ترجمات-قدس الإخبارية: إن مصطلح اللوبي الصهيوني لا يمكن أن نختصر تواجده كما يظن البعض في الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول لدولة الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، ولكن هذا الكيان علم بأن بقاءه مرتبط بتكوين لوبي آخر في الشرق الأوسط بين أعدائه من العرب أنفسهم للدفاع عن مصالحه بينهم عن طريق جناح عربي في المنظومة الصهيونية يتولى مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإقرار أمر وجودها كواقع بين العرب يجب التعامل معه.
تاريخيًا كانت تهمة التعامل مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية تهمة تستوجب مقاطعة الدول لفاعلها في المنطقة العربية، بعد أن خاضت دولها أكثر من أربعة حروب مباشرة مع "إسرائيل" فقدت خلالها الآلاف من أبنائها، أما في أعقاب آخر حرب خاضها جيش عربي ضد "إسرائيل" وهي حرب أكتوبر من العام 1973 التي خاضها الجيش المصري بجانب الجيش العربي السوري لتحرير أراضيهم المحتلة، تحولت سياسة العرب تجاه "إسرائيل" شيئًا فشيء.
مصر التي تصدرت الصراعات مع "إسرائيل" دومًا في القرن الأخير كانت أول المتحولين جذريًا في مواقفها وعقدت اتفاقية كامب ديفيد، واعترفت بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونجحت إسرائيل باتفاقية السلام تلك في تحييد الدولة المصرية وجيشها الأقوى عربيًا في ذلك الحين، وهو الأمر الذي تكتل ضده معسكر عربي رافض لتلك المعاهدة استدعى مقاطعة مصر عربيًا بتهمة خيانة القضية العربية والفلسطينية.
ومع مرور الوقت لم تتحول مصر إلى المعسكر العربي بل العجيب أن المعسكر العربي بأكمله هو الذي تحول إلى الموقف المصري وبدأ في عملية تطبيع شاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، قامت إسرائيل بذلك عن طريق تكوين لوبي مصالح مشترك بينها وبين العرب يستطيع أن يُحرك سياسة العرب نحو التطبيع مع دولة الاحتلال ومن ثم استخلاص حلفاء لدولة الاحتلال من بين الدول العربية كلٌ حسب ظروف بلده الداخلية ومحيطه الإقليمي.
فبدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي في الشرق الأوسط تجعل من رجال الأعمال الإسرائيليين شركاء أساسيين في بعض الدول العربية وبدأت عجلة التطبيع الاقتصادي تدور رويدًا، إلى أن وصلت "إسرائيل" لمرحلة قبول الدبلوماسية العربية بها، إذ افتتحت سفارات إسرائيل في غالبية الدول العربية التي تسمح ظروفها بتأمينها وفي مقدمتها مصر، حتى وصلت الأمور إلى مجرياتها الحالية من تشكيل لوبي صهيوني في الدول العربية عمل على التنسيق الكامل مع الكيان الإسرائيلي بما في ذلك التنسيق العسكري والأمني.
عملت "إسرائيل" طوال هذا الوقت على تكوين لوبي "صهيوعربي" عن طريق شراء ولاء مسؤولين في أجهزة حساسة داخل الدول العربية سواء كانت في الأجهزة السيادية أو الاقتصادية ولا يفوتنا أن نذكر قصة الجاسوسة الاقتصادية التي تحدثت عنها الصحافة المصرية عقب ثورة يناير وقالت إنها تجسست علي الاقتصاد المصري ورجال الأعمال المصريين وظلت فترة في القاهرة تتابع نشاطهم وترسل بياناتهم الشخصية والمعلومات الكاملة عن شركاتهم ومصانعهم إلى تل أبيب، وقد حذرت الجهات السيادية الرئيس الأسبق حسني مبارك من ذلك، ولكنه أمر بعدم المساس بها.
ومن ثم سادت قناعة عربية على مستوى الحكومات أن التعامل مع "إسرائيل" شر لا بد منه، لكن الأمر تخطى أمر الحدود الدنيا من التعامل إلى التنسيق الكامل الإستراتيجي المستمر بعقد شراكات بين دولة الاحتلال وبعض الزعماء العرب طوال السنوات الماضية، وصلت إلى حد الاختراق الأمني للقضية الفسلطينية نفسها.
فالتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية "يجري على قدم وساق" بعد قيام مؤسسات أمنية خاصة بالسلطة الفسلطينية عقب إنشائها، هذا التنسيق يقضي بتقديم السلطة نسخة من ملفاتها الأمنية إلى الجانب الإسرائيلي بموجب هذا التنسيق الأمني بين الطرفين وذلك تحت ذريعة الحفاظ على الأمن بين الجانبين، لكن حقيقة هذا المصطلح أنه يتم إطلاقه على عملية تجسس السلطة على الشعب الفسلطيني لصالح دولة الاحتلال لتوفير المعلومات عن المقاومة في شتى الأنحاء، إذ يتم تخفيف وطأة حقيقته بوصفه "تنسيقًا أمنيًا" وليس تجسسًا لصالح إسرائيل ضد المقاومة.
