شبكة قدس الإخبارية

عشرون عاماً على رحيل " صائد الشاباك".. ضربة لن ينساها الاحتلال!

هيئة التحرير

تصادف هذه الأيام الذكرى العشرون على رحيل عبد المنعم أبو حميد المجاهدٍ الفلسطينيّ الذي قام بعمليةٍ نوعية في تاريخ النضال ضد الاحتلال، نال على إثرها لقب " صائد الشاباك". العميل المزدوج الأول: 

نجح عبد المنعم يوسف أبو حميد  مواليد عام ١٩٦٩ في مخيم الأمعري في رام الله، في اللعب على جهاز الشاباك الإسرائيلي، وإيهامه أنه يتعاون معه، في الوقت الذي كان يعمل فيه لصالح كتائب القسام، ونفذ مع مقاتلين آخرين كميناً قتل فيه ضابط كبير في جاهز الشاباك وأصيب مساعداه.

حين ينقلب السحر على الساحر:

لم يكن يوم 13/4/1994 يوما عاديا على مخابرات الاحتلال، فقد اشرقت شمس ذلك اليوم والوجوم يلف كل قادتهم..صفعة لم يكونوا يتوقعونها، فالنهار الذي انتظروا فيه اصطياد عدد من كوادر المقاومة ليظهروا على شاشات التلفزة معلنين نصرا على المقاومة.. عاجلتهم المقاومة بضربة لم يتوقعوها!

 تفاصيل الحكاية:

بعد أن جند الاحتلال كل طاقاته لمحاربة المقاومة الصاعدة وبروز نشاط فصائل المقاومة لاسيما حركة حماس، واعتماده بشكل كبير على تجنيد عملاء للإيقاع بالمقاومين، قررت المقاومة ان تخوض غمار الحرب الامنية معه.

وكان من اشد القائمين على عمليات الاسقاط وتجنيد العملاء في منطقة رام الله ضابط رفيع في المخابرات يدعى نوعيم كوهين ، واسمه الحركي "كابتن مجدي " وكان يسميه الناس بوحش الاسقاط لكثرة تجنيده للعملاء، ولا شك ان المنطقة قد عانت منه كثيرا ، فوضعت المقاومة نصب عينيها التخلص منه، وكان المجاهد الذي أنيطت به هذه المهمة عبد المنعم أبو حميد الذي كان كثير التعرض لعمليات الاعتقال والملاحقة من قبل العدو، وجاء الفرج القريب للخطة باعتقال عبد المنعم وتعرضه للتحقيق لدى المخابرات التي تقوم كعادتها بطلب ما يسمونه التعاون من اي مناضل يقع بين ايديهم، وكان أبو حميد بنظرهم " متعاونا" مناسبا لما يعرف عنه من سمعته الطيبة وتاريخه الجهادي الطويل وقوة صلته بحركة حماس، وبطريقة ذكية استطاع أبو حميد ايهام الضباط بانه قد انهار وانه على استعداد للتعامل معهم مقابل خدمات معينة يقدمها له الاحتلال. 

أبو حميد يخترق جهاز "الشاباك":

 كان واضحا لقادة المقاومة بأن "الشاباك" بات يمتلك معلومات عن علاقة المجاهد عبد المنعم بنشاطات الجهاز العسكري لحركة حماس، وتقديمه خدمات ومساعدة لمطاردي القسام. ويعرف الكابتن نوعم كوهين، منسق نشاطات "الشاباك" في منطقة رام الله بأن هذه المعلومات كفيلة بإيداع المجاهد عبد المنعم السجن لمدة سبع سنوات على أقل تقدير.

ولكن الضابط  الذي كان يستخدم الاسم الحركي (الكابتن مجدي) أراد أن يختصر طريقه إلى قمة الهرم في جهاز "الشاباك" ويثبت لمرؤسيه كفاءته وتقدمه على نظرائه في محاربة المقاومة. إذ ظن أنه يستطيع، عبر الاغراءات والحوافز، أن يزرع عميلاً داخل الجهاز العسكري لحركة حماس. ولهذا، جاء تفتيش منزل أبو حميد ومن ثم تبليغ ذويه بمثوله في الإدارة المدنية والتحقيق معه.

ذهب المجاهد عبد المنعم أبو حميد إلى مقر الإدارة المدنية في رام الله، وقابل الكابتن مجدي في الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد الموافق 19كانون أول 1993. وخلال التحقيق الذي أشرف عليه الكابتن مجدي وعدد من مساعديه، نجح عبد المنعم بإيهام المحققين بأنه طالب في جامعة بيرزيت وأن همه ينحصر في مواصلة دراسته الأكاديمية. وهنا، وقع الكابتن في الفخ، فقد عرض على عبد المنعم إطلاق سراحه لتحقيق أمنيته في الدراسة وسلمه مبلغ 800 شيكل جديد (300 دولار) كمساعدة مادية لعائلته المكافحة. وأطلق الشاباك، سراح عبد المنعم بدعوى أنه لم تتوفر أدلة كافية لإدانته، وعاد المجاهد إلى إخوانه ليحدثهم كيف نجحت الخطة وكسب ثقة "الشاباك" والكابتن مجدي على وجه التحديد.

