خاص - شبكة قدس الإخبارية: منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد عام كامل، تتصاعد التساؤلات حول غياب الفعل الجماهيري والحراك الشعبي في الضفة الغربية والداخل المحتل.
في بداية الحرب، انطلقت المسيرات المركزية في معظم مدن وميادين الضفة كجزء رئيسي من الالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة بمواجهة الاحتلال والتصدي له بكافة الوسائل، فيما لا يخفى على الفلسطينيين واقع الصراع، وما يحيط بهم من مخاطر حقيقية في مختلف مناطق تواجدهم ضمن حربٍ وجودية، اتخذها الاحتلال على هذا النحو منذ بدايتها.
ويمكن القول، إن الاعتقالات الواسعة التي شنها جيش الاحتلال في الضفة والتي طالت بشكلٍ رئيسي القائمين على الحراك الشعبي هي السبب الأبرز في تغييب الفعل الجماهيري، والقبضة الأمنية المزدوجة لجيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ومن هذه الوقائع، يُطرح تساؤل آخر عن الوجود التنظيمي في الضفة والداخل، ودوره في تحريك الشارع، على غرار سنوات التجارب النضالية السابقة، كانتفاضة الأقصى عام 2000، والانتفاضة الأولى، فما الذي تغير؟
مشاعر مختزلة وغياب للسُبل
في حديث خاص لـ"شبكة قدس" قال المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجواد حمايل، إن الشارع الفلسطيني في الضفة والداخل يشهد مشاعر مختزلة مختلطة بين الحزن والغضب، فيما يدرك الفلسطينيون حقيقة ما يحدث.
أما عن الغياب التنظيمي فوضح حمايل، أن الفئة المنظمة التي تتوفر لديها الإمكانيات بالعمل بالضفة والداخل، غير معنية بالانخراط في المعركة، بالضفة، رفض التنظيم السياسي الأوسع المشاركة بالمعركة منذ بداياتها، وليس هذا فحسب، بل يسعى بشكل مستمر لإفشال أي محاولة انطلاق بأي عمل جماهيري واجتماعي وسياسي داخل الضفة.
في حين ارتبطت واقع التنظيم السياسي بالداخل المحتل، في الواقع الاقتصادي والسياسي المحصور هناك دون الانطلاق من فعل المصير الجمعي للفلسطينيين، بينما تواجه أي قوى تنظيمية تحاول الانطلاق بعمل سياسي أو عسكري لعملية ملاحقة شرسة على غرار ما يدور في مناطق شمال الضفة، والاعتقالات التي يلاقيها النشطاء في باقي مناطق الضفة.
ضعف التعبئة الإعلامية وانعكاسها على التعبئة الجماهيرية
قال الكاتب والمحلل محمد القيق، إن غياب التحريض الإعلامي للقيام بثورة أو حراك واسع يشارك غزة مصابها، من الأسباب الرئيسية لانعدام الحراك الفلسطيني وحتى العربي عن حجمه وثقله الحقيقي والمؤثر في الصراع.
من جانب آخر يرى القيق أن الإعلام الفصائلي والسياسي يقع على عاتقه أجزاء من هذه المسؤولية، بغياب التعبئة والتحريض.
أما الحالة الفصائلية داخل الضفة، فيرى القيق أنها بحالةٍ صعبة بعد أن أنهكتها سنين طويلة من الملاحقة والتغيب على مدار قرابة 20 عام منذ السنوات الأخيرة انتفاضة الأقصى، فضلاً عن اختراق بعضها من قبل السلطة، ونجاح مخططات السلطة.
ومن العوامل الهامة التي وضحها القيق، هي حالة الإنقسام المستمرة ومحاولة تضليل الجمهور حول اهداف معركة طوفان الأقصى ومسارها، وخلق الجدليات حولها وحول طبيعة الصراع.
الداخل المحتل والغياب المستمر
تقول الناشطة الفلسطينية هزار حسين، إن الوجود التنظيمي بالداخل المحتل، ينحسر بالانهماك بالأحداث الآنية التي تمس الوجود الفلسطيني هناك وصراع البقاء القائم هناك، في ظلال الممارسات الاستعمارية المستمرة في الحرب الصامتة ضد كل ما هو عربي، في حين اتسم العمل التنظيمي الفلسطيني بالداخل بالالتصاق بالحقوق الأساسية للفلسطينيين.
وأكدت حسين، إن التقصير في التربية التعبوية للأجيال خلقت حالة من الفجوة بين القضايا الرئيسية المتعلقة بالهجمة الصهيونية والغربية ضد الكل الفلسطيني، وبين القضايا التي يعاني منها فلسطيني الداخل، وهو ما يُفسر سلوكياً ببذل الجهود بالقضايا الصغرى مع عدم الإنصياع للقضية الكبرى، إضافة لضعف الوصول إلى منهاج تعليمي مستقل يواجه حالة الانصهار بالمجتمع الإسرائيلي.
انطلقت معركة طوفان الأقصى في خضم إصدار الأحكام العالية ضد أسرى الداخل، على خلفية مشاركتهم بأحداث هبة الكرامة التي رافقت معركة سيف القدس منتصف عام 2021، في حين شكلت هذه الأحكام القاسية أشبه ما يكون بحالة ردع أم أي محاولة نهوضٍ جديدة.
تمر الضفة الغربية والداخل المحتل بهذه الظروف أمام هجمة استيطانية غير مسبوقة تُمارس ضدها، تتحالف بها حكومة الاحتلال مع مليشيات المستوطنين والصهيونية الدينية بمعتقداتها المتطرفة التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على الضفة وطرد الفلسطينيين منها، وهو ما أعرب عنه بشكلٍ علني وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش بعدة تصريحات صحفية، فيما تستهدف هذه المخططات فلسطينيي الداخل المحتل أيضاً.
وفي حين يقع التساؤل عن غياب الحراك الشعبي في الضفة والداخل والتكاتف مع الإبادة المستمرة في قطاع غزة، يقع التساؤل عن إمكانية الضفة بمواجهة المعركة المقبلة عليها مع عصابات الاستيطان التي تزداد قوتها يوماً بعد يوم، مع زيادة نفوذ الصهيونية الدينية في مفاصل دولة الاحتلال.
أما على الصعيد الفعلي، تعيش الضفة بحالة العمل المقاوم بين مدٍ وجزرن انطلق بشكلٍ تدريجي قبل حرب الإبادة على قطاع غزة بنحو 3 سنوات، ونجح بإثبات نفسه في شمال الضفة، أمام محاولات الاجتثاث المستمرة والعنيفة التي يتعرض لها حتى هذا اليوم، فيما تنطلق العمليات الفردية النوعية بين الفينة والأخرى، كانعكاس واضح على مدى تأثر الأجيال الشابة بتفاصيل حرب الإبادة والإجرام الإجرام الإسرائيلي في غزة، ليتحرك هؤلاء الشباب بعملياتهم دون وجود أدنى مقومات للانطلاق في حين تنجح هذه العمليات بالإثخان في العدو.
وعلى غرار العمليات الفردية المنطلقة من الضفة نفذ العديد من فلسطيني الداخل والقدس عملياتٍ مشابهة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف جيش الاحتلال ومستوطنيه، في محاولة مستميتة لنصرة قطاع غزة مع عدم الالتفات إلى العواقب، المترتبة كالاستشهاد والأسر وهدم المنزل ومعاناة الأهل.