركة بشكل أقوى وأكثر كثافة أو الانسحاب الهادئ وعدم الدخول في مجازفة او مخاطرة.

المصدر الثالث: الحالة النفسية العامة

اذا أردنا أن نكون مثاليين، فكل فرد لديه "مرض" نفسي من نوع ما، وكل مجتمع لديه مشاكله النفسية أيضا، فالفرد والمجتمع الفلسطيني يعاني من أمراض متجذرة، من أسبابها العيش عشرات السنين في بيئة يشوبها الكثير من الإعتقادات الخاطئة، لذا، تبرز مجموعة من المشاكل:

النظر إلى الفتاة بمنظور جنسي بحت معظم الأوقات وإنتقاص من قيمتها في أي منظور آخر، واعتبار الشاب "مسكين"، ويجب عليه ان يقاوم إغراءات الفتيات المتعمدة له سواء في التظاهرات أو الجامعات اوالشوارع  وغيرها.

الحالة السائدة من الفراغ والضياع بين فئة الشباب وعدم الاستثمار بهم، أدى الى منحدر وتدني مستوى الوعي وخلل في إعمال العقل كما يجب، والجري وراء النفس وشهواتها، واللوم هنا يقع على الشباب قبل أي فئة أخرى، فالقدرة على التغيير دائما بأيديهم.

والأهم، هي الصورة المعكوسة بالإيمان العميق أنه من حقي كفرد أن أحكم على من أريد كما أريد حتى لو تضمن ذلك ان أُمثل الدور الإلهي وأُحدد، الشهيد من القتيل، والمؤمن من الكافر، والخطئ من الصواب. الحكم على الناس ليست وظيفة بشرية، بل وظيفة إلهية، وكل انسان مسؤول عن أفعاله وأقواله أمام الله.

كثيراً ما نجد التدخل في شؤون الغير –باسم حرية التعبير وإبداء الرأي-  وهو مرض متفشي في المجتمع ونتائجه سلبية لا تُعد ولا تُحصى، ومتى ما تفاقمت مشكلة او سوء تفاهم، يتم أولا شخصنة المشكلة ، ويتم تجاهل نقطة الخلاف الأساسية وتنحرف البوصلة وربما يصل التصعيد في الخلاف إلى القتل، فوجب إذا فهم الحريات، أين تبدأ وأين تنتهي .كما قال تعالى "وما عليك الا البلاغ المبين".