نابلس-قدس الإخبارية: بين التسابيح والابتهالات والتراتيل المختلفة (التوشيحات)، تختزل مدينة نابلس حكايتها في شهر رمضان المبارك بشيء يميزها عن غيرها من مدن الضفة الغربية، وتزداد تلك الحكاية تجليا في العشر الأواخر بعد أن تغدو تلك الترانيم تمتمات يرددها الكثيرون بعفوية مطلقة.
وفي المدينة يتناوب شبان ثلاثة، هم حسام وراغب ومصعب، في تأدية "التوحيشة" -كما يلفظها أهل المدينة- الرمضانية دون غيرها من التراتيل الدينية، بمثل هذه الأوقات من كل عام، لتعج بها مآذن المساجد بالمدينة قبيل وقت السحور بقليل. ويغلب على تلك الأغاني والأناشيد ذكر الله والتسبيح والصلاة على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهي تؤدى بإتقان تطرب له آذان السامعين.
وشكلت هذه الابتهالات منذ عقود مكونا أصيلا من مكونات المدينة، حيث يقول راغب القصاص، أحد المنشدين الثلاث، إنه ورثها عن شيوخ في المدينة وإنها أضحت عرفا وتقليدا يصعب التخلي عنه تحت أي ظرف.
[caption id="attachment_71060" align="alignleft" width="400"] الشبان الثلاثة من اليمين حسام أبو صالح وراغب القصاص ومصعب شحروري[/caption]عمل جماعي
ويحضر القصاص -وفق حديثه للجزيرة نت- يوميا وقبيل وقت السحور بنحو ساعتين ليباشر بالتسبيح والإنشاد، ثم يرفع الأذان الأول، ويرفع مؤذن المسجد الأذان الثاني.
ويقول القصاص إنه لا ينام في الليل طوال شهر رمضان ويحرص على المجيء بالوقت المحدد، إذ يرى أنه يحمل مسؤولية إيقاظ الناس للسحور وليس مجرد إطرابهم بالإنشاد والابتهال.
من جهته، يرى حسام أبو صالح -وهو أحد المنشدين ومؤذن مسجد الحاج نمر النابلسي- أنهم يكملون بعضهم في هذا العمل الذي يحتاج لجهد كبير، حيث تساعد شبكة الأذان الموحد الشبان الثلاثة على القيام بعملهم بالطريقة الأنسب.
ويشعر أبو صالح بالاستمتاع بينما يُرتل بعض تلك التسابيح والأذكار كل يوم، لكن "التوحيشة" لها طعم آخر كما يقول، ولا سيما أنها تبعث برسائل تذكير للمتناسين وعتاب للمقصرين، كما تحث الناس على فضائل كثيرة كالتسامح والتراحم فيما بينهم.
ويحتاج المنشدون والمبتهلون للتدرب على الصوت لتحسين مخارج الحروف وتحديد خامة جميلة عبر الاستماع للمشايخ والمنشدين ومجالستهم، كما يقول المنشد الثالث مصعب شحروري.
ويضيف أن ابتهالاتهم تحظى بدرجة عالية من الاهتمام، وأنهم يشاركون بإحياء مناسبات وفعاليات دينية مختلفة بالمدينة كاحتفالات المولد النبوي الشريف.
جذور وتاريخ
ويقول إمام مسجد الحاج نمر النابلسي عمار عبده خطيب إن لهذه الابتهالات جذورا عميقة بنابلس ولم تكن محض صدفة، ويضيف أنه أدرك مشايخ عدة كانوا يعتبرونها جزءا أصيلا من التراث النابلسي، وأنهم لا يرونها مخالفة للعقيدة أو تنطوي على مخالفة شرعية.
ويؤكد للجزيرة نت أن تاريخها يعود إلى عصر الدولة الفاطمية، مضيفا أن ابتهالات نابلس تتميز بأنها من تأليف وتلحين وإنشاد شيوخها وعلمائها، أمثال الشيخ أبو رامي القدومي والشيخ صابر السايح.
ويقول بعض الأهالي إنهم يدينون للمنشدين الشبان الذين يُذكّرونهم على الدوام "بهذه الفضائل"، ويقول الشاب معين فرهود إن الموشحات العادية تعد "مكرمات" لمن تغنى له تكريما وتقديرا، لكنها في رمضان "أعظم شرفا وتقع من القلب بمكان".
أما السيدة ريما (أم محمد) فتحرص على الاستيقاظ يوميا قبيل بدء التوشيحات عبر مكبرات الصوت بالمساجد لتستمع لأعذب الكلمات، وتقول إنها لا تملك نفسها عن البكاء حال سماعها.
المصدر: الجزيرة نت/ تقرير: عاطف دغلس