فإذا بأعضاء فلسطينيين ينضمون إلى هذا اللوبي الذي يساعد إسرائيل سرًا وعلانية وينسق معها ويُصر على الحل السياسي للقضية الفسلطينية دون أن يطال مكتسب واحد طوال عقود من الإصرار على هذا الحل، ولكنه يُكسب دولة الاحتلال فرصًا تلو الأخرى للإجهاز على القضية الفسلطينية.
نجاح إسرائيل في تكوين لوبي صهيوني داخل العرب لم يتوقف عند اختراق المؤسسات الفسلطينية وإنشاء سلطة تتعاون معه على قدم وساق لإجهاض مشاريع المقاومة، بل امتد مشروع تكوين اللوبي إلى الدول العربية الكبرى مثل مصر، فبعد مقتل الرئيس السادات في مصر وتولي الرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأت مصر في وضع إسرائيل في خانة الصديق تحت ذريعة انتهاء الحرب والدخول في عملية سلام.
الأمر الذي استوجب تنسيقًا استخباراتيًا وعسكريًا بين الجانبين لضبط الحدود التي تجمعهم، ومع ظهور المقاومة في غزة في الفترة الأخيرة تطور هذا التنسيق المصري الإسرائيلي لرصد نشاطات المقاومة المتمثلة في حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة، إلى أن أعلنت الحرب على غزة إبان حكم مبارك من قلب المدينة المصرية شرم الشيخ، حتى سقط الكنز الإستراتيجي لإسرائيل "حسني مبارك" بعد هبة شعبية أطاحت بنظام حكمه.
"إسرائيل" استخدمت الضغط الأمريكي على مصر لضمان الحفاظ على معاهدة السلام معها في حالة صعود أي تيار جديد إلى الحكم، هذا الأمر الذي ضمنه الجيش المصري لإسرائيل بعد أن تحول اعتماده الكامل على دولة الولايات المتحدة في أمور التسليح لضمان أمن "إسرائيل" من ناحية مصر، فالجيش المصري هو ضمن منظمومة حماية أمن إسرائيل وإن أنكر البعض ذلك وذلك بفضل مجهودات اللوبي الصهيوني في المنطقة العربية القائم على تحييد الأخطار بعيدًا عن دولة الاحتلال.
ومع صعود تيار الإخوان المسلمين في مصر إلى الحكم لم تخش إسرائيل نهائيًا من إلغاء معاهدة كامب ديفيد بقدر ما خشيت من إطلاق العنان للمقاومة الفلسطينية التي استغلت فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي للتزود بالأسلحة الإستراتيجية وتخزينها لمعاركها القادمة مع دولة الاحتلال.
التحالف الصهيوعربي المشكل القائم على المصالح رأى أن هذا النمط من الحكم سيخرج عن منظومة مصالحهم المستقرة منذ عقود، فبدأت دول حليفة لإسرائيل كالإمارات العربية المتحدة تتواصل مع الجيش المصري لإسقاط هذا الحكم بأسرع وقت ممكن، وهو ما كان من دعم خليجي للجيش المصري لقيادة انقلاب عسكري على الرئيس السابق ووضعه في السجن، لينجح التحالف الصهيوعربي في الحفاظ على شبكة مصالحه مع الكيان الإسرائيلي الذي لم يخف فرحته على وسائل إعلامه بهذه الخطوة. الأمر الذي يُعطيك الصورة الحقيقية عن أحد أسباب هذا الانقلاب العسكري في مصر بدعم من اللوبي الصهيوني في المنطقة العربية، وهو تعامل الحكومة المصرية مع المقاومة الفسلطينية بعد الانقلاب، فبعد الدعم الذي قدمته سلطة الرئيس السابق مرسي، تحول الأمر إلى شيطنة وعداء وحملات لهدم الأنفاق التي تعد شريان الحياة لقطاع غزة المحاصر من قِبل إسرائيل والذي أحكمت مصر الخناق عليه بعد الانقلاب العسكري بالتنسيق مع إسرائيل.
إبان حرب غزة العام الماضي نقلت صحيفة جيروسالم بوست عن مغردين قولهم إن "السيسي لا يريد أن يوقف الحرب ضد حماس، لكنه يريد أن يبدو كما لو كان يريد أن يوقف الحرب!"، كما أشارت إلى تصريحات مسؤولين مصريين عن أن "غالبية المصريين يلقون باللائمة على حماس" خاصة بعد عدم قبولها بالمبادرة المصرية التي وافق عليها الإسرائيليون عدا وزيرين من اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو.
