خلال السنوات السبع الماضية اضطرت حركة "حماس" للسيطرة المنفردة على قطاع غزة. وأصبحت هي الجهة الحاكمة في القطاع، واستمرت حكومتها المجازة من البرلمان المنتخب بتسيير شؤون القطاع. واستطاعت - الى حد ما - تسيير حياة الناس ضمن القدرات والإمكانيات المتاحة.. وككل حكومات العالم كان لتجربتها سلبيات وايجابيات، تم الحديث عنها ونقاشها ونقدها من قبل الكثيرين.
بعض السلبيات وبرغم ان بعضها قد يكون موضوعياً جدا، إلا أن كلمة أو إجابة واحدة قد تكون كافية للرد على كل تلك السلبيات، وهي أن حماس حركة مقاومة بالأصل! وقدرتها على الصمود في الحكومة طيلة 7 سنوات هو بحد ذاته إنجاز. لكن ما أود أن اطرحه هنا هو حول سؤال الاختيار ما بين المقاومة و الحكومة.
أغلب حركات المقاومة في العالم تسعى إلى التحرر من الاستعمار والاحتلال ووضع ذلك الهدف كأولوية قبل الاهتمام بقضية تسيير حياة الناس و المساهمة في الحكم حتى ولو كان ذلك الحكم جزئياً على أراضٍ شبه محررة. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن كون "حماس" حركة مقاومة أم حركة سياسية؟ أم تجمع بينهما؟
حركة "حماس" المقاومة هي نفسها "حماس" بنت الإخوان المسلمين. وهذا واضح وصريح في ادبيات الحركة وفي ميثاقها وعلى لسان قياداتها، فهي ذراعهم في فلسطين, وهنا تكمن الإشكالية او ربما "التميز" حيث تم الخلط بين دور الإخوان الدعوي الإسلامي وبين دور "حماس" المقاومة للإحتلال. وفي حالة الحكومة في قطاع غزة فإننا نرى أن الإخوان المسلمين الذين لهم دورهم الفكري والتربوي يتبوؤن مواقع في الحكومة مع عناصر الحركة بأذرعها المختلفة.
نستطيع القول بأن حركة "حماس" في قطاع غزة استطاعت إنشاء نموذج مقاوم جديد، يدمج ما بين المقاومة وبين شؤون الدولة، وهو الشعار الذي رفعته وقت الانتخابات. بغض النظر عن بعض الاعتراضات السابقة حول أن الحركات الثورية دورها مقاومة الاحتلال فقط، وليس إنشاء حكومات تحت الاحتلال.
سلبيات هذه الإشكالية قد نراها أو يراها من يعيش في قطاع غزة حيث نرى "حماس" الاخوان المسلمين تسيطر على المجتمع, ومن جهة أخرى هي نفسها "حماس" القسام. قد نجد هناك من يؤيد عمل "حماس" المقاوم ولكنه يرفض عمل الحكومة. وكأنه يرفض على سبيل المثال اسماعيل هنية ويؤيد اسماعيل هنية بنفس الوقت، وهنا يقع المواطن في الإشكالية التي تعيشها "حماس" بسبب التناقضات التي أوقعت اتفاقية أوسلو الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة فيه.
وقد أدى الى هذا الخلط الحاصل أن جماعة الإخوان المسلمين بالأساس هي حركة دعوية فكرية إسلامية وتسعى للوصول الى الحكم الإسلامي ونشأت قبل إنشاء دولة الكيان الصهيوني. بينما حركة "حماس" القادمة من رحم الإخوان المسلمين وقياداتها ومؤسسيها هم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين هي حركة مقاومة إسلامية تعيش تحت ظروف الاحتلال الصهيوني و من الصعب الحديث عن حكومة على أراضي محتلة.
