شبكة قدس الإخبارية

تحليل وكالة الاستخبارات الأمريكية النفسي السري لطغاة وزعماء العالم

هيئة التحرير

أشارت مجلتا بوليتيكو ويو إس إيه توداي الأسبوع الماضي إلى الدراسة السرية التي أجراها البنتاغون عام 2008، والتي خلصت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعاني من مرض التوحد. وقد أكد مكتب هيئة التقييم الكلي أن ساعات من التدقيق في مشاهد لبوتين قد كشفت “أن الرئيس الروسي يعاني من مشكلة عصبية … تم تحديدها من قبل كبار علماء الأعصاب بأنها متلازمة أسبرجر، وهو نوع من اضطراب التوحد الذي يؤثر على كل قراراته“.

من جانبه، نفى المتحدث باسم بوتين تلك الادعاءات ووصفها بالغباء وأنها لا تستحق التعليق. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي حاول فيها مجتمع الاستخبارات الأمريكي تشخيص الزعماء الأجانب عن بعد نيابة عن السياسيين والدبلوماسيين الأمريكيين؛ فوكالة الاستخبارات المركزية لديها تاريخ طويل من محاولات صياغة الملامح النفسية والسياسية لشخصيات دولية، بدرجات متفاوتة من العمق والدقة. وفيما يلي عينة من هذه المحاولات:

أدولف هتلر

أدولف هتلر (في الخلف في الوسط) كمريض عسكري في الحرب العالمية الأولى

في عام 1943، كلف مكتب الخدمات الاستراتيجية، الذي يعادل وكالة الاستخبارات المركزية في فترة الحرب العالمية الثانية، هنري موراي، الاستشاري النفسي في جامعة هارفارد لتقييم شخصية هتلر بناء على الملاحظة عن بعد.

النتائج

في تقييم قاس جاء في 240 صفحة، خلص موراي وزملاؤه إلى أن هتلر نرجسي ولا يشعر بالأمان، عاجز جنسيًا، مازوخي (يتلذذ بالتعذيب)، عصابي قابل للانتحار، ويرى نفسه أنه “مدمر الأنا العليا العبرانية المسيحية“.

كما أن هناك خلافًا كبيرًا بين المتخصصين، أو حتى بين الهواة وعلماء النفس حول أن شخصية هتلر تعتبر مثالًا لرد الفعل العكسي، وهو النوع الذي يتميز ببذل الجهد المكثف والعنيد (1) للتغلب على الإعاقة المبكرة والضعف والإذلال (الجراح المتعلقة بالثقة بالنفس)، وأحيانًا أيضًا بالانتقام من الإهانات التي نالت من كبريائه.

وذكر التقرير أن هتلر كان يعاني مما يعرف بـ”العمى الهستيري” عندما كان جنديًا في الحرب العالمية الأولى. “وقد أصابه هذا المرض النفسي الجسدي مع الهزيمة النهائية لألمانيا الكبرى، بعد سماعه خبر استسلامها. ولكنه استعاد بصره فجأة“. (انظر الصورة أعلاه). وتابع التقرير:

بالنسبة لحياته الجنسية، فهو مازوخي بشكل كامل، وهو ما تم التوصل إليه من خلال التحليل المنهجي والارتباطات بين ثلاث آلاف استعارة غريبة استخدمها في مذكراته “كفاحي“. لكن، هتلر نفسه كان عاجزًا جنسيًا؛ فهو غير متزوج، ويقول معارفه القدماء إنه غير قادر على ممارسة الجنس بطريقة عادية.

وتوقع التقرير ثماني نهايات محتملة للفوهرر، بما في ذلك الجنون، أو التضحية بنفسه في المعركة، أو افتعال قتله على يد قاتل يهودي، أو الانتحار، فيقول: “لقد تعهد هتلر في كثير من الأحيان بأنه سوف ينتحر إذا ما تم إجهاض خططه، ولكن إذا اختار هذا بالطبع، فسوف يفعل ذلك في آخر لحظة وبطريقة أكثر دراماتيكية … وبالنسبة لنا ستكون تلك النتيجة غير مرغوب فيها“.

هوتشي منه

هوتشي منه مع البحارة في ألمانيا الشرقية

قامت وكالة الاستخبارات المركزية بدراسة الزعيم والثوري الفيتنامي في الخمسينيات.

النتائج

برغم أن التقرير لا يزال سريًا، إلا أن مقالة نشرها توماس أومستاد في مجلة فورين بوليسي عام 1994، قد ذكرت شهادة أحد جنود مشاة البحرية المتقاعدين الذي رأى التقرير بينما كان يعمل مع الوكالة.

وقال المصدر لأومستاد إن وكالة الاستخبارات المركزية قد أخطأت في تقييم دوافع وأهداف هوتشي السياسية. وكمنتج من الحرب الباردة، فإن التقرير “قد بالغ في تقييم مدى ماركسية هوتشي، والتقليل من نزعته القومية القوية“.

