شبكة قدس الإخبارية

كلمة "نعم" كادت تقتل يهودا غليك!

عبدالقادر عقل

إطلاق النار على الحاخام المتطرف "يهودا غليك" كان أشبه بالمعجزة، فوقع الخبر لم يكن صدمة فقط لدى القادة الإسرائيليين ومستوطنيهم، بل أيضاً كان مفاجأة لدى الأوساط الشعبية الفلسطينية، فمن كان ليتصور أن "غليك" رجل الهيكل الأول قد ينتهي المطاف به إلى تلك الليلة التي يمكن أن يعتبرها أسوأ ليلة في حياته!

عملية إطلاق النار ليس ما يميزها فقط طبيعة الهدف، فحقاً إن المتابع المتعمق يُمكنه أن يلحظ كل جوانب العملية بدقة، فيدرك قيمة ضخامتها وقدر أثرها، هذه القيمة وذلك الأثر يمكنه تلخيصه بحكايةٍ صغيرةٍ ستحكيها أم مقدسيةٌ لطفلها المدلل عند النوم مستقبلاً، وستصبح حكايةُ معتز حجازي كحكاية ليلى والذئب العالمية، لكن الفرق الأول أن الذئب كان "يهودا غليك"، وليلى الجميلة كانت "القدس بوابة السماء"، أما الفرق الثاني فلم تكن هناك جدةٌ بل كان ابن اسمه "معتز حجازي"، ابن حنونٌ  يفضل الموت على أن يرى الذئب يهتك عرض غاليته ليلى.

لا تتوقف الفروقات فقط عند كل تلك الأمور، فالابن حجازي لم يختبئ ولم يطعن في الظهر، بل تقدم بكل ثقة على دراجته النارية، وفي عقر ديار الذئب وعلى مقربة من أهله، ولدى خروج الذئب من أحد المباني الغالية على قلبه، همس حجازي من مسافة صفر بالعبرية المختلطة باللكنة العربية للذئب: "هل أنت يهودا غليك"؟ الذئب ربما ظنّه أحد المعجبين بسياسته الاستيطانية التهويدية المتطرفة، لكنه لم يعلم أن معتز حجازي قدره المحتوم، وهو الابن الذي جاء ليبر بقسمه وليصون ما تبقى من شرفٍ لوالدةٍ تكالبت عليها معظم كلابِ البشر من شتى الأصقاع، تفكير الذئب السطحي جعله يرد:"نعم".

كلمة "نعم" في ذاكرة مُعتز، لم تكن تعني الرد بالإيجاب فقط، ربما عنت في ثنايا ذاكرته الكثير الكثير، فتارة تعني أن الذي يقف أمامه هو رجل الهيكل الأول والداعي لإزالة الأوقاف من قلب المدينة المقدسة، وتارة أخرى تعني أن الرجل الذي أمامه هو الذي يستبيح حرمة منزل والدته ليلى المقدسية ما بين فينة وأخرى، وتارة ثالثة يقفز إلى ذهن حجازي مشهد كلماته عند الإفراج عنه من سجون أشقاء الذئب غليك، يوم قال حجازي:"سأكون شوكة في حلقهم"، وكان يقصد الذين يعتدون ويدنسون ويهوّدون محبوبته وأمه القدس، هل ترون ما تعنيه ثلاث أحرف بسيطة بالنسبة لمعتز حجازي!

حروف كلمة "نعم" كانت كفيلةً بأن يُصدر القاضي حُكمه الفوري لحظة اتضاح كافة الشواهد والأدلة أمامه في محكمةٍ من نوع آخر أمام المبنى، فكانت ثلاثة حروف بثلاثة طلقات استقرت في أنحاء متفرقة من جسد الذئب!

الابن معتز حجازي لم يكن من أصحاب الشعارات الطنانة، ولم يقل إنه سيقلب الدنيا رأساً على عقب عبر أقواله، لم يكن "مقاتلاً فيسبوكياً" مثلنا، معتز درس وخطط ونفذ وانسحب... وكل الحكايةِ وفق اعتراف المصادر الإسرائيلية الإعلامية.

أي مجنونٍ أنت يا معتز؟

هل تطلق النار على الذئب من مسافة أمتار وأمام أحد المباني الغالية على قلبه!

الجواب أنك من النوع المجنون بعشق مدينته، وهذا ما يظهر جلياً في لقائك المصور عقب الإفراج عنك عام 2012، فكم هو رائع جنونك! كم هو رائع أن يبقى الإنسان يحب مسقط رأسه الأبدي، ويُصّر على الموت فيه!

لم تنتهِ الحكايةُ بإطلاق النار على الذئب فقط، بل استطاع الابن معتز الفرار من أمام الذئب ورفاقه ولم يعثروا عليه إلا بعد ساعات، في زمن الغابةِ... الأرانب عندما تسرق أو تبطش أو تفكر بالحرب أو تشعر بالخطر فإنها تهرب خارج الغابة كلها للحفاظ على حياتها من الذئاب، لكن معتز حجازي كان أسداً فنفذ ما أراد، وعاد إلى عرينه ومسقط رأسه ولم يهرب! بل إنه حتى لم يرفع يديه مستسلماً عند حصاره، بل اعتلى سطح المنزل، ووحيداً أعلن ثورةً في حي الثوري ليكون له من اسمه نصيب، وليرتقي شهيداً مضرجاً بدمه الطاهر.

يا ربّاه! صدفةُ الأسماء تلتصق بالشهداء وأماكن استشهادهم، لا لا ليست صدفة! ربما ليست صدفة من يدري؟ ، مُعتز اعتز بانتمائه لأمه/قدسه وافتداها بدمه وصان عرضها حق صون، و"حي الثوري" أعلن الثأر والثورة بطلقات ابنه المعتز بالله ثم بكرامة أمه.

كلمة "نعم" التي قالها الحاخام غليك، كادت تقتله وفق الرواية الإسرائيلية، وعقب ذلك تم قلب حروفها وبعثرتها لعقاب أهل معتز حجازي وحظر أقارب القدس من التجول في رحابها، فأصبحت الكلمة "منع" بدلاً من "نعم".