وعندما تغيرت الظروف قليلا وخرج الإحتلال من أرض غزة. هنا كان على حركة حماس أن تسئل نفسها اين سيكون موقعها؟ هل انتهى دور "حماس" المقاومة؟ أم انه انتهى فقط فوق ارض غزة ويجب عليها السعي الآن لتحرير باقي الأرض؟ لماذا لم تقم حركة حماس بإعادة تشكيل حزب الخلاص الإسلامي أو اعادة تأسيس حزب سياسي فلسطيني يتعامل مع الواقع الجديد في غزة وتكون مهمته تشكيل حكومة وإدارة الواقع وتحمل المسؤوليات الإدارية، ويكون هذا الحزب مبنياً على أسس وطنية كاملة (عدم الاعتراف بإسرائيل وحق العودة والقدس..الخ).وتبقى "حماس" حركة مقاومة هدفها التحرير؟
ولماذا لا يعود دور الاخوان المسلمين الى قطاع غزة كما كان يحصل قبل تأسيس حركة "حماس" في مجال التربية والفكر الإسلامي وبشكل عام كما هو دورهم في مصر والعالم العربي؟. وبالتالي لماذا لا يعود الإخوان للعمل في القطاع؟ لماذا هذا السؤال؟ إمساك "حماس" بزمام الأمور في جميع المجالات أثر وبصورة كبيرة على العمل الدعوي والثقافي. وأثر على العمل الخدماتي الحكومي. بينما المجالين الأساسيين الذين تم التركيز عليهم هما السياسي والعسكري – دون إهمال لأهميتهما طبعا-.
لماذا لا تكون هناك مشاريع اقتصادية تعمل على انهاء السيطرة الاسرائيلية على الاقتصاد في غزة. لماذا لا تقوم الحكومة في غزة مثلا بالترتيب مع الاجهزة العسكرية بحيث يتم وضع النواة الأساسية للجيش الفلسطيني؟ وكثير من الامثلة التي يمكن بقليل من الصبر والعمل القيام بإنجازها. أعلم بان هذه الأمور المطروحة صعبة قليلا وبحاجة لتفصيلات كثيرة وشرح أكبر للواقع خصوصا أن الامر مرتبط نوعا ما بعلاقة غزة مع مصر. ولكن ما أود طرحه باختصار هو محاولة للخروج من سيطرة "التنظيمات" على واقع الحياة الفلسطينية.
بناء عليه لماذا لا يكون لدينا توزيع أدوار للسلطة في غزة؟ وانا لا اتحدث عنها عن عودة فتح للمشاركة في السلطة في غزة فهذا أمر يتعلق بالمصالحة وما يتبعها من إشكاليات وهو حديث لاحق.
و الأمر ايضا قد يكون فاتحة لتغيير حقيقي في واقع القضية، فعلى سبيل المثال في موضوع المصالحة. الخلاف أساسا بين حماس وفتح كحركات تنظيمية. في حال تم الفصل بين الحكومة والتنظيم يصبح بالإمكان حل المشكلة ببساطة دون النزاع على الصلاحيات, لأن الصلاحيات ستعود شأن داخلي خاص بمن يقود الحكومة فقط. وحتى لا يحصل التباس بالأمر أود أن أذكر أن واقع السلطة في الضفة من حيث السلطات والصلاحيات والخلط بين ما هو تنظيمي وبين ما هو شأن خاص بالحكومة مشابه تقريبا لواقع غزة, فحركة فتح هي التي تسيطر على الحكومة والاجهزة الامنية والمؤسسات وكل شيء, قد يقول قائل بأن الحكومة ليست من فتح, نعم ذلك صحيح لكن قرار تشكيل الحكومة والموافقة عليها يتم بقرار من حركة فتح ممثلة برئيسها ابو مازن.
خلاصة القول، تستطيع حركة حماس في قطاع غزة أن تدعم تشكيل حزب سياسي وطني يدير شؤون القطاع وتبقى هي دورها الأساسي في وضع والتخطيط والعمل على تحرير كل شبر محتل من فلسطين التاريخية والمضي قدما في إعادة تشكيل وترتيب وضع القضية الفلسطينية والسير قدما نحو تحرير اراضينا المحتلة.