نيكيتا خروشوف

نيكيتا خروشوف وجون كنيدي في فيينا عام 1961

قدمت وكالة المخابرات المركزية دراسة حول رئيس الوزراء السوفيتي قبيل لقائه عام 1961 مع الرئيس جون كينيدي في فيينا. ووفقا للمؤرخ مايكل بيشلوس، فقد جعلت قراءة ذلك التحليل، جون كنيدي مدمنًا على قراءة الملفات الشخصية لاسيما “الأسرار البذيئة للزعماء الأجانب“. كما قدم السوفييت أيضًا تحليلًا عن كينيدي لخروتشوف، الذي وصفه بأنه “براغماتي نموذجي”، وأن “ليبراليته نسبية“.

النتائج

صورت وكالة المخابرات المركزية خروتشوف بأنه “الفلاح الخام الذي يحب أن يكون غير متوقع، وذا وجهين“، كما كتب غونتر بيشوف ومارتن كوفلر في كتابهما على القمة.

كما وصفه الملف بأنه كان يوضح أحيانًا فكرته بنوع من الفكاهة الغليظة، وقد امتاز خروشوف في بعض الأحيان بكرامة شخصية كبيرة. كما كانت لديه قدرة غير عادية لإبراز قوة شخصيته.

كما كانت لديه حساسية مفرطة تجاه الإهانة، الحقيقية أو المتخيلة، المباشرة أو المتوقعة، كما أنه كان يربط بين عقيدته السياسية وأمته.

كان قادرًا على الحديث بصراحة شديدة، كما بدت عيناه صادقتين بشكل غير عادي، لكن خروتشوف يمكن أيضًا في بعض الأحيان أن يكون مقامرًا وخبيرًا في الخداع. وغالبًا ما يكون من الصعب التمييز إن كانت نظرة عينيه صادقة أم لا. كما أنه من الصعب أيضًا معرفة ما إذا كان غضبه حقيقيًا أم مختلقًا … ويصبح أقل قدرة على إخفاء عصبيته الهائلة عندما يكون متعبًا.

فيدل كاسترو

فيدل كاسترو وهو يتملق الجماهير

نشر فريق الأمراض النفسية بوكالة المخابرات المركزية تقريرًا سريًا عن الزعيم الكوبي في ديسمبر عام 1961.

النتائج

فيدل كاسترو ليس “مجنونًا“، لكنه عصابي للغاية وغير مستقر الشخصية؛ مما يجعله عرضة بشدة لأنواع معينة من الضغط النفسي. وتعتبر العناصر العصابية البارزة في شخصيته، هي شغفه بالسلطة وحاجته للظهور وتملق الجماهير.

كما أن كاسترو لديه حاجة مستمرة إلى التمرد، وإلى إيجاد عدو له، وإلى توسيع نفوذه الشخصي عن طريق الإطاحة بالسلطة القائمة. وفي حال تعرضه للانتقادات، فإنه يصبح غير مستقر عاطفيًا لدرجة فقدان الاتصال مع الواقع.

مناحيم بيغن وأنور السادات

مناحيم بيغن، وجيمي كارتر، وأنور السادات في كامب ديفيد، 1978

تحسبًا لمحادثات كامب ديفيد عام 1978، طلب الرئيس جيمي كارتر من وكالة المخابرات المركزية مساعدته في إعداد التقارير النفسية لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن، والرئيس المصري، السادات. وبعد القمة، أشاد كارتر بالملفات التي قدمتها الوكالة له قائلًا: “بعد أن أمضيت 13 يومًا مع الرئيسين، لا أود تغيير كلمة واحدة“.

النتائج

كان السادات رجل الصورة الكبيرة، بينما كان بيغن يهتم بالتفاصيل، ولكن كلا منهما كان على استعداد للتفاوض. كما ذكرت وكالة الاستخبارات المركزية:

“كان لثقة السادات بنفسه دور فعال في تطوير سياسته الخارجية المبتكرة، كما كانت مساعدًا له في المرونة والقدرة على التحرك خارج العزلة الثقافية للعالم العربي. فهو يرى نفسه استراتيجيًا كبيرًا وأنه سوف يقدم تنازلات تكتيكية إذا ما اقتنع بأن أهدافه الشاملة ستتحقق … وقد تسمح له الثقة بالنفس باتخاذ مبادرات جريئة، وغالبًا ما يتجاوز اعتراضات مستشاريه“.

كما وصف الملف الشخصى رغبة السادات في الاستحواذ على الأضواء بأنها تشبه “متلازمة باربرا والترز“، و”عقدة جائزة نوبل“.

ومن ناحية أخرى، أشار جيرولد بوست، الطبيب النفسي الذي أنشأ قسم التحليل النفسي بوكالة الاستخبارات المركزية، إلى أن بيغن قد تميز “بالميل للدقة والتمسك بالقانون“. وأشار ملفه الشخصي إلى أن “بيغن يرى أن اللقاء وجهًا لوجه بين قادة العالم يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في التعامل مع المشاكل الدولية المعقدة التي تبدو مستعصية على الحل“.