وقد أكدت صحيفة "معاريف" العبرية في تقرير لها عن التعاون بين إسرائيل ومصر أن هذا التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب يتعزز منذ الإطاحة بحكم الإخوان، ولفتت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن هناك تنسيقًا أمنيًا خفيًا بين الجيشين المصري والإسرائيلي لم يكن هناك مثله من قبل؛ موضحة أن كلا من القاهرة وتل أبيب تريدان الحفاظ على العلاقات بينهما بعيدًا عن الأضواء، ولكن بالرغم من ذلك تؤكد مصادر أمنية إسرائيلية أنه في مصر ينمو واقع أمني جديد وأكثر أمانًا بالنسبة لتل أبيب.
أما عن جانب آخر من اللوبي الصهيوني في المنطقة فإننا ننتقل إلى التحالف السري بين الإمارات وإسرائيل، إذ أعلنت القناة الثانية على موقعها الإلكتروني في السابق أن ثمة لقاءات سرية تجري بين مسؤولين في الجانبين، كان أبرزها اجتماع منذ عام في باريس جمع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ونظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لبحث خطط خاصة من أجل القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بتمويل من الدولة العربية.
وكانت تقارير حديثة أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أن دولة الإمارات العربية كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وأيدت حدوثها، أملاً في إسقاط حركة حماس، وذلك لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.
يكشف دبلوماسي إسرائيلي عن المساعي الإسرائيلية المستمرة لاختراق دول الخليج العربي، وترسيخ التطبيع معها، هذا الدبلوماسي هو "سامي ريفيل" أحد مهندسي العلاقات الإسرائيلية القطرية سابقًا.
يؤرخ ريفيل لبداية العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج العربي باتفاقات أوسلو التي تم التوقيع عليها في عام 1993، حيث جلسات لإسرائيل حول مائدة واحدة مع دول عربية لم تقم معها علاقات دبلوماسية، لبحث التعاون في قضايا المياه والاقتصاد ومراقبة التسلح والأمن الإقليمي، كما يشير ريفيل إلى أن العلامة الفارقة على طريق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية تمثلت في مشاركة إسرائيل في مؤتمر القمة الاقتصادي بالدار البيضاء في المغرب، والذي عقد في أكتوبر 1994.
الاتصالات الإسرائيلية مع العرب في ذلك الحين تركزت بشكل أساسي على إقامة علاقات سياسية بين إسرائيل وتلك الدول العربية التي لا حدود مباشرة لها مع إسرائيل، وعلى رأسها دول المغرب العربي، الجزائر وتونس والمغرب، ودول مجلس التعاون الخليجي الستة، وكان لجهود إسرائيل في هذا الاتجاه نتائج فعلية، حيث أعلن مجلس دول التعاون الخليجي عن وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل أو معها.
الدول الخليجية بشكل عام هي أحد أبرز مكونات اللوبي الصهيوني في المنطقة عن طريق العلاقات الاقتصادية، فرجال الأعمال الخليجيين اهتموا كثيرًا بالتقدم التكنولوجي الإسرائيلي، ونبع اهتمامهم بهذا الأمر من رغبتهم في الحد من اعتمادهم على تصدير النفط وتنمية مجالات اقتصادية وصناعية جديدة لوضع أسس لتصدير منتجات جديدة.
وبصورة مبدئية كانت تقديرات معهد التصدير الإسرائيلي تشير إلى أن إسرائيل تصدر منتجات تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويًا إلى دول الخليج العربي، في مجالات متنوعة مثل وسائل الاتصالات، وأجهزة التبريد والتكييف، والتجهيزات الطبية، والبتر وكيماويات، ومواد البناء والأغذية والمنتجات الزراعية، كما حملت العلاقات الإسرائيلية الخليجية في مضمونها إمكانية تقصير الطريق أمام الإسرائيليين إلى الأسواق الأسيوية الكبرى، عبر المرور واستغلال الموانئ التجارية الكبرى والمتقدمة في الخليج العربي.
كل هذه العلاقات الاقتصادية التي تخدم السياسة ساهمت في تشكيل لوبي مصالح يخدم بقاء إسرائيل في الشرق الأوسط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث نجحت هذه العلاقات في إزالة حالة العداء مع الدولة الإسرائيلية وبدأت هذه الحكومات العربية في التعامل مع الحالة الإسرائيلية كأمر واقع، واستفادت هذه الحكومات بلا شك من التطبيع مع هذا اللوبي، واستخدمت هذه الحكومات أيضًا في خدمة المشروع الإسرائيلي في المنطقة تحت ذريعة انتهاء الحرب وحلول السلام، والحقيقة أن انتهاء الحرب كان من جانب واحد فقط، بينما ترى إسرائيل أنها في حالة حرب دائمة.
نون بوست