فيلم جديد يحاول الترويج لفكرة أن السلام قد يتحقق بالتخلص من جزء مهم من تركيبة الشعب الفلسطيني. هذه المرّة على لسان شاب أُعتبر حتى فترة قريبة “فلسطيني”. يعرفه العالم باسمه، مصعب. لكنّه داخل جهاز الشاباك الذي تعاون معه لمدة 10 سنوات، كان اسمه: الأمير الأخضر. يبدو من المسيء للبعض أن يتم الحديث عن قصّة مصعب حسن يوسف، ابن أحد قيادات حماس الكبيرة، والذي عمل لصالح اسرائيل. لكنّ الهرب من القضيّة لن يجعلها تختفي، لإنها موجودة فعلاً، ويساهم مصعب نفسه في ترويج حكايته للعا لم بكلّ الطرق الممكنة. نتحدّث الآن عن فيلم وثائقي بُنيت قصّته على مذكّرات مصعب نفسها، والتي أصدرها في العام 2010 بعنوان “ابن حماس”، إلا أنّ مخرج الفيلم الإسرائيلي (نداف شيرمان) قرر أن يهتم أكثر بالعلاقة بين مصعب ورجل الشاباك الذي قام بتجنيده شخصياً، جونين بن اسحاق.
ببساطة، يروي مصعب وجونين قصّة الأمير الأخضر من خلال النظر إلى الكاميرا مباشرة. كلاهما يروي قصّته من جانب فهمه الشخصي للأحداث. هذا لا يحدث حتى في أكبر أحلامنا. ويتخلل الفيلم بعض المشاهد القديمة للقيادي حسن يوسف، ومشاهد تم إعادة تصويرها من كاميرا جوّية تحاكي الطريقة التي تمّ مراقبة وتجنيد مصعب من خلالها. لا شيء يبدو صدفة فيما نشاهده، فمصعب يرتدي قميصاً أشبه بقمصان الجنود الاسرائيليين. لغة الفيلم هي الانجليزيّة البسيطة، كما تظهر بعض الكلمات العربية والعبرية خلال عرض أحداث قديمة. يحاول المخرج وضع المُشاهد في حالة تفكير مستمر حول حياة الرجلين أمامه، بادّعاء أنّ كلاهما كان عليه اتخاذ قرارات حاسمة كان من الممكن أن تؤثر على حياتهما الشخصيّة، كان ذلك في محاولة لتوظيف مفهوم التضحية في غير مكانه المنطقي على الإطلاق.
يبدأ جونين كلامه بتصريح مثير، حيث يصف اليوم الذي بدأ العمل فيه على تجنيد مصعب “هو بداية نهاية مسيرتي المهنيّة”. حيث وجد نفسه أمام ابن قيادي كبير وقد وقع بين أيديهم بتهمة غير خطيرة. كان جونين قد قرأ تماماً ما الذي سيحدث معه، يقول أنه كان على يقين من أن تجنيد مصعب ما هو إلا مسألة وقت. ينسب هذه الغريزة إلى شهادته في علم النفس، والتي تتيح له، على حد قوله، الدخول إلى رأس المتهم في غرفة الاستجواب وتحديد نقاط ضعفهم بسهولة.
يندفع مصعب في كلامه منذ الدقائق الأولى للفيلم، متحدّثاً عن حبّه لأبيه، وتقديسه لتلك العلاقة بينه وبين اخوته الصغار. ثم ينتقل لتجربة دخوله المعتقل، ويروي كيف تغيّر رأيه حول حركة حماس، الحركة التي شكّلت “عمل العائلة” بالنسبة لأسرته كما يصفها، وذلك عندما شاهد في السجن الطرق التي يتم تعذيب فيها المتخابرين مع الاحتلال داخل السجن. للتمويه، تم إرسال مصعب للسجن بعد موافقته على العمل مع الشاباك، حيث سأله جونين سؤالاً مُباشراً، هل تود العمل معنا؟ فأجابه ببساطة: نعم. كانت اجابته هذه غير حاسمة في وقتها، حيث يدّعي أنه كان على استعداد لقتل أي اسرائيلي في تلك اللحظة وأنه كان يمارس خدعة لجعلهم يتركوه وأنه اراد العمل كعميل مزدوج.