جلس عبد المنعم ومجدي في اقبية الشاباك ينسجون الخطط حول الية العمل المخابراتي بين الطرفين، وتعلم عبد المنعم من تلك الجلسات الكثير عن اساليب المخابرات الإسرائيليد وخططها في استهداف المقاومين، وكان ذلك ذا فائدة عظيمة لجهاز الكتائب فيما بعد، ثم بدأت مرحلة اكثر حساسية ودقة وهي مرحلة تعزيز الثقة بين المخابرات وعبد المنعم، الذي كان عليه ان يقدم معلومات باستمرار عن الحركة، فاصبح يزودهم وبشكل مدروس بمعلومات مضللة عن المقاومة كانت تنسجها الكتائب بهدف ايصالها الى العدو، وكان عبد المنعم يتواصل مع الكابتن مجدي باستمرار ويتعلم حول الية تعامل العدو مع عملائه وطرق اتصاله بهم واماكن النقل والتواصل، وبعد اشهر طويلة ، بدا الاعداد للضربة الحاسمة وهي التخلص من كابتن مجدي والى الابد.

 العملية.. الفخ:

اتصل عبد المنعم بمجدي مخبرا اياه انه علم بتحركات مجموعة من مطاردي القسام في المنطقة وان عليهم الالتقاء بهدف وضع الخطة التي سينصبون فيها الكمين من اجل تصفيتهم، وبالفعل التقى الاثنان وطلب عبد المنعم في هذه الجولة مبلغا كبيرا من المال جراء معلوماته القيمة - اشترى به لاحقا المسدس الذي قتل به الضابط-،  فاعطاه كوهن المبلغ، واتفقا على موعد لاحق في منطقة بيتونيا في رام الله.

وفي الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأحد الموافق 13شباط (فبراير) ،1994 كان كل شيء عادياً في ذلك الحي، وحتى سيارة المرسيدس البيضاء التي كانت تحمل لوحة ترخيص رام الله، وبداخلها الكابتن مجدي ونائباه مرت بشكل عادي دون أن تثير الانتباه. وبناء على إشارة مسبقة من عبد المنعم، توقفت السيارة على جانب الطريق ثم تقدم عبد المنعم منها ويداه في جيبه، وما أن اقترب أبو حميد من سيارة "الشاباك"، حتى فتح السائق النافذة من جهته لتحيته. وعندئذ، استل المجاهد مسدساً وأطلق النار على السائق أولاً ثم على الجالس إلى يمينه قبل أن ينبطح أرضاً لئلا يصاب برصاص إخوانه. وكانت هذه إشارة للمجاهدين عبد الرحمن حمدان وعلى العامودي اللذين كانا خلف جدار قريب من الحجارة ليمطرا السيارة بوابل من الرصاص صابينه على الراكب في المقعد الخلفي وهو الكابتن مجدي.

الأسير المحرر علي العامودي الذي شارك في العملية يقول: " سارت خطوات تنفيذ العملية حسب ما رتّب لها، وأخذنا الإشارة ووزّعت المهام، وقمنا بإطلاق النار الكثيف مجرد وصول سيارة ضابط الشاباك ، فأطلقنا عليه نحو (130 رصاصة)، كما أطلق الشهيد "عبد المنعم" النار من مسدسه تجاه الضابط" وقد نجح المقاومون الثلاثة في الانسحاب من المكان بعد أن قتل الضابط الذي كرس حياته ووقته لخدمة قسم التحقيق في جهاز الشاباك، وحقق خلال عمله هذا «نجاحات» في محاربة المطلوبين على حد تعبير أحد قادة "الشاباك"، وأصيب الاثنان الذان كانا معه إصابات خطيرة، أحدهم في رأسه وكتفه والآخر في رأسه وصدره. وبعد عودة المجموعة الى قواعدها قام عبد المنعم بالاتصال براديو صوت اسرائيل معلنا مسئولية كتائب القسام عن هذه العملية الامنية  النوعية ومتعهدا بضربات اخرى اكثر ايلاما للعدو .

رحيل " صائد الشاباك" :

في 31/5/1994 وبينما كان الشهيد يستقل حافلة مع قسامي اخر هو الشهيد زهير فراح نزل المجاهدان عند مفترق طرق في بلدة الرام المحاذية للقدس المحتلة ليقعا في كمين احتلالي أدى الى ارتقائهما شهيدين، وزف الشهيد في موكب مهيب الى مقبرة الشهداء في مخيم الامعري في رام الله حيث مسقط راسه، وكتب على قبره " صائد الشابك : عبد المنعم ابو حميد ".

تاريخ نضالي:

ولد الشهيد بتاريخ 8/4/1969، في مخيم الامعري، ليعيش طفولته لاجئا يعي حقيقة واحدة وهي ان عليه ان يقتص من عدو شرد اهله ، ودرس المراحل الاولى من تعليمه في مدارس وكالة الغوث في المخيم، ليلتحق بعدها بمدارس رام الله الثانوية، ويكمل تعليمه الجامعي في دار المعلمين . مع انطلاقة الانتفاضة الاولى شارك فيها وأصيب بساقه، وخلالها بدات رحلة عبد المنعم مع الاعتقالات فكان الاعتقال الاول لمدة ستة اشهر في سجن النقب، تلا ذلك خمسة اعتقالات على فترات متفاوتة، فقد اعتقل عامين ونصف بعد قيامه بإخفاء المجاهد اشرف بعلوجي منفذ عملية الطعن في يافا والتي قتل خلالها ثلاثة من الإسرائيليين، الاعتقال الرابع امضى فيه ثلاثة سنوات في سجون العدو، بعد خروجه من السجن التحق بجامعة بيرزيت كلية الآداب، واعتقل في سنته الأولى لمدة ثلاثين يوما، قام خلالها باستدراج المخابرات الإسرائيلية.