معمر القذافي

Muammar Gaddafi 1942 – 2011 Libyan Leader

في وقت مبكر من الثمانينيات، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية فهم الزعيم القوي الليبي، الذي كانت تصرفاته الغريبة تقلق إدارة ريغان.

النتائج

 نقل بوب وودوارد في كتابه عن وكالة الاستخبارات المركزية:

على الرغم من الاعتقاد الشائع بعكس ذلك، فإن القذافي ليس ذهانيًا، وهو على اتصال مع الواقع في معظم الأوقات … ولكن، القذافي يعاني من نوع شخصية شديد الإزعاج وهو “اضطراب الشخصية الحدية” … فهو تحت الضغط الشديد، قد يلجأ لسلوك غريب عندما يكون حكمه خاطئًا.

بينما أرجع تحليل لاحق للوكالة تصرفات القذافي إلى “أزمة منتصف العمر“.

(حقيقة فكاهية: بعد أن أدركت وكالة الاستخبارات المركزية أن الرئيس رونالد ريغان لم يكن قارئًا جيدًا، بدأت الوكالة في تقديم التقارير في أشرطة فيديو مع الموسيقى).

صدام حسين

صدام حسين

في عام 1990، قدم جيرولد بوست، مؤسس مركز تحليل الشخصية والسلوك السياسي بوكالة الاستخبارات المركزية، تحليلًا نفسيًا سياسيًا شاملًا لصدام إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب.

النتائج:

غالبًا ما تلصق تسميات مثل “مجنون الشرق الأوسط”، أو “مصاب بجنون العظمة” بصدام، ولكن الواقع هو أنه لا يوجد أي دليل على أنه كان يعاني من اضطراب ذهاني.

لقد كان سعي صدام من أجل تحقيق السلطة لنفسه وللعراق لا حدود له. وفي الواقع، فقد كان يعتبر أن مصيره ومصير العراق هما شيء واحد. وسعيًا لتحقيق أحلامه، لم يكن هناك ما يدل على أنه كان مقيدًا بضميره؛ فولاؤه الوحيد هو لصدام حسين. كما أنه قد يستخدم درجات من العنف  قد تصل إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل من أجل تحقيق أهدافه.

وفي حين لم يكن حسين مريضًا ذهانيًا، إلا أنه كان لديه ميل قوي لجنون العظمة.

صدام ليس لديه الرغبة في أن يكون شهيدًا، ويمثل البقاء على قيد الحياة الأولوية رقم واحد بالنسبة له. كما أن الثوري البراغماتي لا يرغب في التورط في صراع قد يلحق ضررًا بالغًا بالعراق وبمكانته كزعيم … فصدام لن يستمر في المواجهة إذا كانت لديه وسيلة للخروج، لكنه يمكن أن يكون خطرًا للغاية ولا يمكن إيقافه في حال تمت محاصرته.

جان برتران أريستيد

Exiled Aristide in the United States

في عام 1991، قدمت وكالة المخابرات المركزية تحليلًا نفسيًا سريًا لرئيس هايتي، الذي كان قد تم للتو الإطاحة به في انقلاب عسكري. وكانت إدارة كلينتون تعد لإعادته إلى السلطة في عام 1994، حينما قدمت الوكالة التقرير لأعضاء الكونغرس، وهو ما أشعل حملة لسحب الدعم الأمريكي للزعيم المنفي.

النتائج: عانى أريستيد من الهوس والاكتئاب، وكان يعالج في مستشفى مونتريال في أوائل الثمانينيات، وكان يتعاطى أدوية قوية مضادة للذهان. كما ادعت وكالة المخابرات المركزية أيضًا بأن أريستيد عرضة لاستخدام العنف وأنه ربما يسعى لقتل خصومه السياسيين لدى عودته إلى السلطة.

وبناء على ادعاءات وكالة الاستخبارات المركزية، هاجم السيناتور جيسي هيلمز أريستيد علنًا واصفًا إياه بأنه “مختل عقليا“، و”قاتل واضح“. ومع ذلك، فقد نفت المستشفى عند السؤال كونه مريضًا لديها. كما نفى أريستيد أنه كان يتعاطى أدوية نفسية، وقال إنهم قالوا أشياء أسوأ من ذلك عن مارتن لوثر كينغ، وكخبير في علم النفس، فأنا أعلم كيف يتم اغتيال الشخصية وكيف تكون الحرب النفسية.

واختتم توماس أومستاد مقاله في مجلة فورين بوليسي بأن التحليل عن بعد كان علامة سوداء في سمعة الوكالة، وقال: “إذا كان صناع السياسة سوف يستمرون في طلب تلك التقارير، فيجب أن يطالبوا بأن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بذلك بشكل صحيح“.

المصدر: ماذر جونز – التقرير