يحاول الفيلم وضعنا في زاوية واحدة تركّز على الصراع النفسي داخل عقل مصعب يوسف. فبعد حديثه الايجابي عنه، يرفض مصعب الطريقة التي عاش بها والده، والتي فرضت عليه نمط حياة معيّن. هذه العلاقة المضطربة مع والده تستمر بالانكشاف شيئاً فشيئاً لتصل ذروتها عندما يقوم مصعب بتسليم والده للإعتقال بنفسه. حيث يدّعي أن ما فعله هو قمّة المسؤولية، ويرفض وصفه بالخيانة. مع ذلك، يرجع مصعب للإعتراف لاحقاً ان ما فعله خيانة. هنا يصل الفيلم لمرحلة يجعل فيها الأسئلة المطروحة أكثر من تلك التي تم الاجابة عنها. فالفيلم يفشل تماماً في تحديد وجهته، من ناحية فنيّة على الأقل. عندما يبدو للمشاهد أن كل شيء على مايرام، يأتي فصل اسمه “الثقة” في الفيلم، لينهي كل تلك الأفكار الأوليّة عمّا حدث، فيشعر المتلقي بأنه لم يعد فقط لمربع الصفر، بل إلى ما قبل ذلك بكثير.
يبدو من أحداث الفيلم أنّ هنالك ثلاث أحداث رئيسيّة كوّنت القرار النهائي لمصعب وقتها، رغم ضبابية العلاقة المباشرة بين هذه الأحداث وبين القرار نفسه أصلاّ، وهو الأمر الذي يبقى بلا تفسير. الأوّل هو الرعب الذي تعرّض له عند اعتقاله، والثاني هو الثقة الكبيرة التي حصل عليها من جانب العدو. والأخير، هو الموقف الذي خصص له المخرج وقتاً كافياً، والذي تطلب بعض الشجاعة من مصعب نفسه للحديث عنه، حيث روى قصّة اغتصابه عندما كان طفلاً من قِبل أحد أبناء جيرانه عندما كانت عائلتهما مجتمعتان قرب أشجار الزيتون. لم يكن واضحاً، من ناحية فنّية، الربط المباشر بين شجرة الزيتون كرمز لصمود الشعب الفلسطيني كما يظهر في الفيلم، وبين هذه الحادثة تحديداً، التي تم عرضها في فصل خاص أطلق عليه مخرج الفيلم “شجرة الزيتون”.
نصل في نهاية الفيلم، إلى الحقيقة التي يعلمها الجميع: إن تعاونت مع العدو فأنت بالنسبه إليهم ورقة محروقة. حياتك ستكون مرهونة لهم، وهذا ما حدث مع مصعب عند انتهاء مهمته، ألقوا به ليواجه العالم بنفسه، تخلّوا عنه تماماً، لدرجة جعلته يبكي نهاية الفيلم من الطريقة التي باعوه فيها. بل وحاولوا التضييق عليه. ليُجبر في نهاية المطاف، على اتخاذ القرار الأناني بفضح عائلته وإلصاق العار بهم إلى الأبد وفق معايير المجتمع الفلسطيني، من أجل النجاة بنفسه.
كوثائقي، يمكن اعتباره فيلم ناقص ومُبسّط إلى حد كبير. يعرض قصة علاقة مباشرة بين رجلين بشكل سطحي. ويحاول تبرير سفك الدماء الذي يمارسه العدو الاسرائيلي على أنه نتيجة “للإرهاب” الفلسطيني. وهذا يعتبر مشكلة للكثير من المشاهدين، حتى من غير الفلسطينيين، وذلك على الرغم من استخفافه التام من وجهة النظر الفلسطينيّة طوال الفيلم. الفيلم يسقط من ناحية فنية في معالجة القضايا التي يطرحها. ويقوم بتبرير غير مباشر لموقف مصعب، الذي تحوّل إلى المسيحية، من خلال عرض أزماته النفسية. بل إنه لا يقوم حتى بطرح سبب مقنع جعله يتصرّف على ذلك النحو.
إعلان الفلم