القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: تستمر حكومات الاحتلال المتعاقبة بتنفيذ مخططاتها الرامية لتهويد كامل القدس، على اعتبار أنها شمّاعة التحشيد الإسرائيلي في فلسطين، ودعاية الحركة الصهيونية الأم، حيث يعتقد الإسرائيليون بأنه حجة كافية لامتلاكها، واستبدال سكانها، وبناء الهيكل المزعوم، باستخدام أساليب الدعاية والترويج الإعلامي، والتدرج في التوقيت والوسيلة الإحتلالية المناسبة.
ويمكن تأطير كل ما تقوم به حكومة نتنياهو في القدس بأنه احدى الخطوات التي تخدم المشروع الصهيوني الأكبر في القدس، بدءا من سياسة اقتحامات الأقصى المتكررة، وهدم المنازل والتضييق، والتوسع الإستيطاني، ومقترحات نتنياهو بسحب حق المواطنة والإقامات من سكان القدس الفلسطينيين، وفرض الحصار على الأحياء الفلسطينية، واستخدام سياسية العقوبات الوقائية، وغيرها الكثير من التفصيلات التي أعطت القدس خصوصية لدى الإحتلال خلال أحداث الانتفاضة القائمة.
التأصيل التوراتي للتهويد
اعتمدت الحركة الصهيونية على النصوص التي ادعت بأنها من التوراة، بهدف الترويج لمكانة القدس، وضرورة احتلالها وابقائها تحت السيطرة اليهودية، وحشد اليهود في فلسطين، وأطلقوا على دولتهم اسما دينيا لنبيهم "إسرائيل"، معتمدين على أسلوب "الفكرة المحفزة لمشاعر الناس، ونداء الرب"، وكان هذا القصد من وراء استخدام المسميات الدينية.
ووردت عدة نصوص مزعومة في التوراة من سفر المزامير وزكريا تقول إن القدس هي العاصمة التي "لا يمكن للرب أن يستقر أو يُعْبَدَ إلا فيها"، "الرّب اختار صهيون واشتهاها مسكناً له"، "أرض الرّب أورشليم التي اختارها لنفسه"، إضافة إلى "إن نسيتك يا أورشليم تنسى يميني" وغيرها.
ومن خلال متابعة الإعلام الإسرائيلي لأحداث القدس الأخيرة، نجد أن الصلوات اليهودية، ومراسم الأعياد، واقتحامات المستوطنين والمتشددين للأقصى، وتقسيم الأقصى مكانيا، ومحاولة تقسيمه زمانيا، تنبع من هذا الإطار الديني الذي يهدف للإستيلاء على القدس، وفي نفس الوقت فإنه يعتبر مصدر الرؤية اليمينية الإسرائيلية السياسية للقدس، علما أن التيار اليميني هو المسيطر في الأوساط الحكومية والشعبية في "إسرائيل"، وفي القدس خاصة.
نظرة القادة الإسرائيليين
لم تمت فكرة التحشيد الإسرائيلي في القدس خلال سنوات القرن الماضي، فقد عكف القادة والسياسيون الإسرائيليون على إطلاق التصريحات والخطابات التي بقيت مغروسة في رؤوس جيل إسرائيلي بأكمله، وأصبحت تدرّس في مناهجهم، تحرضهم على احتلال القدس.
ومن بين ما يحفظه ويدونه الإسرائيليون من ذلك، يقول مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل "إذا قُدِّرَ لنا يوماً أن نمتلك القدس، فسوف ندمر كل ما هو غير مقدس عند اليهود فيها"، بينما تحدث بن غوريون عام1967 بأنه "لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل".
وكان وزير جيش الاحتلال في 1967 موشيه ديان قد أشار إلى لحظة احتلال القدس بأنها "اللحظة التي تتجاوز في أهميتها قيام دولة إسرائيل"، وقال ديان في حينها بصريح العبارة أن مسألة القدس ليست مرتبطة بالقوة العسكرية وإنما بالقوة الدينية، معتبرا خطوة احتلال جزء منها تمهيدا لاحتلالها بالكامل. وفي ذات السياق فإن ذلك يفسر عدم اقتناع الإسرائيليين بعملية السلام في القدس، فهم يعتبرونها لهم ومن حقهم، وهذا ما أكده مقال نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.
وقد حاول رئيس حكومة الإحتلال الحالي بنيامين نتيناهو التركيز على يهودية القدس واستغلال الفكرة الدينية والدعاية الصهيونية في التحريض على القدس، حيث قال في عام 2012 أن "القدس عاصمة الدولة اليهودية منذ ثلاثة آلاف عام وستبقى كذلك، ولا أهتم بما تقوله الأمم المتحدة"، وكان ذلك خلال إحدى خطاباته قبيل الانتخابات حسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت.
توافق الإعلام مع الأهداف الصهيونية
وعملت الحكومة والتيارات الإسرائيلية خلال الأعوام السابقة ومن خلال الترويج الإعلامي، لتحويل القدس إلى عاصمة دينية "لإسرائيل" في ظل وجود العاصمة العلمانية "تل أبيب"، وهو ما أدى إلى استبدال ما نسبته 61% من سكان القدس إلى متدينين "حريديم" حسب المصادر الإسرائيلية. وفي ذات السياق يروج الإعلام لضرورة طرد المصلين من الأقصى والذين أسماهم "بالإرهابيين"، كما صرح بذلك قادة أجهزة الإحتلال الأمنية والإستخبارية للقناة الثانية.
واجتمعت الرؤية السياسية والإعلامية الإسرائيلية حول القدس، مع رؤية الإسرائيليين أنفسهم، ففي آخر استطلاع للرأي نشرته القناة الثانية ظهر فيه أن قرابة 60% من الإسرائيليين مع سحب الهوية الإسرائيلية من سكان القدس الفلسطينيين، علما أن عدد الفلسطينيين في القدس يقدر بـ300 ألف داخل الجدار العازل، و55 ألف خارجه.
ويشترك في الترويج لكل ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يعتبر أغلبها وسائل يمينية أو حكومية تسعى لمجاراة الحكومات المتعاقبة، لذلك نجد بأن الإعلام الإسرائيلي عندما يتعامل مع الأحداث في مدينة القدس والأقصى يذكر الأسماء الدينية، فيقول "أورشليم القدس" في النسخة العربية، و"يروشالايم" في النسخة العبرية، ويستخدم مصطلحات مثل "هار هبايت" أي جبل الهيكل بدل الأقصى، "كوتل همعرفي" اي الحائط الغربي بدل حائط البراق، وغيرها من التسميات الدينية التي أصبح متفقا عليها بل ومجبرا على استخدامها، بفعل الضغط اليميني والرقابة الحكومية.
واجتمعت آراء المفكرين الإسرائيليين والتيارات الإسرائيلية رغم اختلافها، على أن القدس تعتبر هدفا دسما في مسيرة دولة الإحتلال ولإقامة "الدولة اليهودية"، بهدف السيطرة على كامل القدس، بصرف النظر عن التوقيت والأسلوب العنيف أو الناعم، لأن ذلك سيخضع لشدة مقاومة الفلسطينين والعرب وبسالة دفاعهم عن القدس.